الرقائق الإلكترونية ساحة صراع جديدة بين واشنطن وبكين 

06 يوليو 2023
قد يتسبب تحرك الصين في تقليص صادرات مواد تصنيع الرقائق في تفاقم الاضطرابات (Getty)
+ الخط -

تصاعدت الخلافات بين الصين ودول غربية، في مقدمتها الولايات المتحدة، على خلفية قرار بكين تقييد صادرات معادن استراتيجية شائعة الاستخدام في إنتاج أشباه الموصلات والسيارات الكهربائية والصناعات المتقدمة تقنياً، وأدى تحرك الصين لتقييد تلك الصادرات ووضع ضوابط صارمة على شحن الغاليوم والجرمانيوم للخارج مع استحواذها على 80% من إنتاجهما عالمياً، إلى تصعيد في الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وقد يتسبب تحرك الصين في تقليص صادرات مواد تصنيع الرقائق في تفاقم الاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية وزيادة مخاوف الإمدادات.

وفيما رأى محللون أن الصين تستعرض قوتها بهذا القرار المفاجئ قبل محادثات اقتصادية مرتقبة مع واشنطن تجريها اليوم الخميس، وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في العاصمة بكين، أكد آخرون في المقابل أن الأزمة مرشحة للتصعيد، خاصة مع انزعاج أوروبا أيضاً من القرار الصيني وتضرر الشركات الأميركية والعالمية الكبرى من القرار.

ووفق وكالة "أسوشييتد برس"، فقد ألغت الصين زيارة منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى بكين في آخر لحظة. وأعلن متحدث باسم الاتحاد، الثلاثاء، إلغاء الصين رحلة كان من المقرر أن يقوم بها بوريل الأسبوع المقبل. ولم يتم الكشف عن أسباب إلغاء الزيارة وما إذا كان لها علاقة بقرار الحظر الصيني أم لا.

محللون: الصين تستعرض قوتها بهذا القرار المفاجئ قبل محادثات مرتقبة مع واشنطن تجريها اليوم وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في بكين

وفيما تبدو الصين واثقة من قرارها الجديد حيث تربطه بحماية الأمن القومي للبلاد، صعدت أسهم شركات إنتاج المعادن الصينية، بعدما فرضت بكين قيود تصدير معدني الغاليوم والجرمانيوم المستخدمين في صناعات الرقائق، والاتصالات، والدفاع.

وقال لي ويكينغ، مدير التمويل في شركة "جيه إتش إنفستمنت مانجمنت" JH Investment Management، إن الأسهم قفزت في ظل توقعات بأن تعزز قيود العرض الزيادات الهائلة في أسعار المعادن، والتي ستتجاوز هبوط أحجام التصدير.

وكانت الصين قد فرضت يوم الاثنين قيودا على تصدير المعدنين الذي تقول الولايات المتحدة إنهما مهمان لإنتاج أشباه الموصلات وأنظمة الصواريخ والخلايا الشمسية، وهو ما وصفته صحيفة وول ستريت جورنال بأنه عرض للقوة قبل المحادثات الاقتصادية بين منافسين يضعان قواعد تجارية بشكل متزايد لتحقيق الهيمنة التكنولوجية.

وبينما تبدأ وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، اليوم الخميس، زيارة إلى بكين لمدة 3 أيام، من المتوقع أن يدور الحوار مع المسؤولين حول أحدث أزمة تجارية، وكيفية التنسيق بشأن التقنيات التي تصنع المستقبل والتفوق العسكري والذكاء الاصطناعي، مع التركيز على ملف المعادن الاستراتيجية التي تدخل في صناعة الشرائح وبطاريات السيارات الكهربائية وصناعات المستقبل، علما أن تلك المعادن حددتها وزارة التجارة الأميركية بـ35 معدنا، على رأسها المعادن الأرضية النادرة واليورانيوم والذهب والفضة والليثيوم والنيكل والكوبالت.

وفيما قالت وزارة التجارة الصينية إنها ستسيطر، اعتبارا من أول أغسطس، على صادرات ثمانية منتجات من الغاليوم وستة منتجات من الجرمانيوم لحماية أمنها القومي ومصالحها، في خطوة اعتبرها المحللون ردا على جهود واشنطن المتصاعدة للحد من التقدم التكنولوجي للصين، تستعد الولايات المتحدة في المقابل لتقييد وصول الشركات الصينية إلى خدمات الحوسبة السحابية، بما يشمل "أمازون دوت كوم"، و"مايكروسوفت"، وفقا لما ذكرته "وول ستريت جورنال" عن مصادر على دراية بالأمر.

وزارة التجارة الصينية قالت إنها ستسيطر، اعتبارا من أول أغسطس، على صادرات 8 منتجات من الغاليوم وستة منتجات من الجرمانيوم لحماية أمنها القومي

وأوضحت المصادر أن تلك الخطوة ستتطلب على الأرجح من مزودي الخدمات السحابية في الولايات المتحدة، مثل "أمازون دوت كوم" و"مايكروسوفت"، الحصول على إذن من الحكومة الأميركية قبل تقديم خدمات الحوسبة السحابية التي تستخدم رقائق الذكاء الاصطناعي المتطورة للعملاء الصينيين. وتبرز تلك الخطوة مدى قلق الولايات المتحدة بشأن الصين فيما يتعلق بتقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاتها العسكرية.

وقال بيتر آركيل، رئيس اتحاد الصين العالمي للتعدين "ضربت الصين قيود التجارة الأميركية في موضع مؤلم". وأضاف: "الغاليوم والجرمانيوم مجرد نوعين من المعادن الثانوية، لكن المهمة جدا لطائفة من منتجات التكنولوجيا، والصين هي المنتج المهيمن على معظم هذه المعادن. والاقتراح بأن دولة أخرى قد تحل محل الصين في المدى القصير أو حتى على المدى المتوسط ضرب من الخيال".

ويعد ذلك الحظر الصيني المتعلق بالمعادن النفيسة، والأميركي المفروض على الخدمات السحابية، هو الأحدث في سلسلة من الإجراءات المتبادلة بين واشنطن وبكين بشأن أشباه الموصلات وغيرها من التقنيات المتقدمة.

وبحسب مراقبين، فإن المعادن الاستراتيجية والنفيسة قد تحدد مستقبل السباق الجاري بين الولايات المتحدة والصين على تشكيل البديل للنظام العالمي الحالي المترهل، والذي بات غير قادر على استيعاب المتغيرات التي طرأت على الاقتصاد العالمي وأدواته النقدية والتمويلية التي باتت قديمة وتعود إلى نهاية الحرب العالمية الثانية.

وعلى رأس هذه التقنيات موضوع النزاع بين بكين وواشنطن على صناعة الشرائح الحديثة عالية السرعة التي تفتقر لها الصين وتملكها الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا وآسيا، والمعادن النادرة التي تهيمن عليها الصين وتحتاج إليها بشدة الولايات المتحدة.

وتعد صناعة الشرائح المتقدمة التي حظرت الولايات المتحدة تصديرها للصين في العام الماضي، أهم عناصر النزاع حول مستقبل تايوان والتنافس على التفوق العسكري وصناعات الفضاء بين بكين وواشنطن.

كانت بكين قد استخدمت المعادن النادرة في الحرب التجارية مع كل من الولايات المتحدة واليابان

وكانت بكين قد استخدمت المعادن النادرة في الحرب التجارية مع كل من الولايات المتحدة واليابان، حيث منعت وصول اليابان إلى العناصر الأرضية النادرة خلال نزاع عام 2010 حول احتجاز طوكيو لقبطان سفينة صيد صينية. ثم في عام 2019، هددت الصين بإدراج منتجات معينة تستخدم العناصر الأرضية النادرة في قيود بكين على تصدير التقنية، ردا على ضغوط إدارة ترامب على شركة الاتصالات العملاقة هواوي.

كما يأتي التنافس بين الصين وأوروبا وأميركا على معدن الليثيوم الذي يعد أهم المعادن في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية التي باتت من أهم محددات الطاقة النظيفة وخفض التلوث البيئي.

