الخروج من الإغلاق ينعش السلع الأولية... والنفط أكثر حضوراً

24 فبراير 2021
النحاس فوق 9 آلاف دولار للطن للمرة الأولى منذ تسع سنوات (Getty)
+ الخط -

عادت السلع الأولية لدورة الانتعاش من جديد، متجاوزة الكثير من التداعيات التي خلفتها جائحة فيروس كورونا منذ بداية العام الماضي، إذ تعرّضت لصدمة غير مسبوقة، بسبب الإغلاقات التي شهدها العالم لمواجهة الوباء وهبوط الطلب على الكثير من المواد.

وقفزت أسعار السلع إلى أعلى مستوياتها منذ ما يقرب من ثماني سنوات، وسط ازدهار شهية المستثمرين لكل شيء، من النفط إلى الذرة، وسط رهان على أن التحفيز الحكومي، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، بالإضافة إلى أسعار الفائدة القريبة من الصفر، سوف يغذي الطلب ويولد التضخم مع انتعاش الاقتصاد.

وارتفع مؤشر بلومبيرغ للسلع، الذي يتتبع تحركات أسعار 23 مادة خام، بنسبة 1.6%، يوم الاثنين الماضي، إلى أعلى مستوى له منذ مارس/ آذار 2013، بينما اكتسب المؤشر بالفعل أكثر من 60% منذ أن وصل إلى أدنى مستوى له في أربع سنوات في مارس/ آذار من العام الماضي 2020.

وقال بارت ميليك، رئيس استراتيجية السلع في بنك الاستثمار الكندي "تي دي سيكيورتيز"، وفق وكالة بلومبيرغ، أمس، إن "الأشخاص الذين تجاهلوا السلع لفترة طويلة، بدأوا الآن في الحصول على مراكز بالسوق".

ارتفع النحاس فوق 9 آلاف دولار للطن للمرة الأولى منذ تسع سنوات، كما صعدت القهوة والسكر

وفي وقت سابق من فبراير/ شباط الجاري، ذكر بنك الاستثمار الأميركي "جيه بي مورغان" أن السلع تبدو وكأنها قد بدأت دورة فائقة جديدة، كما أشار بنك غولدمان ساكس إلى بدء دورة الصعود للسلع، بينما شهدت أربع دورات على مدار المائة عام الماضية.

ارتفع النحاس فوق 9 آلاف دولار للطن للمرة الأولى منذ تسع سنوات، كما صعدت القهوة والسكر.

وقال محللو "جيه بي مورغان" بقيادة ماركو كولانوفيتش في مذكرة في 10 فبراير/ شباط الجاري إن ارتفاع السلع سيكون قصة انتعاش اقتصادي هائل بعد الوباء، فضلاً عن السياسات النقدية والمالية المتساهلة جداً.

ووفق المحللين فإن السلع قد تقفز أيضاً كنتيجة غير مقصودة لمكافحة تغير المناخ، حيث يزداد الطلب على المعادن اللازمة لتدشين البنية التحتية للطاقة المتجددة وتصنيع البطاريات والمركبات الكهربائية. كذلك طاول الصعود أسعار الذهب، الذي وصل إلى ذروة أسبوع، أمس الثلاثاء، حيث تعززت جاذبيته بفعل مخاوف من ارتفاع التضخم أكثر. ولامس المعدن النفيس في المعاملات الفورية مستوى 1815 دولاراً للأوقية (الأونصة).

وبدا النفط أكثر حضوراً في المشهد، بتسجيله صعوداً كبيراً منذ بداية العام الجاري، وسط توقعات باكتساب مزيد من المكاسب خلال الأشهر المقبلة بعودة الطلب على الخام إلى مستويات ما قبل الجائحة والتقليص القسري الذي تعرضت له الإمدادات الأميركية بفعل موجة الصقيع غير المسبوقة التي تضرب ولاية تكساس مركز إنتاج الطاقة في الولايات المتحدة منذ نحو أسبوعين.

ولامس خام برنت 67 دولاراً للبرميل، أمس، كما وصل خام غرب تكساس الأميركي إلى نحو 63 دولاراً للبرميل، ليصعد الخامان القياسيان ما يزيد عن 2% بعد أن قفزا بنحو 4% يوم الاثنين الماضي. وفي ختام تعاملات الأسبوع الماضي، أغلقت عقود خام برنت لأقرب استحقاق عند 62.7 دولاراً للبرميل، مسجلة أعلى مستوى منذ ديسمبر/ كانون الأول 2019.

