الذهب... هل فقد بريقه؟

22 مارس 2020
لا يزال الذهب ملاذاً آمناً للهاربين من المخاطر (Getty)
+ الخط -


تاريخياً، يُعد الذهب أفضل أدوات الاستثمار قليلة المخاطر مقبولة العائد. واقتصادياً، كلما زادت المخاطر، سواء السياسية أو الاقتصادية أو حتى الاجتماعية، سارع المدخرون إلى الاحتماء بالذهب الذي لا يخذل عادة المحتمين به.

واستثمارياً، فإن بنوك الاستثمار العالمية والصناديق تسارع إلى شراء الذهب في أوقات الأزمات المالية التي تشهد عادة خفضاً لعوائد الأدوات شبة المضمونة، ومنها الودائع المصرفية، حيث يتم خفض أسعار الفائدة على العملات الرئيسية، أو أدوات الدين الحكومية، مثل السندات أو أذون الخزانة.

قبل أسابيع، توقعت مؤسسات عالمية ارتفاع أسعار الذهب بنسبة 30 بالمائة خلال العام الجاري، ورجحت ارتفاع أسعار الذهب إلى 2000 دولار للأوقية في 2020.

وبنت المؤسسات والتجار توقعاتها على عدة اعتبارات، من أبرزها زيادة المخاطر الاقتصادية والمالية حول العالم، وتخوفات من دخول الأسواق العالمية حالة ركود، وزيادة الديون، والتهديدات التي تواجه اقتصاديات بعض الدول، مثل إيطاليا والأرجنتين وفنزويلا ولبنان وإيران، إضافة إلى عامل أهم وهو زيادة حدة الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة والتي توقع الجميع أن تكون حرباً طويل المدى.

ومن بين الاعتبارات تحركات البنوك المركزية العالمية نحو خفض سعر الفائدة على العملات الرئيسية، وإدخال تعديلات على السياسة النقدية للدول، بحيث تم العودة إلى سيناريو 2008 الذي تم تطبيقه عقب اندلاع الأزمة المالية العالمية وما تبعه من ضخ تريليونات الدولارات في الأسواق لمنع انهيارها أو انهيار البنوك والشركات الكبرى.

ومع تفشي فيروس كورونا وما أحدثه من حالة ذعر في كل دول العالم وتكبيده كل القطاعات الاقتصادية خسائر فادحة، كانت التوقعات تشير إلى حدوث قفزات في أسعار الذهب على خلفية تنامي المخاطر الاقتصادية والسياسية والصحية حول العالم، والخسائر الفادحة التي تتكبدها أنشطة رئيسية مثل النفط والطيران والسياحة والسفر والتجارة. لكن ما حدث هو العكس؛ حيث تراجعت أسعار المعدن النفيس على عكس التوقعات السابقة.

وخلال أقل من أسبوعين، مر الذهب بجولة عنيفة من التقلبات الحادة التي دمرت معها كثيرا من بنوك الاستثمار وألحقت بها خسائر ضخمة، حيث خسر نحو 250 دولار للأوقية، ليهبط من 1700 دولار إلى 1450 دولارا. وهناك توقعات باستمرار هذا التراجع خلال الفترة المقبلة.

هناك أسباب عدة لهذا التراجع الكبير في أسعار الذهب، منها حالة الفزع الشديدة التي أصابت المستثمرين حول العالم وأدت إلى تخبطهم مع انتشار فيروس كورونا، وما أعقبه من انهيارات شهدتها البورصات وأسواق الأسهم الرئيسية مثل وول ستريت وغيرها. ويكفي القول إن إجمالي خسائر أسواق الأسهم قدرت بحوالي 6 تريليونات دولار في أسبوع واحد.

ومن بين أسباب تراجع سعر الذهب كذلك، قيام حكومات وبنوك مركزية كبرى ببيع كميات من أرصدة الذهب المدرجة ضمن الاحتياطي الأجنبي للحصول على سيولة مالية يمكن ضخها في الأسواق وشرايين الاقتصاد لمواجهة تداعيات تفشي كورونا، كما باعت بنوك استثمار عالمية كميات من الذهب لتغطية خسائرها في الأسهم وتعزيز محافظها المالية المدمرة.

وصاحب عملية البيع تراجع ملحوظ في الطلب على شراء الذهب من قبل المؤسسات أو الأفراد حسب بيانات مجلس الذهب العالمي.

وبالنسبة للمستثمرين فقد عادوا نحو الملاذات الآمنة ومنها الذهب والعملات الثمينة والصناديق المقومة بها، هربا من صناديق عالية المخاطر وسريعة التأثر بالتوترات التجارية.

لكن هل فقد الذهب بريقه؟ وهل تخلى عن أمانه الاستثماري؟

الإجابة بالطبع لا، فالمعدن الأصفر لا يزال محتفظا بجاذبيته الاستثمارية، وهذا رأي الخبراء الدوليين، ومنهم وايني جوردون، المدير التنفيذي للسلع والعملات في وحدة إدارة الثروة أيه جي، لدى بنك يو بي إس السويسري، وهو واحد من أكبر البنوك العالمية المستثمرة في المعدن الاصفر والذي قال لتلفزيون بلومبيرغ، أمس الأول: "عندما أفكر فيما يستحسن شراؤه الآن، أرى أنه الذهب الذي سيرتفع خلال الشهور الثلاثة إلى الستة المقبلة".

المساهمون