وبلغ حجم سوق السيارات الكهربائية في العالم 10 ملايين سيارة في نهاية العام الماضي 2022، كما أن البيانات الأميركية تشير إلى أنها باتت تمثل نسبة 14% من مبيعات السيارات التي تمت في العام الماضي. وهذا يعني أن من يهيمن على تجارة معادن مثل الليثيوم والكوبالت والنحاس في العالم سيهيمن على مستقبل سوق السيارات في العالم، وتدريجيا من يتخلف سيخسر صناعة السيارات وبالتالي سيخسر نسبة كبيرة من الوظائف.

وتحدد الحكومة الأميركية المعادن الاستراتيجية بنحو 35 معدنا، تشمل المعادن الأرضية النادرة والمعادن التي تعد أساسية في صناعة بطاريات السيارات والتقنيات الأخرى في الصناعات المتقدمة. وتدخل الحكومة الأميركية هذه المعادن ضمن مكونات الأمن القومي الأميركي.

حتى الآن تعتمد الولايات المتحدة على استيراد أكثر من 50% من الطلب المحلي على هذه المعادن من الخارج

وحسب تقرير لشركة غلوبال مايننغ العالمية، حتى الآن تعتمد الولايات المتحدة على استيراد أكثر من 50% من الطلب المحلي على هذه المعادن من الخارج، إذ تستورد نحو 29 معدنا من المعادن الـ35 الاستراتيجية في الصناعة من الخارج. كما أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الإنتاج المحلي لـ14 منها من الخارج، وتعتمد على الصين في المعالجة الصناعية للعديد منها.

وربما تفسر أهمية المعادن النادرة في صناعة المستقبل، التنافس الشرس بين واشنطن وتحالف "بكين ـ موسكو" على مناجم المعادن الاستراتيجية في أفريقيا وأميركا اللاتينية. وعلى سبيل المثال، فإن جمهورية الكونغو الديمقراطية تهيمن على معدن الكوبالت عالمياً من حيث الإنتاج والاحتياطي، إذ تحتوي وحدها على نسبة 55% من إنتاج الكوبالت ونحو 50% من الاحتياطي العالمي القابل للاستخراج، حسب تقدير رئيس شركة غلوبال مايننغ، إيان آر كولز.

كما تقدّر وكالة بلومبيرغ أن يصل حجم سوق بطاريات السيارات الكهربائية العالمية إلى 182.53 مليار دولار في عام 2030. وبالتالي فإن هذه المعادن النادرة ستلعب دوراً رئيسيًا في التجارة العالمية وسباق النمو الاقتصادي والهيمنة على الأسواق في المستقبل.

ويقول خبراء، "على المدى الطويل ربما تحتاج الاقتصادات الصناعية إلى التفكير بشكل استراتيجي في كيفية تلبية طلباتها الصناعية إذا تزايد التوتر بين بكين وواشنطن، إذ تهيمن الصين حتى الآن بدرجة رئيسية على المعادن الاستراتيجية في أفريقيا وأميركا اللاتينية".

وتهيمن الشركات الصينية على مناجم الليثيوم في كل من الأرجنتين وتشيلي وأستراليا وأيرلندا، كما تبني مشروعات ضخمة للخلايا الشمسية في أميركا الجنوبية. وحسب دراسة لشركة "بي أم آي" الأميركية، فإن الصين تهيمن على 60% من إنتاج الليثيوم في العالم مقابل نسبة 1% للولايات المتحدة.

تهيمن الشركات الصينية على مناجم الليثيوم في كل من الأرجنتين وتشيلي وأستراليا وأيرلند

كما أن الشركات الصينية تهيمن على إنتاج 63% من المعادن النادرة عالمياً و85% من مصانع معالجتها و92% من صفائح مغناطيس المعادن النادرة. وهذه الصفائح تخلق أقوى مجال مغناطيسي في الصناعات. كما تشير دراسة "بي أم آي" إلى أن الولايات المتحدة لا تملك حصصاً ذات اعتبار في إنتاج معادن استراتيجية مثل الغرافيت والنيكل والكوبالت.

وكانت وزارة التجارة الأميركية أصدرت تقريراً حول الوصول إلى المعادن الاستراتيجية في عام 2019 حينما اشتعلت الحرب التجارية مع الصين وحثت حلفاءها على الاستثمار في مناجم المعادن النادرة وتقليل الاعتماد على الواردات الصينية.

المساهمون