الدائنون يستسلمون لسيناريو تخلّف تونس عن السداد

15 مارس 2023
احتياطي النقد الأجنبي يغطي 95 يوماً فقط من الواردات (فرانس برس)
+ الخط -

استقبل الدائنون الدوليون انعقاد البرلمان التونسي الجديد بمزيد من التشاؤم، إذ واصلت السندات التونسية انحدارها، بينما كانت قد انزلقت بالأساس خلال الأسابيع الأخيرة، إلى مستويات تعبر عن استسلام المقرضين لسيناريو تخلّف الدولة عن سداد التزاماتها المالية قريباً.

ووصل العائد على السندات التونسية إلى 46%، الاثنين الماضي، في الوقت الذي تتواصل فيه الاضطرابات السياسية في الدولة ومعاناتها من أزمة مالية واقتصادية خانقة تحول دون قدرة البلد على تعزيز موارده، أو الحصول على تمويلات خارجية مصيرية.

وعقد البرلمان الجديد أولى جلساته، صباح الاثنين الماضي، وسط انتقادات المعارضة، التي وصفته بأنه "فاقد للشرعية". وكان الرئيس قيس سعيد قد أقدم على حل مجلس الشعب السابق في 30 مارس/آذار 2022، بعد أن جمد أعماله في 25 يوليو/تموز 2021، في سياق سلسلة من القرارات، مكنته من التفرد بالسلطات، عبر إقالة الحكومة وحل المجلس الأعلى للقضاء.

ويعتبر البرلمان الجديد الأقل شعبية في تاريخ تونس، حيث قاطع نحو 90% من الناخبين عملية الاقتراع، بدورتيها الأولى والثانية. وهناك دوائر أفرزت نواباً بدون منافسة أصلاً، حيث لم يترشح فيها إلا شخص واحد، بينما لم يترشح أحد في 7 دوائر بالخارج.

وقال محلل المخاطر في الأسواق المالية نادر حداد إن "أسواق الدين لم تتفاعل إيجابياً مع عودة البرلمان التونسي"، مضيفاً أن الأسواق المالية لا تزال قلقة من الوضع التونسي، وهو ما يفسر تجنب المراهنة على سندات الدين. وأشار حداد في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى انزلاق سندات الدولة إلى مستويات قياسية جديدة، لافتاً إلى أن القلق من احتمال تأجيل القروض لا يزال قائماً.

ووفق وكالة بلومبيرغ الأميركية، فإن سندات تونس انزلقت بشكل أعمق إلى المنطقة المتعثرة، وهي أكبر الخاسرين في الأسواق الناشئة هذا الشهر، بعد الأرجنتين وبوليفيا. كما ارتفعت تكلفة تأمين ديونها ضد التخلف عن السداد إلى 1250 نقطة أساس يوم الجمعة الماضي، لتعد من بين الأكثر كلفة في العالم.

ولا تزال سلطات تونس تفاوض صندوق النقد الدولي بشأن برنامج تمويلي بقيمة 1.9 مليار دولار، مقابل حزمة إصلاحات اقتصادية يعارضها طيف واسع من المجتمع السياسي والاتحاد العام التونسي للشغل ذي النفوذ القوي.

ويعتبر صندوق النقد أن عودة المؤسسات الشرعية في تونس أمر مهم جداً لتحقيق الاستقرار السياسي بعد فترة التدابير الاستثنائية التي فرضها سعيد منذ يوليو/ تموز 2021 بعد تجميد أعمال البرلمان وإقالة الحكومة. وتحتاج تونس إلى أكثر من 4 مليارات دولار من القروض الخارجية لتمويل الموازنة.

وقال الخبير المالي، معز حديدان، إن سلطات تونس مطالبة بالبحث عن حلول بديلة لتعبئة موارد بالعملة الصعبة، بعد تأخر توقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد، من بينها الإعلان عن اكتتاب وطني بالعملة الصعبة يساهم فيه التونسيون بالخارج، على أن يكون سعر الفائدة عليه محفزاً.

وستواجه تونس أزمة شاملة في ميزان المدفوعات ما لم تحصل على القرض. ورغم أن معظم الديون داخلية، فإن هناك مدفوعات ديون خارجية تستحق في وقت لاحق من العام الجاري، وقالت وكالات للتصنيف الائتماني، إن تونس قد تتخلف عن السداد.

والشهر الماضي، خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني العالمية، تصنيف تونس إلى درجة Caa2، التي تعني تعرض الحكومة والبنك المركزي إلى مخاطر مالية عالية، وهي الدرجة نفسها التي منحتها الوكالة للبنان قبل شهر واحد من إعلانه التخلف عن سداد ديونه في مارس/ آذار 2020.

وقالت "موديز" إن خفض التصنيف الائتماني "يعود لعدم وجود تمويل شامل حتى الآن لتلبية احتياجات الحكومة مما يزيد من مخاطر التخلف عن السداد"، مضيفة أنّ عدم تأمين برنامج تمويلي جديد من قبل صندوق النقد الدولي، على الرغم من التوصل إلى اتفاق إطاري مع تونس في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أدى إلى تفاقم وضع التمويل الصعب، وزيادة الضغوط على احتياطي النقد الأجنبي للبلاد.

وقال الأستاذ الجامعي في الاقتصاد رضا شكندالي، إن صعوبات كبرى تعترض تونس على مستوى تعبئة الموارد الخارجية من العملة الصعبة، في ظل تعطل إدراج ملفها في جلسة قادمة من جلسات مجلس إدارة صندوق النقد الدولي، فضلاً عن تعثر مفاوضات ثنائية مع دول يمكن أن توفر لتونس تمويلات مهمة.

وأكد الشكندالي في تصريح لـ"العربي الجديد" أن صمود العملة المحلية إزاء العملات الأجنبية مرتبط بمدى قدرة السلطات على تعبئة موارد بالنقد الأجنبي، مشدداً على ضرورة تحفيز كل القطاعات المدرة للعملة الصعبة، ولا سيما صادرات الفوسفات وتحويلات التونسيين في المهجر.

وانخفض احتياطي العملة الصعبة لدى البنك المركزي، إذ لا يتجاوز 95 يوماً من الواردات بما قيمته 21 مليار دينار (6.7 مليارات دولار) إلى حدود 13 مارس/آذار الجاري، مقابل 128 يوماً من الواردات ما يزيد عن 23 مليار دينار خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

المساهمون