الركود الأوروبي المتوقع يهدد خطة تركيا لزيادة الصادرات

18 سبتمبر 2022
تحتل أوروبا المرتبة الأولى كوجهة للصادرات التركية (الأناضول)
+ الخط -

يشهد الاقتصاد الأوروبي حالة من التراجع الكبير نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي من المتوقع أن تسبب حالة من الركود الاقتصادي في القارة العجوز، وهو ما قد ينعكس سلباً على اقتصاد تركيا عموماً، وصادراتها خصوصاً نتيجة التداخل التجاري الحاصل بين دور أوروبا وأنقرة.
ويأتي في مقدمة أسباب هذا الركود الأوروبي المتوقع، الاضطرابات الحاصلة في صادرات الطاقة الروسية إلى أوروبا، وخاصة صادرات الغاز القادمة من موسكو، التي تغطي نحو 40% من احتياجات الاتحاد الأوروبي الذي استقبل نحو 150 مليار متر مكعب في 2021.

أدت أزمة الطاقة إلى حدوث تضخم بأسعارها في أوروبا، ليضاف إلى التضخم الناتج من تداعيات جائحة كورونا، ليصل التضخم السنوي في منطقة اليورو عند مستويات قياسية، 9.1%، في أغسطس/آب الماضي، وفق بيانات مكتب الإحصاءات الأوروبية "يوروستات"، وسط توقعات بصعوده إلى 10% خلال الفترة القادمة.

يأتي ذلك بجانب تراجع قيمة اليورو والجنيه الإسترليني أمام الدولار وسط تشديد السياسات النقدية للفيدرالي الأميركي، التي تحاول أوروبا مجابهتها من خلال رفع أسعار الفائدة بنحو 0.75% لكبح جماح التضخم.

وتسعى أوروبا للحفاظ على حركة الإنتاج لديها، إلا أن نقص مدخلات الطاقة سيؤثر سلباً بكل مراحل الإنتاج لديها، نظراً لاعتمادها الكبير على الغاز الطبيعي، ما ينذر بركود مرتقب، خاصة بعد أن أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، أن صادرات الغاز الروسية إلى الاتحاد الأوروبي ستنخفض هذا العام بمقدار 50 مليار متر مكعب.

ويحتل الاتحاد الأوروبي المرتبة الأولى في إجمالي صادرات تركيا، حيث حصلت المنطقة على نسبة 41.3 في المائة من الصادرات التركية بقيمة 93 مليار دولار في عام 2021.
وبحسب وزارة التجارة التركية، زادت الصادرات إلى دول الاتحاد الأوروبي في أغسطس/آب الماضي بنسبة 51% مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، وبلغت 7 مليارات و772 مليون دولار، وشكل هذا الرقم 41.1% من إجمالي الصادرات.
أفضت تلك المعطيات إلى تنامي الشعور بالخطر لدى بعض المتعاملين في السوق والخبراء الاقتصاديين، حيث يرى مراد سجمان، مؤسس شركة ساجام للاستشارات الاستراتيجية، أن تباطؤ الطلب الأوروبي سيؤثر سلباً في القطاعات التركية المصدرة للقارة العجوز، وخاصة قطاع المنسوجات والسيارات.

تداعيات سلبية

وأشار سجمان، خلال حديثه لإحدى الصحف التركية، إلى أن تراجع الطلب على صادرات تركيا، التي تستورد موادها الخام بالدولار وتصدّر إلى أوروبا ما يقارب نصف صادراتها باليورو الذي يشهد حالة من الانخفاض، يعني أنه سيكون هناك أثر سلبي على حجم الصادرات وأرباحها.
وبحسب جمعية المصدرين الأتراك، بلغت قيمة الصادرات خلال الـ8 أشهر الماضية نحو 12.6 مليار دولار للسيارات، و9.3 مليارات دولار من المواد الكيماوية والمنتجات، و8.8 مليارات دولار من الملابس الجاهزة والملابس، و5.5 مليارات دولار من المعادن الحديدية وغير الحديدية إلى دول الاتحاد الأوروبي.

