لم تعد المشاكل الاقتصادية تقتصر على التضخم في السويد، بعد أن وصل إلى 12% في شهر فبراير الماضي، فالبطالة في تزايد، ومبيعات التجزئة في تراجع وسط الغلاء، إلى جانب ارتفاع معدلات الفائدة التي أضحت تمثل تهديداً لقطاعات حيوية.
وما يجري في البلد الإسكندنافي من تغير سلبي على مستوى الاقتصاد يؤثر أيضا على دول الجوار التي ترتبط شركاتها بما يجري في هذا البلد، كما هو الحال مع الدنمارك.
باعتراف الاقتصاديين ورجال المصارف في السويد، فإن البلد يشهد تباطؤاً اقتصادياً يتجاوز الكثير من التوقعات السابقة. إذ يقوض التضخم القدرة الشرائية للمستهلكين ويؤثر بشكل سلبي على مختلف الأنشطة. وأدى التضخم المتزايد من 11.7% في يناير/كانون الثاني الماضي إلى 12% في فبراير/شباط، إلى حالة غير مسبوقة في البلد خلال 32 عاماً.
فقد أضعف ذلك قوة الكرونة السويدية، مع ارتفاع صاروخي لأسعار المواد الغذائية، ما اضطر البنك المركزي "ريكسبنك" إلى رفع سعر الفائدة. ذلك ببساطة يعني أن الأسر السويدية ارتفعت ديونها مقارنة بدخلها المتاح لتتجاوز 100%، وبشكل غير مسبوق خلال العشرين عاما الماضية، وفقا لأرقام "دويتشه بنك" الألماني، وكذلك مؤسسات مصرفية دنماركية على صلة وثيقة بالسوق السويدي.
كما تسبب ارتفاع أسعار الفائدة في السويد في تأثيرات سلبية على أصحاب العقارات وتكاليف امتلاك السكن، مع ارتفاع تكلفة القروض بشكل لم يشهده البلد منذ عام 1996، وفقا لمؤسسة "نورديا" المصرفية في السوق الإسكندنافي.
وكان البنك المركزي السويدي يتحدث عن عدم وجود مخاطر مع بقاء نسبة الفائدة قريبة من الصفر في سنوات ماضية، أما الآن فمن الواضح أن مصاريف الفوائد الإجمالية للسويديين سترتفع من 93 مليار كرونة سويدية في عام 2021 إلى 250 مليار كرونة سويدية العام الحالي (الدولار يساوي 10.33 كرونات سويدية)، أو من 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 4%، كما أشارت مؤسسة "نورديا" والبنك المركزي السويدي في عدد من الإحصاءات الجديدة.
وتسبب ارتفاع تكاليف القروض العقارية في تراجع القطاع العقاري، لتنخفض أسعار العقارات بنسبة 16% منذ ذروة ربيع العام الماضي، فيما يتوقع خبراء انخفاض الأسعار بما يتراوح بين 20% و30% قبل الوصول إلى القاع في عام 2024.
وتدفع الأسعار المرتفعة لتكاليف البناء الكثيرين إلى عدم المخاطرة عبر الخوض في مشروعات بناء جديدة، حيث زادت حالات الإفلاس في صناعة البناء بنسبة 50%.
ومن المفارقات أن "الأشقاء" الدنماركيين، كما يطلق عليهم السويديون، باتوا أيضا يستشعرون موجة إفلاس مثيلة، وإن لم تتحول بعد إلى هذا الحجم الهائل في السويد.
ومن المتوقع أن ينخفض عدد المنازل المبنية حديثاً بأكثر من 40% هذا العام. وبالتالي، فإن التطور في سوق العقارات السويدي يعد حالياً من بين الأضعف في أوروبا. ويشير الخبراء في السويد والدنمارك إلى أن تقلص الاقتصاد السويدي يؤدي، بحسب أرقام فبراير/شباط الماضي، إلى ارتفاع معدلات البطالة من 7.3% في يناير/كانون الثاني إلى 7.6% حالياً، وهو أعلى معدل في الأشهر الأربعة الأخيرة.
كما أن تجارة التجزئة السويدية تتراجع شهراً بعد شهر، وهي الآن أقل بنسبة 9.4% عما كانت عليه قبل عام. ومقارنة بالجار الدنماركي، الذي تراجعت فيه أيضا نفس التجارة بنسبة 4.3% لنفس الفترة الزمنية، يبدو تراجع القدرة الشرائية أعلى في السويد، حيث انخفض الاستهلاك في مارس/آذار الماضي بنسبة 12%، وفقا لملاحظة البنك المركزي في استوكهولم.
إذا، عوامل كثيرة تلعب دوراً في توقعات تراجع الاقتصاد السويدي، رغم أن البلد يعد متقدماً على مستوى الصناعة الخفيفة والثقيلة مقارنة بجاريه الدنماركي والفنلندي، ومن بين ما يحاول البنك المركزي فعله هو رفع أسعار الفائدة المتوقع لها أن تصل إلى 4% في الأشهر القادمة، مقابل نحو 3% حالياً.
في كل الأحوال، فإن هذه التطورات غير المبشرة لا تقلق فقط الداخل السويدي، بل إن الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، وهي من خارج منطقة اليورو، تتوقع لها المفوضية الأوروبية انكماشاً اقتصادياً لا يشبه بقية الدول الأعضاء.
ومن بين ما يلفت الانتباه توقع الأوروبيين انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1%، وألا يزيد النمو الاقتصادي عن 1.2% للعام 2024. ولدى الجار الدنماركي، بحسب توقعات الأرقام الأوروبية فرصة نمو تصل إلى نحو 1.6% لنفس السنة، وهو ما يوضح كيف أن البلد القوي اقتصادياً يتراجع أمام الاقتصاد الدنماركي الأقل كما ونوعاً مقارنة بالاقتصادين السويدي والنرويجي.
ومع ذلك، فمن منظور ترابط الاقتصادات في السوق الأوروبي المفتوح، يبدو التطور السلبي في السويد مؤثراً على الجيران. فعلى مستوى السوق الدنماركي فإن الخسارة تبدو أيضا منطقية لشركاتها، بما يؤثر على التوظيف والأرباح، لأن السويد تعد ثالث أكبر سوق للتصدير الدنماركي.
ومثلما تتأثر استوكهولم بارتفاع الفائدة وانعكاس ذلك على القروض المتغيرة فإن كوبنهاغن باتت تعاني أيضا، بحسب البنك المركزي فيها، من زيادة طفيفة في البطالة، مع استمرار التضخم، والخشية من فشل الناس في الإيفاء بقروض الرهن العقاري، ومن حساسية السوق الدنماركي مما يجري في دول الجوار أكثر بكثير من أسواق جنوب القارة الأوروبية، التي يتوقع أن تكون أفضل حالاً في اليونان وإيطاليا.