الركود يضرب عقارات ألمانيا وسط أزمة الطاقة وأعباء الرهون

07 نوفمبر 2022
هدف الحكومة لبناء 400 ألف وحدة سكنية هذا العام أصبح بعيد المنال (Getty)
+ الخط -

تواجه الكثير من المشاريع العقارية في ألمانيا خطر التوقف في ظل القفزات الحادة في أسعار مواد البناء الناجمة عن أزمة الطاقة واختناق سلاسل التوريد، فضلاً عن ارتفاع كلف الرهون العقارية، بعد زيادات أسعار الفائدة في الأشهر الأخيرة، ما ينذر بتصدع القطاع الحيوي، بينما تواجه الدولة بالأساس عجزاً كبيراً في الوحدات الإسكانية.

وأظهرت دراسة استقصائية أجرتها رابطة الإسكان والتطوير العقاري في ولايتي سكسونيا السفلى (شمال غرب) وبريمن (شمال)، وفق شبكة "أن دي أر" الإخبارية أخيراً، أنه لم يعد هناك رغبة لدى أغلبية المطورين العقاريين والبلديات في تنفيذ مشاريع إسكانية أو القيام بأعمال الترميم في الوقت الحالي.

ونقلت الشبكة عن رئيسة الرابطة سوزانا شميت، قولها إنّ هناك توقفاً حقيقياً طارئاً في بناء المساكن، وإذا لم تتغير الظروف الحالية فسيتواصل تراجع الأعمال في المشاريع الجديدة للشركات المنضوية تحت الاتحاد، الأمر الذي سيؤدي إلى انخفاض عدد الشقق المنجزة بنحو الثلثين عما كان مخططاً له. وتعد ولاية سكسونيا ثاني أكبر الولايات الألمانية من حيث المساحة بعد بافاريا، كما تعد الرابعة من حيث الكثافة السكانية.

مؤشرات مدمرة

ويفيد الاستقصاء الذي شاركت فيه نصف الشركات المنتمية للاتحاد البالغ عددها 81 شركة، بأنّ المؤشرات مدمرة، والتكاليف المرتفعة تجعل المشاريع غير اقتصادية مع انفجار أسعار مواد البناء واختناق التوريد وانسحابها على مشاكل التسليم، فضلاً عن نقص العمال من الحرفيين، والأسعار الباهظة للأراضي ومعدلات الفوائد المرتفعة على الرهون العقارية، وكلّ هذه الأسباب قلصت نشاط هذا القطاع المزدهر.

وفي ظلّ هذه الأوضاع يبدو هدف الحكومة الاتحادية بناء 400 ألف وحدة سكنية هذا العام غير واقعي، مع تراجع البناء. وقبل الأزمة الحالية، تظهر البيانات الصادرة عن المكتب الفيدرالي للإحصاء، أنّ العام الماضي 2021 شهد بناء نحو 293.3 ألف شقة بتراجع بلغت نسبته 4.2% عن 2020.

وبحسب مؤشر بناء المساكن الجديدة الذي قدمته روابط العقارات في مختلف الولايات، بلغ عدد الشقق الجاهزة حتى مارس/آذار الماضي نحو 34.8 ألف شقة، بزيادة قدرها 24% عن فبراير/ شباط، وبتراجع 9% على أساس سنوي مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.

وتنذر هذه المؤشرات بتفاقم أزمة الإسكان في الدولة، بينما كانت قمة الإسكان التي انعقدت العام الماضي قد خلصت إلى اعتماد حل للأزمة المتزايدة في أسواق بيع وإيجار العقارات ببناء المزيد من الوحدات السكنية لتغطية النقص، وكونها الطريقة الوحيدة للسيطرة على الارتفاعات المستمرة في تكاليف الإيجارات وشراء الشقق والمنازل. وأشارت شبكة "إيه أر دي" الإخبارية في تقرير لها مؤخراً، إلى قفزات قياسية في أسعار مواد البناء، إذ زاد سعر الحديد بنسبة 44.2% على أساس سنوي بنهاية يونيو/حزيران الماضي، وزادت الأخشاب بنسبة 83.3%، والبيتومين 63.9%، بفعل تراكمات جائحة كورونا، وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، والتي خلقت مشاكل في الإمداد ما ترك تصدعات في العديد من القطاعات.

