الرابحون والخاسرون إذا تجاوز سعر برميل النفط 100 دولار

29 أكتوبر 2021
تستفيد الدول المنتجة من صعود الأسعار مقابل تكاليف مرهقة يتكبدها المستهلكون (Getty)
+ الخط -

يشهد النفط مسارا تصاعديا أدى إلى تجاوز سعر البرميل 85 دولارا، ليطوي صفحة انهيار الأسعار التي شهدها خلال الفترة نفسها العام الماضي بسبب وباء كورونا، حيث هوى إلى ما دون 30 دولارا، الأمر الذي دفع ببعض المحللين إلى التنبؤ ببلوغه 100 دولار.

ارتفاع السعر إلى 100 دولار أمر لم يستبعده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال حديثه في مؤتمر اقتصادي منتصف هذا الشهر، مشيرا إلى أن موسكو وشركاءها في مجموعة "أوبك+" يسعون إلى استقرار السوق العالمية.

"بنك أوف أميركا"، الذي توقع أن ترتفع أسعار النفط إلى أكثر من 120 دولارا، رجّح أن يؤدي هذا الصعود إلى أزمة اقتصادية عالمية، خاصة مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي الذي تجاوز 5 دولارات، ما قد يدفع للتحول إلى النفط.

وأشار البنك في مذكرته الصادرة مطلع الشهر الجاري إلى أن ما يدعم تصاعد أسعار النفط أيضا هو القفزة التي سيشهدها استهلاك النفط خلال فصل الشتاء، وزيادة الطلب على السفر الجوي، مع إعادة فتح الولايات المتحدة حدودها.

ويضاف إلى تلك العوامل الانخفاض الحاد في مخزونات النفط في دول "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" والولايات المتحدة إلى إبقاء الإمدادات العالمية ضيقة.

وقال الخبير النفطي ممدوح سلامة، لـ"العربي الجديد"، إنه من الممكن أن يتجاوز سعر البرميل أكثر من 100 دولار خلال العام المقبل، وأن يصل إلى 90 دولارا مع نهاية العام الجاري.

وأضاف سلامة أن إنتاج شركات النفط العالمية آخذ في الانخفاض بنحو 2% إلى 3% يوميا، وبالتالي يتوقع أن يشهد العالم فجوة بنحو 2 إلى 3 ملايين برميل يوميا خلال العام المقبل، وبنحو 5 ملايين برميل يوميا في عام 2023.

تباين آراء المحللين بشأن تداعيات غلاء النفط

وحول تداعيات وصول برميل النفط إلى 100 دولار، يرى الخبير النفطي أن السعر العادل لخام برنت هو ما بين 100 إلى 110 دولارات، وبالتالي فهو "سعر جيد للاقتصاد العالمي، ويسهم في نموه، ولن يؤثر عليه بالسلب كما يعتقد بعضهم".

واستدل على ذلك بقوله إن الاقتصاد العالمي يتكوّن من ثلاث شرائح، هي الاستثمارات العالمية، وصناعة النفط والغاز، واقتصاديات الدول المنتجة للنفط، وبالتالي مع ارتفاع أسعار النمو تتوسع هذه الشرائح.

لكن هذا جاء متعارضا مع رأي خبير النفط نهاد إسماعيل، الذي قال لـ"العربي الجديد" إن وصول النفط إلى هذا المستوى سيؤثر سلبا في النمو الاقتصادي، خاصة في الدول المستوردة، لا سيما العربية منها، مثل الأردن وتونس والجزائر والمغرب والسودان ومصر، الأمر الذي سيضع عبئا على موازناتها ومواطنيها.

ويرى إسماعيل أن ارتفاع النفط إلى هذا الحد قد يدفع الصين والهند للاعتراض على هذه الأسعار، وستلعب دورا رئيسيا للضغط على منظمة "أوبك" وحلفائها لرفع الإنتاج.

وأشار إلى أن "أوبك" لن تترك أسعار النفط تصل إلى هذا الحد لما له من تأثير سلبي على الطلب في المدى البعيد، كون تزايد أسعار النفط سيؤدي إلى تضخم كبير، يعقبه رفع أسعار فائدة البنوك، بما يؤثر في القدرة الشرائية للمواطن، وبالتالي يقلل الطلب على السلع، ويتراجع النشاط الاقتصادي.

واستشهد إسماعيل بوضع الصين حاليا، حيث تراجعت توقعات نمو اقتصادها في الربع الثالث إلى 4.9% عما كان متوقعا بنحو 8%، بسبب أزمة في الفحم الحجري وصعوبة الحصول على كميات كافية من الغاز وارتفاع أسعار كليهما.

الرابح والخاسر من ارتفاع أسعار النفط

ولا شك في أن وصول أسعار النفط إلى 100 دولار سيزيد إيرادات الدول المنتجة، ويساعدها في إصلاح موازناتها وتصحيح عجز حساباتها الجارية، ما يتيح لها زيادة الإنفاق الذي يحفز الاستثمار في نهاية المطاف.

ويعد أبرز تلك الدول المستفيدة من ارتفاع أسعار النفط دول عربية منتجة، وفي مقدمتها الدول الخليجية، حيث تستحوذ الدول العربية على ما نسبته 25% من الإنتاج العالمي من النفط، ونحو 15% من إنتاج الغاز الطبيعي، إضافة إلى روسيا والنرويج ونيجيريا والإكوادور.

كما أشار سلامة إلى أن دول العالم المستوردة ستتأثر سلبا بالفعل، لكن الاقتصاد العالمي ككل سينمو. فعلى سبيل المثال دولة مثل مصر ستتأثر سلبا، لكن مع النمو العالمي وتزايد الطلب العالمي من النفط ستستفيد منه قناة السويس، من خلال مرور أعداد أكبر من المعتاد من ناقلات النفط إلى دول العالم، مما يعظم إيراداتها.

وتابع: "ثم إن مصر ستستفيد من الجانب الآخر من ارتفاع أسعار الغاز، كونها الآن تعد دولة منتجة ومصدرة للغاز الطبيعي والمسال".

من جهته، يرى إسماعيل أن ارتفاع أسعار النفط إلى حدود 100 دولار للبرميل يرفع مداخيل الدول المنتجة، ولكن يضع ضغوطاً اقتصادية على الدول المستوردة ويرفع فاتورة الاستيراد لديها، مثل الصين والهند.

ولفت إلى أنه حتى الولايات المتحدة ذاتها ستتأثر سلبا رغم أنها تنتج أكثر من 11 مليون برميل يوميا، إلا أن الاستهلاك اليومي لديها يصل إلى 19 و20 مليون برميل، وبالتالي تشتري هذا الفارق من دول أخرى، ما يعني أن هذا الارتفاع يؤثر عليها.

دول الخليج

لكن رغم أن دول الخليج تعد أكبر المستفيدين من بلوغ أسعار النفط حدود 100 دولار، إلا أن ارتفاع أسعار الطاقة في ظل تنبؤ الأسواق العالمية بموجة تضخم جديدة، سيقلص من مكاسب دول الخليج غير المنتجة للسلع الصناعية بشكل كاف والمستوردة للغذاء، نتيجة تفاقم فاتورة وارداتها السلعية.

بدوره، قال الباحث الاقتصادي الكويتي، محمد رمضان، لـ"العربي الجديد"، إن ارتفاع أسعار النفط إلى هذا المستوى يأتي في صالح دول الخليج، ولكن على المدى القصير، نظرا لأن "الموازنات ستشهد انفراجة من عجوزات إلى فوائض، أو على الأقل إلى صفر عجز".

وأشار إلى أن دولة مثل الكويت سيدفعها هذا السعر للابتعاد عن السحب المنظم من صندوق الأجيال.

ويرى رمضان أن تجاوز سعر النفط 100 دولار يُعد خطيرا على المدى البعيد، لأنه يزيد من إنتاج المنافسين، مما يؤثر في الحصص السوقية لدول مجلس التعاون.

واستدل على ذلك بما حدث في عام 2014، حيث اضطرت دول الخليج، وخاصة السعودية، لزيادة الإنتاج لخفض سعر النفط وطرد المنافسين الذين سيطروا في حينه على بعض حصص مجلس التعاون خارج السوق.

المساهمون