الخليج الثري... هل يعي الدرس هذه المرة؟

03 اغسطس 2022
هل تنواصل تدفقات المال الخليجي على البورصات العالمية (Getty)
+ الخط -

تتدفق هذه الأيام مليارات الدولارات على خزائن دول الخليج وصناديقها السيادية واحتياطياتها من النقد الأجنبي، ولمَ لا؟

فأسعار النفط والغاز الطبيعي تشهد قفزات وارتفاعات غير مسبوقة، وطلبا متزايدا مقابل عرض أقل في الأسواق خصوصا من قبل روسيا.

هذه القفزات من المتوقع أن تستمر بعض الوقت مع زيادة المخاطر الجيوسياسية حول العالم، وتفاقم أزمة الوقود بسبب حرب أوكرانيا، وموجة التضخم الحادة التي تضرب اقتصادات كبرى ورفعت معها أسعار المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز وفواتير الكهرباء والتدفئة.

لا يتوقف الأمر على الإيرادات النفطية الضخمة، فهناك مصدر أخر للمليارات المتدفقة على الخليج وهي زيادة الفائدة على الدولار

لا يتوقف الأمر على الإيرادات النفطية الضخمة، فهناك مصدر أخر لتلك المليارات المتدفقة على دول الخليج وهي زيادة سعر الفائدة على الدولار.

فالصناديق السيادية الخليجية الخمسة الكبرى تمتلك ثروات وأصول وسيولة نقدية تتجاوز قيمتها 3360 مليار دولار، والجزء الأكبر من هذه الأموال مستثمر في الأسواق الأميركية ما بين ودائع في البنوك واستثمار في السندات وأذون الخزانة.

والعائد الاستثماري على هذه الأدوات الأميركية شهد قفزة مع الزيادات المتواصلة في سعر الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي، وهذا يصب لصالح الخزانة الخليجية.

ولنا أن نتخيل أن إيداع ألفي مليار دولار من الأموال الخليجية في البنوك الأميركية بسعر فائدة 3% سنويا يمكن أن يدر على خزانة دول مجلس التعاون 60 مليار دولار.

ومع كلّ طلعة شمس تربح دول الخليج مئات الملايين من الدولارات بسبب الطفرة النفطية واستمرار فورة أسعار النفط والغاز.

على سبيل المثال فإن السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، ارتفعت قيمة صادراتها النفطية إلى 116 مليار ريال، أي 30.8 مليار دولار بزيادة 106% خلال شهر مايو/أيار 2022.

وفي شهر إبريل/نيسان الماضي ارتفعت القيمة إلى 110 مليارات ريال بزيادة 123%. وتتوالي قفزة الإيرادات في يونيو ويوليو الماضيين.

الصناديق السيادية الخليجية الخمسة الكبرى تمتلك ثروات وأصول وسيولة نقدية تتجاوز قيمتها 3360 مليار دولار

ووفق توقعات البنك الدولي فإن القطاع النفطي السعودي سينمو بنسبة 13% في عام 2022. كما توقع البنك أن يتسارع نمو اقتصاد السعودية ليبلغ 7% في عام 2022 مدفوعاً بزيادة إنتاج النفط وارتفاع أسعار الطاقة.

بل إنّ شركة جدوى للاستثمار بالرياض توقعت حدوث قفزة في الإيرادات النفطية السعودية لتبلغ 935 مليار ريال، أي ما يعادل 248.6 مليار دولار بزيادة 66%، بنهاية العام الجاري، وأن يبلغ فائض الموازنة العامة 298 مليار ريال بعد أن كانت تعاني من عجز في سنوات سابقة.

هذه الزيادات في أسعار النفط انعكست بشكل مباشر على احتياطيات السعودية من النقد الأجنبي والتي سجلت 466 مليار دولار، في شهر يونيو/حزيران الماضي، وهو أعلى مستوياته منذ مارس/ آذار 2020، مقابل 447 مليار دولار بنهاية يونيو 2021.

تكرر المشهد في دول خليجية أخرى، فإجمالي الصادرات القطرية من الغاز الطبيعي المسال بلغ 43.5 مليار ريال (11.9 مليار دولار) خلال شهر إبريل الماضي مقابل 21 مليار ريال قبل عام بعد زيادة الطلب العالمي عقب الحرب الروسية في أوكرانيا. ونتج من ذلك فائض تجاري بلغ 34.2 مليار ريال خلال الشهر.

تنبؤات صندوق النقد الدولي في فبراير/شباط 2020 بإفلاس دول الخليج ونفاد احتياطياتها مالأجنبية باتت غير واقعية

وبعدما تنبأ صندوق النقد الدولي في شهر فبراير/شباط 2020 بإفلاس دول الخليج ونفاد احتياطياتها من النقد الأجنبي خلال فترة لا تتجاوز 15 سنة أي في عام 2034، استنادا إلى مؤشرات منها تهاوي أسعار النفط في ذلك الوقت، واندلاع حرب نفطية شرسة بين روسيا والسعودية، أكبر منتجين للخام الأسود في العالم، أدت إلى سقوط سعر النفط إلى 20 دولاراً للبرميل، وتهاوي الطلب على النفط بسبب تفشي وباء كورونا، باتت هذه التوقعات جزءا من الماضي وغير واقعية على الاطلاق، لأن المشهد النفطي تغير كاملا على مستوى العالم سواء من حيث السعر أو الطلب أو الأهمية المستقبلية في صناعة الطاقة.

الآن، بات لدى دول الخليج فوائض مالية ضخمة ناتجة من الطفرة النفطية الحالية، بعدما كانت تعاني من عجز مالي وتراجع حاد في الاحتياطيات الأجنبية منذ العام 2014، فهل تعي تلك الدول الدرس وتنعكس تلك الطفرة على اقتصاداتها ومعيشة مواطنيها.

كما يتم توجيه جزء من تلك الفوائض للمنطقة العربية للاستثمار في مشروعات بالغة الأهمية منها الأمن الغذائي وزراعة القمح وغيره من المحاصيل وصناعة الأدوية والسلاح.

أم تواصل تكديس تلك المليارات في البنوك الأميركية والتركيز على الأسواق الغربية باعتبارها الأكثر ضماناً وأماناً من وجهة نظر مديري هذه الاستثمارات الضخمة؟

المساهمون