كذلك صُدِّر 5.4 مليارات دولار من الصلب، و4.3 مليارات دولار للكهرباء والإلكترونيات، و2.9 مليار دولار من المنسوجات والمواد الخام، و2.2 مليار دولار من الآلات والأكسسوارات.

وتصدرت ألمانيا وجهة الصادرات التركية المتجهة إلى أوروبا بقيمة 12.6 مليار دولار، وخلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري.
بدوره، قال فراس شعبو، أستاذ المالية في جامعة باشاك شهير في إسطنبول، إنه في حال تعرُّض الاقتصاد الأوروبي للانكماش، من المؤكد أن تركيا ستتأثر سلباً بهذه المشكلة، وخاصة أنها تعتمد على التصدير كثيراً في دعم اقتصادها، وأن أوروبا ستتجه إلى استيراد الأولويات فقط.

وأضاف شعبو، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تركيا تتمتع بحالة من التنوع في اتجاهات صادراتها، مشيراً إلى أنها لا تقتصر على أوروبا، بل إنها خلال السنوات الماضية شهدت توسعاً كبيراً في أفريقيا، فضلاً عن وجودها في آسيا وأميركا والدول العربية، ما قد يسهم في تخفيف حدة الفجوة التي يمكن أن تظهر نتيجة الركود الأوروبي.

وكانت تركيا قد أعلنت مع نهاية شهر أغسطس/آب أهداف البرنامج الاقتصادي التركي متوسط المدى، الذي سيُتَّبَع في الفترة ما بين 2023 و2025، والذي تضمن العمل على إيصال حجم صادرات البلاد إلى 265 مليار دولار في عام 2023، و285 مليار دولار في 2024، و305 مليارات دولار في 2025.

خيارات تركيا

وعلّق أستاذ المالية على هذا البرنامج بأن أهداف البرنامج الاقتصادي التركي متوسط المدى بشكل عام، في ظل الركود الاقتصادي العالمي المتوقع خلال الفترة القادمة، قد تؤجل، وخاصة الأهداف التي تطمح إليها أنقرة في ما يتعلق بالصادرات، مستدلاً بواقع كورونا الذي أربك الوضع الاقتصادي وسعر صرف العملة المحلية.  
ونشر البنك الدولي خلال 15 سبتمبر/أيلول الجاري، تقريراً له بعنوان "هل الركود العالمي وشيك؟"، أشار فيه إلى أن البنوك المركزية رفعت أسعار الفائدة "بدرجة من التزامن لم نشهدها خلال العقود الخمسة الماضية" لمواجهة ارتفاع الأسعار، محذراً من أن رفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم قد يؤدي إلى ركود عالمي في عام 2023.

من جهته قال جلال بكار، الخبير الاقتصادي، إن الصادرات التركية لأوروبا تُعَدّ استراتيجية، وليست في إطار الرفاهية، وبالتالي لا يمكن الاستغناء عنها، وخاصة أنها تتمحور حول الأغذية والسيارات والمواد الكيميائية وبعض المنتجات الاستراتيجية المستخدمة في الصناعات.
وأشار بكار، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنه في حال ركود الاقتصاد الأوروبي، فإنه سيعمل على توجيه ميزانياته للأمن الغذائي وأمن الطاقة، بالإضافة إلى بعض المواد الاستراتيجية للمحاصيل الأولية وما يخدم الصادرات التركية.

وأوضح أن الاتحاد الأوروبي منذ شهرين عمل على إضافة نحو أكثر من 100 مليار يورو للصناعات الدفاعية، "وهو ما تتميز به تركيا في الوقت الحالي، ويمكن أن تتشارك به مع الاتحاد الأوروبي الذي يعد حليفه في الناتو".
وحول أهداف تركيا لصادراتها حتى عام 2025، يرى الخبير الاقتصادي أن الصادرات التركية قادرة على الوصول إلى تلك الأهداف نظراً لكونها تمتع بقيمة كبيرة من خلال عدة قطاعات، فضلاً عن تنوعها، وبخاصة الصناعات الدفاعية وقطاع الغذاء الذي تحتل به أنقرة المرتبة السابعة عالمياً، بالإضافة إلى اقتراب موعد استخراج الغاز والنفط الذي من الممكن أن تقوم بتصدير جزء منه.

المساهمون