حذر مدير برنامج الغذاء العالمي في الصومال "WFP"، الخضر دالوم، في مقابلة مع "العربي الجديد" من أن يقع الصومال فريسة مجاعة قاتلة، في ظل تزايد أزمة انعدام الأمن الغذائي لدول القرن الأفريقي نتيجة الجفاف والحرب الروسية على أوكرانيا التي عطّلت تصدير القمح عالمياً.
وأضاف أن برنامج الغذاء العالمي ظل يعمل لسنين طويلة في الصومال، وقد قمنا بوضع استراتيجية أقرتها الحكومة الصومالية وأجازتها سابقاً، وهذه الخطة بدأت من شهر يناير/ كانون الثاني 2022 وتستمر لغاية 2025. وفيما يلي نص الحوار:
- ما هو حجم الأزمة الغذائية في منطقة القرن الأفريقي من وجهة نظركم؟
مسألة الأمن الغذائي في القرن الأفريقي معقدة للغاية، حيث تتشابك فيها عدة عوامل، هناك مسألة الأمن ومعضلة تداعيات جائحة كورونا، ومنها انتقلنا إلى الجفاف، وهناك نحو عشرين مليون شخص في القرن الأفريقي يعانون من معضلة الأمن الغذائي، إضافة إلى 7 ملايين طفل يعانون من مضاعفات سوء تغذية حادة.
كما أن أزمة الجفاف أثرت سلباً على الوضع المعيشي للأسر الفقيرة وذوي الدخل المحدود، إذا كيف سيكون رد فعل الأسر الفقيرة، عندما لا يتوفر لديهم ما يكفي من الطعام.
أولا، إذا كانوا يتناولون 3 وجبات من الغذاء يقللونها وهذا يؤدي إلى سوء التغذية، التي تترك تداعيات خطيرة، ثانياً يقومون بالاستدانة حتى يتمكنوا من سد حاجاتهم، ولكن بعد ذلك سوف ينتقلون إلي بيع الثروة الحيوانية أو بعض ممتلكاتهم، وعندها لن يكون لديهم خيار آخر سوى النزوح.
- وكيف كان تأثير الجفاف تحديدا على مستويات الأمن الغذائي؟
كل هذه الأشياء قد رأيناها لأن الجفاف الذي نراه في الصومال هو أسوأ جفاف خلال الـ40 عاماً الماضية، وكان هناك 4 مواسم من الأمطار فشلت تماماً، والموسم الخامس من المتوقع أن يفشل أيضاً.
في ما يتعلق بحجم المشكلة الغذائية في الصومال، هناك 7 ملايين صومالي من جملة 15 مليون نسمة، الذين هم 45% من إجمالي عدد السكان في الصومال، يعانون من مسألة الأمن الغذائي، علاوة على ذلك أن هناك 1.5 مليون طفل يعانون من سوء التغذية و248 من النساء الحوامل والرضع يواجهون المضاعفات الناجمة عن سوء التغذية، وهناك أيضا حوالي 900 ألف شخص نزحوا من قراهم إلى مناطق جديدة ونحو المدن الكبيرة، وهذا النزوح له ثمن كبير جداً.
رصدنا أوضاعا صعبة لبعض الأسر الفقيرة والنازحات، فقابلت إحدى النساء التي سافرت مع أطفالها لمدة 9 أيام، خلال فترة سفرها، فقدت طفلاً، وهناك أسرة فقدت حوالي 3 أطفال في هذه الرحلة المضنية حتى يتمكن من الحصول على المساعدات.
- كم يقدر عدد المتضررين من كارثة الجفاف في الصومال، وهل هناك مشاريع إنمائية للتدخل من قبل البرنامج العالمي للغذاء؟
إن برنامج الغذاء العالمي ظل يعمل لسنين طويلة في الصومال، وقد قمنا بوضع استراتيجية أقرتها الحكومة الصومالية وأجازتها سابقاً، وهذه الخطة بدأت من شهر يناير/ كانون الثاني 2022 وتستمر لغاية 2025.
