تعتبر دول الخليج العربية من أكبر المستوردين للسلاح في العالم، وتشكل ميزانياتها العسكرية نسبة كبيرة من موازناتها العامة، ما يطرح تساؤلات بشأن تداعيات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة واتجاه المنطقة نحو حالة من عدم الاستقرار على إنفاقها الدفاعي.
وفي ظل الحرب، لم تعلن أي من دول الخليج عن اتجاه محدد لزيادة ميزانيات الدفاع، لكن تقديرات بعض المراقبين تؤشر لذلك، مع احتمال تغيير مصادر الواردات العسكرية، حيث تسعى السعودية والإمارات تحديدا إلى تنويع شركائها الأمنيين في ظل التوترات مع إيران والموقف الأميركي من الحرب في اليمن، بحسب مراقبين، تحدثوا لـ"العربي الجديد".
وتحتل السعودية المرتبة الأولى عربياً والثانية عالمياً في شراء السلاح بعد الهند، وتبلغ نفقاتها العسكرية لعام 2023 نحو 259 مليار ريال (69 مليار دولار)، بزيادة قدرها 6.4% عن عام 2022، بحسب بيانات وزارة المالية. وتشكل هذه النفقات نحو 30% من موازنة السعودية، التي تستورد 61% من أسلحتها من الولايات المتحدة و23% من بريطانيا.
ولم تذكر البوابة الرسمية لحكومة الإمارات نسبة النفقات العسكرية من الموازنة الحالية، لكن تقرير التوازن العسكري 2022 الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (مستقل)، ذكر أن الإمارات كانت ثاني أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث الإنفاق العسكري بعد السعودية، وتمثل هذه النفقات نحو 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتستورد الإمارات 35% من أسلحتها من الولايات المتحدة و28% من فرنسا.
وبحسب التقرير ذاته، فإن قطر كانت ثالث أكبر دولة في الشرق الأوسط من حيث الإنفاق العسكري بعد السعودية والإمارات، تبلغ قيمته 13.1 مليار دولار.
وتقدر إيرادات الموازنة العامة لقطر للسنة المالية 2023 بمبلغ 228 مليار ريال، والمصروفات بمبلغ 199 مليار ريال، مع توقع فائض بمبلغ 29 مليار ريال، دون ذكر لنسبة النفقات العسكرية من تلك الموازنة، لكن تقدير تقرير التوازن العسكري يشير إلى أن نسبة الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي تمثل 11.4% من الموازنة العامة.
وفي المرتبة الرابعة خليجيا تأتي الكويت، التي تبلغ نفقاتها العسكرية لعام 2023 نحو 3.8 مليارات دينار (12.6 مليار دولار)، بزيادة قدرها 4.1% عن عام 2022. وتشكل هذه النفقات، بحسب تقرير التوازن العسكري، نحو 12% من موازنتها العامة. وتستورد الكويت 34% من أسلحتها من الولايات المتحدة و22% من فرنسا.
فيما تحتل سلطنة عمان المرتبة الخامسة خليجيا، وتبلغ نفقاتها العسكرية لعام 2023 نحو 4.4 مليارات ريال عماني (11.4 مليار دولار)، بانخفاض قدره 0.9% عن عام 2022.
وتشكل هذه النفقات نحو 15% من موازنة السلطنة، التي تستورد 37% من أسلحتها من المملكة المتحدة و16% من الولايات المتحدة، بحسب تقرير التوازن العسكري.
وفي المرتبة الأخيرة خليجيا تحل مملكة البحرين، التي يسجل موقع وزارة المالية والاقتصاد الوطني تخصيصها ميزانية للدفاع عام 2023 تبلغ 1.1 مليار دينار (2.9 مليار دولار)، بزيادة 3.8% عن عام 2022. وتمثل هذه النفقات نحو 13% من موازنة المملكة العامة.
تهديدات متنوعة
عن دلالة تلك الأرقام يشير الخبير في الاقتصاد السياسي، الأستاذ في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا في لبنان بيار الخوري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن دول الخليج تعتبر من أكثر دول العالم إنفاقا على المنتجات العسكرية والأمنية، وتتمتع في الوقت نفسه بموقع جيواستراتيجي حساس على الممرات الدولية، بالإضافة لإنتاجها للنفط والغاز وما يمثله ذلك من قيمة في الاقتصاد العالمي، وبالتالي فهي بحاجة إلى الحفاظ على أمنها من مصادر تهديد متنوعة وخاصة مع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة.
يوضح الخوري أن التهديدات دفعت دول الخليج العربية أخيرا إلى محاولة تصفير مشاكلها مع العالم وإقامة علاقات متوازنة مع كافة القوى المؤثرة إقليميا وعالميا من جانب، وإلى تنويع مصادر تسليحها من جانب آخر، مشيرا إلى أن المنطقة تتسلح بشكل أساسي من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، لكن دولا خليجية، مثل السعودية، أبدت انفتاحا على اتفاقات من شأنها الحصول على سلاح روسي.
ووفق الخوري فإن ما يجري في غزة قد لا تكون له آثار مباشرة على الحاجة إلى زيادة الإنفاق العسكري في الخليج لأنه صراع من طبيعة معقدة أخرى مختلفة عن التحديات التي تواجه هذه الدول، لكنه أكد، في الوقت ذاته، على أن الإنفاق على الأمن بالإجمال سيكون بحاجة إلى مقاربة جديدة بعد الحرب.
إنفاق إضافي
وقد تنطوي هذه المقاربة على إنفاقات جديدة، ومراجعة بعض بنود الإنفاق الأمني الحالية، خاصة تلك المتصلة بالإنفاق على خدمات الذكاء الاصطناعي في الأمن، والتي ربما تعرضت لانتكاسة قوية بعد حرب غلاف غزة، بحسب الخوري، في إشارة إلى ما أثبتته عملية "طوفان الأقصى" من عدم نجاعة الاعتماد الكامل على تقنيات الأتمتة الكاملة في المجال الأمني.
ويخلص الخوري إلى أن دول الخليج العربية لن تجد داعياً مباشراً لزيادة نسبة إنفاقها العسكري بناتجها المحلي الإجمالي، "لكن كل الأمر يتوقف على توجه العالم إلى العسكرة، فإذا ما زاد توجه العالم إلى العسكرة، فستجد دول الخليج نفسها مضطرة إلى مواكبة هذا الاتجاه للحفاظ على حصتها في ميزان الأمن الدولي والإقليمي"، حسب قوله.
وكان الباحث المشارك في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أنتوني كوردسمان قد قدم، في تقرير نشره المركز بعنوان "التوازن العسكري في الشرق الأوسط 2023"، تحليلا مفصلا للقوة العسكرية والإنفاق الدفاعي لدول الخليج والدول المجاورة، لافتا إلى أن تلك الدول أصبحت تواجه تحديات أمنية متعددة ومتغيرة، تتضمن التهديد الإيراني والصراعات الداخلية والإقليمية والتوترات التي قد تنشأ عن الصراع مع إسرائيل.
ولذا رجح كوردسمان أن تسعى دول الخليج إلى تعزيز قدراتها العسكرية والأمنية خلال الفترة القادمة، من خلال زيادة ميزانياتها الدفاعية وتحديث أسلحتها وتنويع مصادرها وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي.