لطالما كان الذهب هو أبرز الملذات الآمنة التي تأتي في الصدارة بالنسبة للمستثمرين، باعتباره أفضل أدوات الاستثمار قليلة المخاطر، خاصة مع تنامي المخاوف السياسية والاقتصادية التي يعيشها المستثمرون الآن مع ظهور سلالة "دلتا" الأكثر عدوى من فيروس كورونا.
فقد أدى ظهور السلالات الجديدة من كورونا وارتفاع أعداد المصابين في موجتين ثالثة ورابعة، إلى دفع المستثمرين للبحث عن ملاذات آمنة تحافظ على قيمة الأموال بعيدا عن اضطرابات السوق والتي تتمثل في المعادن الثمينة كالذهب والفضة، إضافة إلى عملات مثل الدولار الأميركي والفرنك السويسري والين الياباني، وكذلك أذون وسندات الخزانة الأميركية.
إلا أنه مع ظهور وسائل جديدة ذات إيرادات أعلى في عصر كورونا مثل العملات المشفرة كالبيتكوين والتي كانت على وشك أن يصل سعرها إلى نحو 65 ألف دولار للعملة الواحدة في إبريل/نيسان الماضي، دفع بعض الباحثين للحديث عن انضمام هذه العملات إلى رتبة أصول الملاذ الآمن، بل واللعب كبديل عن الذهب.
وبدا أن شركات التكنولوجيا والتواصل الاجتماعي مثل شركة "أمازون" و"أبل" و"سامسونغ" و"فيسبوك" و"زوم"، هي المأوى الأفضل للمستثمرين، خاصة في عصر كورونا عبر الاستثمار في أسهمها، وذلك لما حققته هذه الشركات من أرباح غير مسبوقة.
فقد ارتفع صافي أرباح شركة "سامسونغ إلكتريك" العالمية بنحو 21.5 في المائة وبواقع 24 مليار دولار خلال 2020، بينما حصدت شركة "أبل" من مبيعاتها من هواتف "آيفون" فقط 39.57 مليار دولار، أي بارتفاع بلغ نحو 50 في المائة.
ويذكر أن تقريرا لشركة "مايكروسوفت" التكنولوجية العملاقة أشار إلى أن صافي أرباح الشركة في عام 2020-2021 المالي ازداد بنسبة 38 في المائة، ليصل إلى نحو 61.3 مليار دولار، بينما ارتفعت أرباح شركة "ألفابت" المالكة لمحرك بحث "غوغل" خلال 2020 لتبلغ 41 مليار دولار، مقابل 34 مليار دولار أرباح عام 2019.
فيما حققت شركة "فيسبوك" أرباحا غير مسبوقة كان آخرها قفزة بنحو 102 بالمائة في صافي أرباح الشركة لتصل إلى 4.9 مليارات دولار في الأشهر الثلاثة المنتهية في مارس/آذار الماضي، مقارنة بنفس الفترة في 2020، بينما بلغت إيرادات "زوم" 2.65 مليار دولار في 2020، بازدياد نسبته 327 في المائة مقارنة بالعام السابق.
وتتوقع منصة "ريبورت لينكر" العالمية للابتكار وتطوير السوق في دراسة تحليلية نشرتها مؤخرا، أن تصل مجموع أرباح شركات التواصل الاجتماعي العالمية إلى 52.1 مليار دولار بحلول 2027، بمعدل نمو سنوي مركب 12.8 في المائة بين عامي 2020 و2027.
ولكن رغم كل هذه المعطيات إلا أن الخبراء الاقتصاديين يرون أن هذه الإغراءات لن تلعب دورا بديلا أمام المستثمرين عن الذهب نظرا لطبيعة كل منها، بالإضافة إلى تأكيدهم أن الذهب ربما ليس لديه القدرة الكبيرة على تحقيق أرباح مماثلة، لكنه الملاذ الأكثر استقرارا بينها.
وينصح بعض الخبراء أنه في حال اتجاه بعضهم نحو العملات المشفرة كملاذ آمن خاصة أثناء اضطرابات السوق الشديدة فعليهم استخدام العملات المشفرة المدعومة بالأصول مثل التيثر وليس البيتكوين، بينما يرى الأغلب أن العملات المشفرة إجمالا محفوفة بالكثير من المخاطر.
بدوره قال الخبير الاقتصادي، أحمد مصبح، أنه على الرغم من تقلبات أسعار الذهب إلا أنه سيظل الملاذ الأمن في كل الأوقات، ولكن تبقى العديد من المتغيرات مثل نمو الاقتصاد العالمي وحالة الثقة الاستثمارية ودرجة المخاطر تلعب دورا في تغيرات العرض والطلب على الذهب.
وأوضح مصبح، لـ"العربي الجديد"، أن العملات الرقمية ساهمت في توجيه بعض المليارات نحوها على حساب الذهب خلال الفترة الماضية، لكنها إلى الآن، وعلى المدى المتوسط، لن تكون ملاذا آمنا، خاصة في ظل ما تشهده من تقلبات، بالإضافة إلى حساسيتها العالية وعدم وجود إطار منظم لها.
مشيرا إلى أنه رغم النمو الهائل في قطاع التكنولوجيا الذي عاصرته منذ بداية أزمة كورونا لا يمكن القول إن هذا القطاع أصبح منافساً للذهب، فخصائص سوق الذهب تجعل منه الملاذ الأمن الأكثر استقرارا.
وهو ما جاء متوافقا مع تصريحات رجل الأعمال الأميركي الشهير وارن بافيت، الذي وصف الذهب في أحد تصريحاته الصحافية بأنه المأوى الأكثر أمانا من الاستثمارات الأكثر تقلبا مثل الأسهم.
وأضاف الرئيس التنفيذي للشركة الأميركية القابضة والمتعددة الجنسيات، أن أكبر الشركات التي تقود الاستثمارات العالمية قابلة للفشل، في حين أن الاستثمار في الذهب غالبا ما يكون أقل خطورة.
ورفع بنك الاستثمار "غولدمان ساكس" في نهاية يوليو/ تموز الماضي توقعاته لسعر الذهب على مدى 12 شهرا إلى 2300 دولار للأونصة.
بينما توقع "بنك أوف أميركا" في مطلع الشهر الجاري، أن يحقق المعدن الأصفر ارتفاعات مستقبلية خلال الأشهر المقبلة على خلفية الوضع الاقتصادي وبيانات التضخم التي تشهد تسارعا في الفترة الحالية، وتوقع البنك تسجيل الأوقية عالميا زيادة تقترب من 100 دولار حتى نهاية العام مسجلة نحو 1900 دولار.
وأظهرت بيانات مجلس الذهب العالمي التي كشف عنها في 1 سبتمبر/أيلول الجاري، أن حيازة البنوك المركزية من الذهب خلال يوليو/تموز الماضي زادت بمقدار 30.1 طنا، بعد زيادة 34.2 طنا في يونيو/حزيران.
وجاء البنك المركزي البرازيلي بصدارة المشترين للذهب بـ8.5 أطنان، تلاه الأوزبكي 8.4 أطنان، ثم الهندي 7.5 أطنان، والتركي 4.1 أطنان.
وتحافظ الولايات المتحدة على صدارة القائمة بحيازة تراكمية بمقدار 8133 طنا، ثم ألمانيا بـ3359.1 طنا، وثالثا صندوق النقد 2814 طنا، ثم إيطاليا بـ2451 طنا، وفرنسا 2436 طنا.