وكانت خطة استراتيجية هدفها الأساسي أن تسخر المقدرات الغذائية في الصومال والمقدرات الطبيعية والبشرية والاقتصادية حتى نعالج مسألة الجوع والفقر في الصومال، وفي هذا الوقت نعمل في المجال الإنساني والتنموي جنبا الي جنب مع القطاع الخاص والعام في الصومال، وبتعاون مكثف مع بقية المنظمات الأممية الأخرى التي تود مساعدة الصومال.
مثلاً في الجانب الإنساني قمنا في شهر يوليو / تموز الماضي بتوفير مساعدات إغاثية لـ3.8 ملايين صومالي من جملة السبعة ملايين الذين يحتاجون إلى الغوث، وكذلك لابد أن نأخذ في الاعتبار أن منظمات أخرى أيضا تعمل في هذا المجال، ولكن اتخذنا قرارات حاسمة وقوية بالتعاون مع الحكومة الصومالية لأننا علَّقنا المساعدات في بعض المناطق الأقل تأثراً، وذهبنا إلي المناطق الأكثر تأثرا، وهي أقاليم هيرشبيلي وجنوب غرب الصومال وجوبالاند.
هذه الأقاليم الثلاثة هي الأكثر تضرراً من كارثة القحط، وتم توفير مساعدات عينية ونقدية، حتى تستطيع الأسرالفقيرة شراء احتياجاتها الغذائية بصورة أسرع، نحن عندما نقوم بدراسات للسوق، نتحرى أولاً، هل البضائع متوفرة وبأي أسعار وهل الأسعار تشملها المساعدات التي نقدمها للصوماليين؟
- وكيف تعامل البرنامج مع حالات سوء التغذية؟
هنا برنامج الغذاء العالمي ومنظمة اليونسيف يتعاونان، لأن هناك حالات نسميها سوء تغذية متوسطة، يتعامل معها برنامج الغذاء العالمي، أما الحالات التي هي أكثر سوءا وتستدعي أن يكون الطفل في المستشفى أو في الوحدات الصحية، فتتعامل معها منظمة اليونيسف.
وعليه قمنا في شهر يونيو/ حزيران بمساعدة 295 ألف طفل، كل هذه الجهود المتضافرة بين المنظمات الأممية، تأتي حتى لا تتحول إلى سوء تغذية حادة.
- هل للحرب الرُّوسية على أوكرانيا أضرار بالغة على الأمن الغذائي في الصومال ودول القرن الأفريقي؟
بالتأكيد، فالحرب الرُّوسية على أوكرانيا كانت لها آثار سلبية وسيئة على دول القرن الأفريقي، والمساعدات الإنسانية التي كنا نقدمها قبل اندلاع الحرب الرُّوسية ارتفعت قيمتها نتيجة تأثرها بالحرب، فهناك حالياً زيادة في الأسعار بـ100 مليون دولار في منطقة القرن الأفريقي فقط لمنظمة الغذاء العالمي.
أما في ما يخص الصومال فإن 80 في المئة من حاجة الصومال للغذاء تأتي عن طريق الاستيراد، إذ يستورد الأرز بحوالي 248 مليون دولار في العام وهذه إحصائية رسمية، وأعتقد أن الرقم أكبر من ذلك.
تبدو الآثار الناجمة عن أزمة الغذاء العالمية في القرن الأفريقي سيئة للغاية. ودعا برنامج الغذاء العالمي في الصومال، الحكومة الفيدرالية إلى أن تتعامل بصورة مرنة في تصدير القمح للصومال، ونحث أيضاً على وقف الضرائب الكبيرة المفروضة على المواد الغذائية، وعلى تنقل المواد الغذائية من منطقة إلى أخرى، ومن ولاية إلى أخرى، لأن هذا سوف يؤدي إلى زيادة الأسعار ويزيد من تفاقم الأزمة الغذائية.