من جهة ثانية، نشرت صحيفة فرانكفورته ألغماينه أخيراً تقريراً لرابطة قطاعات البناء الألمانية، جاء فيه أنّ 90% من الشركات اشتكت من تحليق الأسعار، كما أبدت 80% من الشركات قلقها من اختناقات التوريد، إذ أصبح موردو مواد البناء يطرحون أسعاراً يومية للمواد، بعدما كان سابقاً يجري الاتفاق على أسعار ثابتة مع شركات البناء، الأمر الذي يدفع شركات البناء إلى تغيير التكاليف المتفق عليها مع العملاء تجنباً لتكبد الخسائر.

دعم سياسي لتهدئة الأسواق

في السياق، قال كارستن كلاوس، المدير التنفيذي في شركة هانوفا فونن (Hanova Wohnen) أكبر شركة إنشاءات في مدينة هانوفر، إنه "لم تعد هناك قدرة دقيقة على التخطيط للأعمال فأسعار مواد البناء وتواريخ تسليم المشروعات لم تعد موثوقة، بينما نريد بشكل حقيقي استمرار أعمالنا".

وأضاف: "كيف يفترض بنا أن نعلن عن مشروع إذا كنا لا نعرف تكلفته الإجمالية في النهاية، والشركة فقط تقوم حالياً باستكمال المشاريع التي انطلق العمل بها"، معرباً عن أمله في حصول القطاع على دعم سياسي لتهدئة الأسواق، كما أنّ على البلديات توفير أراضي البناء بأسعار ميسرة التكلفة للسكن الاجتماعي، خاصة أنّ الطبقة الوسطى والأشخاص الذين يملكون القليل من المال، سيواجهون مشاكل متزايدة في إيجاد سكن بأسعار مشجعة.

وتشير تقارير اقتصادية إلى أنّ الإيجارات أصبحت أكثر تكلفة في الولايات الألمانية كافة مع نقص المعروض من الشقق. ففي ولاية سكسونيا السفلى، هناك حاجة مثلاً لبناء 141 ألف شقة بحلول 2025، لكن نظراً للوضع الحالي يبدو أنّ الأمر مستحيل. ووفق مكتب الإحصاء الفيدرالي في الولاية، جرى إنجاز ما يربو على 30.2 ألف شقة العام الماضي، ومن غير المرجح أن تجرى تغطية الطلب بحلول 2025، في ظل التراجع المستمر لأعمال التشييد.

ومع الصعوبات البالغة التي تواجه الشركات، حذرت اتحادات البناء والتشييد من تفاقم أزمة الإسكان مع وصول مئات آلاف اللاجئين الأوكرانيين إلى ألمانيا، الأمر الذي ضغط على الطلب على سوق الإسكان بشكل كبير.

وفي السياق، اعتمدت اتحادات شركات التطوير العقاري، ورقة من عشر نقاط من أجل مواجهة الأزمة وفق وسائل إعلام محلية، تتضمن تسهيل تصاريح البناء لتشييد المزيد من المساكن، وعقد "قمة" حول مواد البناء يشارك فيها مطورو المشاريع والمقاولون، بهدف إيجاد حلول للسيطرة على تكاليف البناء والحد من تداعياتها على الإنشاءات، والعمل على تأمين أراض جاهزة للبناء على وجه السرعة.

وقالت رئيسة رابطة العقارات، كارولين هيغنبارث، إنّ هناك إمكانات كبيرة في المدن لسد الفجوات، من خلال إضافة طوابق على الأبنية الموجودة، لكنّ هذا الأمر يتطلب تبسيط التراخيص، وإيجاد دوافع استثمار فعّالة لجميع الناشطين في مجال المقاولات.

المساهمون