استمع إلى الملخص
- **تجارب فردية في الزراعة المنزلية:** غفران أمين زرعت خضروات بعلية ومروية باستخدام بقايا المياه المنزلية، مما وفر غذاء مجاني وراحة نفسية لأسرتها.
- **أهمية الزراعة في تعزيز الأمن الغذائي:** المهندسة أسماء البكور تؤكد أن الزراعة حول الخيام تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي وتوفير المال والراحة النفسية للنازحين.
تنتشر المزروعات الصيفية حول الخيام شمال إدلب في محاولة من النازحين الحصول على احتياجاتهم اليومية من الخضروات مجاناً، والتخفيف من وطأة النفقات المرتفعة وسط تزايد معدلات الفقر وقلة مصادر الدخل. وشكّل اعتماد البعض على تلك الزراعة فرصة للكثير من ساكني المخيمات لأن يحذوا حذوهم مع ضيق الحياة بهم وانعدام السبل جراء الغلاء وقلة فرص العمل.
استفادت النازحة المقيمة في مخيمات مشهد روحين شمالي إدلب صباح الأسمر من مساحة الأرض الصغيرة حول خيمتها من أجل زراعة عدة أنواع من الخضروات الصيفية البعلية التي لا تحتاج مياهاً كثيرة. وخطرت الفكرة لـ"الأسمر" حين عجز زوجها عن تأمين عمل ثابت، وتوقفت المساعدات الإنسانية في المخيم، ما جعل حالهم يسير من سيء إلى أسوأ، لدرجة أن صار ثمن الخبز عبئاً عليهم.
وقالت الأسمر لـ"العربي الجديد" إنها اضطرت لاتخاذ إجراء ما، يؤمن بعض الخضار لأبنائها الستة، الذين راحوا يعانون سوء التغذية في الآونة الأخيرة نظراً لقلة الخضار وندرة الفاكهة في غذائهم اليومي، غير أن فكرة الزراعة جاءت كأفضل الخيارات في مواجهة الفقر والعجز عن شراء الخضار والفاكهة. ولأن صباح تمتلك خبرة زراعية سابقة قبل أن تُجبر على مغادرة قريتها بعد سيطرة قوات النظام السوري عليها، فقد عملت على زرع بعض البذار وشراء البعض الآخر، واختارت الأنواع التي لا تحتاجُ مياهاً كثيرة للري وأهمها البندورة البعلية والقثاء والبامية والقرع والمكنس والبطيخ واللوبياء.
أما "غفران أمين" فلم تعتمد زراعة الأنواع البعلية فحسب، إنما المروية أيضاً، رغم ضيق المساحة المجاورة لخيمتها الواقعة على أطراف جبال قاح شمال إدلب، ومنها الفليفلة والباذنجان والكوسا والخيار والنعناع. تقول غفران لـ"العربي الجديد" إن "التفكير في زراعة الأرض المحيطة بالخيمة جاء بعد توقف المساعدات الإنسانية في معظمها، فكان لا بدّ من تنفيذ المشروع بدلاً عن الجوع". وبما أن المساحات الملائمة للزراعة قليلة، كون المنطقة جبلية في معظمها، فقد بدأت أمين بتقليب التربة حتى تكون ملائمة، وراحت تزرع شتلات قليلة من كل نوع، كما استخدمت أوعية بلاستيكية ومعدنية قديمة للزراعة.
ولأن المياه قليلة في المخيم راحت أمين تروي مزروعاتها من بقايا المياه المستخدمة في الأعمال المنزلية، بعد أن صنعت مجرى لتلك المياه بين أنواع الخضار التي زرعتها، ما ساهم في سقايتها ومساعدتها على النمو في الظروف المناخية الحارة. ولا تشكل الخضروات التي تجنيها أمين غذاءً مجانياً لأسرتها وسط عجزها عن شراء معظمها فحسب، إنما راحة نفسية في خضم كل عوامل البؤس التي يقاسيها الناسُ في مخيمات النزوح.
أهمية الزراعة في مخيمات النازحين في إدلب
وللوقوف على أهمية الزراعة في المخيمات قالت المهندسة الزراعية أسماء البكور لـ"العربي الجديد" إن فكرة الزراعة حول الخيام جيّدة وتُسهم كثيراً بالاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي وتوفير المال والراحة النفسية لساكني المخيمات، عدا عن أنها صحية مقارنة بالخضروات المرشوشة بالمبيدات الحشرية التي تباع في الأسواق، والتي قد تكون مروية بمياه الصرف الصحي.
وأوضحت أنه مع استمرار موجات الحر والجفاف وقلة المياه، ستكون الزراعة المنزلية حول الخيام ذات أهمية كبيرة في التخفيف من وطأة الحر وعوامل التصحّر، لما يبعثه العنصر الأخضر من رطوبة وتثبيتٍ للتربة، ويمنح المخيمات جانباً من الحياة تبثّه تلك الزراعات.
وفي أحدث تقرير له قال فريق "منسقو استجابة سورية"، إن أزمة الأمن الغذائي شمالي سورية تتصاعد في الأشهر الأخيرة، مما يدفع معظم الأسر إلى تخفيض عدد الوجبات اليومية وكميات الطعام للحصول على المستلزمات الأساسية. وذكر الفريق أن عدد المحتاجين للمساعدات الإنسانية نحو 4.4 ملايين مدني، بنسبة زيادة 11% عن العام الماضي، وأشار إلى أنّ اضطرار الأسر لتقليل الوجبات هو خطوة جديدة نحو الهاوية وزيادة الفجوات في تمويل الاستجابة في سورية.
و بلغت نسبةُ الأسر التي خفّضت أعداد الوجبات الأساسية 74.4%، في حين وصلت ضمن المخيمات إلى 94.1%، وارتفعت نسبة المخيمات التي تعاني انعدامَ الأمن الغذائي إلى 89.3% من المخيمات، و96.4% منها تعاني صعوبات في تأمين مادة الخبز. وحذّر الفريق من مخاطر استمرار العجز عن تمويل العمليات الإنسانية في ظل الأوضاع الصعبة التي يعاني منها المدنيون شمالي غرب سورية، مطالباً الوكالات الدولية ببذل مزيد من الجهود عبر تقديم الدعم اللازم للنازحين ضمن المخيمات.