الأمر الآخر، هو أن الحرب الرُّوسية أثرت فيما يخص الأسمدة تحديداً على كل من كينيا وإثيوبيا، بينما الصومال لا يعتمد على الأسمدة كثيراً، وهذا أمر جيد، لأن إنتاجه الزراعي لا يتعدى حوالي 20 في المئة ويستورد جُل مواده الغذائية من الخارج وبنسبة 80 في المئة.
- هل بات وقوع الصومال في المجاعة وشيكاً؟ وما هي المؤشرات المعتمدة لدى الأمم المتحدة لإعلان المجاعة؟
في شهر أبريل/ نيسان أعلنت الأمم المتحدة بالتعاون مع الحكومة الفيدرالية، أن الصومال بات على مقربة من حدوث المجاعة، وفي شهر يونيو/حزيران أكدنا أن نسبة وقوع أزمة المجاعة في الصومال تزداد مخاطرها، لكن حالياً وفي شهر أغسطس، يمكن أن نعلن ان الصومال بات قاب قوسين من خطر وقوعه في أزمة مجاعة.
ولإعلان أن الصومال في مجاعة، لابد من توفر 3 أسباب كمعيار لإعلان المجاعة، ولابد من توافرها أيضاً مع بعض.
- أولا، تزايد نسبة سوء التغذية في أوساط الأطفال والكبار، ونحن منذ شهر أبريل/ نيسان بدأت هذه الحالات تظهر.
- ثانياً، تزايد أعداد الوفيات خاصة لدى الأطفال وهذه الحالة لا تتوفر لدينا حالياً معلومات دقيقة حولها حتى نعلن أن هناك وفيات كثيرة للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، ولكن بلا شك هناك وفيات ولكن، هل الوفيات ترقى الي النسبة التي يمكن إعلان المجاعة؟
- ثالثاً، وجود مشكلة كبيرة لانعدام الأمن الغذائي في البلاد، وهل بات هذا مؤكداً حالياً وفي أي نسبة يمكن أن تدفعنا لإعلان المجاعة في الصومال.
إذاً، لا نستطيع حالياً أن نعلن حدوث مجاعة في الصومال، لكن كل المؤشرات تدل على أن خطر حدوثها بات وشيكاً ، فهناك حوالي 3 ملايين شخص في مناطق يصعب الوصول إليها من قبل المنظمات الأممية وتعاني من أوضاع مزرية للغاية، ولابد من تعاون مكثف بين الشعب الصومالي والحكومة الفيدرالية، وكل المكونات الصومالية أياً كانت حتى نستطيع درء المجاعة، وفي اعتقادي، نستطيع درء المجاعة إذا تم التعاون التام بين المجتمع الدولي وبين كل مكونات المجتمع الصومالي من غير استثناء لأي أحد في أي منطقة من مناطق الصومال، لمواجهة خطر حدوث مجاعة قاتلة.
- ما هي رسالتكم للدول العربية والمنظمات الإنسانية التي تعمل مجال الإغاثة في الخليج؟
أنا كمدير لبرنامج الغذاء العالمي في الصومال، أنتمي إلي الأمة الإسلامية كإنسان ودولتي (السودان) التي نشأت فيها هي من جامعة الدول العربية، ويحزنني وبألم شديد مع تقديري للمساعدات التي رأيتها خاصة من الإمارات و قطر والسعودية، أن أقول إن هذه المساعدات لا ترقى إلى المستوى الذي رأيته من الدول الغربية، وهذا أمر محزن للغاية.
وأنا أعتقد أن الدول العربية والإسلامية لها من الإمكانات ما تستطيع أن تقدمه أكثر مما رأيته الآن. الصومال يعاني من أزمة إنسانية محزنة للغاية، ورسالتي للوطن العربي وخاصة الدول الميسورة مثل الخليج، أن على قياداتها، التي لا أشك أن لها باعا طويلا في مجال الدعم الإنساني أن يكونوا في مقدمة الدول لمساندة الصومال لتجاوز المرحلة الحرجة التي يمر بها الآن.