ويستفيد النفط من حالة التفاؤل حيال توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا وإقدام العديد من الاقتصادات الكبرى على فتح المزيد من الأنشطة، فضلاً عن الخفض القسري لإنتاج الخام الأميركي.

توقع بنك مورغان ستانلي أن ترتفع أسعار خام برنت إلى 70 دولاراً للبرميل في الربع الثالث

وقالت مصادر إن منتجي النفط الصخري في جنوب الولايات المتحدة قد يستغرقون ما لا يقل عن أسبوعين لاستئناف إنتاج ما يزيد عن مليوني برميل يومياً من الخام بسبب برودة الطقس، إذ يتباطأ التعافي بفعل خطوط الأنابيب المتجمدة وانقطاعات إمدادات الكهرباء.

ويبدو أن تحركات النفط نحو الصعود أسرع من توقعات المؤسسات المالية العالمية، إذ توقع بنك الاستثمار الأميركي غولدمان ساكس في تقرير له، يوم الاثنين الماضي، بلوغ خام برنت 70 دولاراً للبرميل في الربع الثاني العام الجاري وأن يصل إلى 75 دولاراً في الربع الثالث.

كذلك يتوقع بنك مورغان ستانلي أن ترتفع أسعار خام برنت إلى 70 دولاراً للبرميل في الربع الثالث بفضل "مؤشرات على تحسن كبير للسوق" من بينها احتمالات طلب أفضل.

قال روب هاوورث، كبير محللي الاستثمار في "يو إس بنك" لإدارة الثروات:"مع إعادة فتح الاقتصادات وتسارع التطعيمات، يتعين على السوق أن يتساءل عما إذا كان هناك ما يكفي من النفط في الوقت الحالي مع اقترابنا من موسم ذروة الطلب".

كما قال بن لوكوك، الرئيس المشارك لتداول النفط في مجموعة ترافيغورا، في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ، إن أسواق النفط تستفيد بقوة من خروج جزء كبير من العالم من الإغلاق، فضلاً عن تقلص الإنتاج في الولايات المتحدة بسبب العاصفة الثلجية، مشيراً إلى أن حوالي 40 مليون برميل من إنتاج فبراير/ شباط معظمها من حوض بيرميان في تكساس، لن يتم إنتاجها بسبب التجميد.

ويوم الاثنين الماضي، أعرب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون عن أمله في عودة الحياة إلى طبيعتها بشكل شبه تام بحلول نهاية يونيو/ حزيران المقبل، عارضاً أمام البرلمان خطة من أربع مراحل كبرى لرفع القيود المفروضة لمكافحة كورونا في بلاده. وأكد أنه لا يمكن الاستمرار إلى ما لا نهاية مع قيود تضعف الاقتصاد والرفاه النفسي والجسدي. كذلك بدأت دول أوروبية وآسيوية في اتباع خطوات مماثلة.

وكان خام برنت قد اكتسب بالأساس أكثر من 25% منذ بداية العام الجاري، وذلك بعد تعهد المملكة العربية السعودية في يناير/ كانون الثاني الماضي بتعميق قيود الإنتاج، مما يساعد في تفكيك المخزونات العالمية التي تراكمت خلال جائحة كورونا.

وانخفض النفط الخام المخزن في البحر إلى أدنى مستوى له في 11 شهراً الأسبوع الماضي، وفقاً لشركة فورتكسا للتحليلات النفطية، في علامة أخرى على تضاؤل الإمدادات.

وتتوقع شركات نفط أن يصل سعر الخام إلى 80 دولاراً للبرميل، وذلك وفق ما رجّح مسؤول تجاري في شركة النفط الحكومية الأذربيجانية "سوكار"، بسبب انخفاض مخزونات النفط الزائدة التي تراكمت خلال فترة الإغلاقات.

ويبلغ متوسط استهلاك النفط حالياً قرابة 95.8 مليون برميل يومياً، مقارنة مع متوسط 100 مليون برميل يومياً في الأشهر الأربعة التي سبقت التفشي العالمي لجائحة كورونا. ووفق توقعات غولدمان ساكس، فإن عودة الاستهلاك لمستويات ما قبل الجائحة قد تتحقق مجدداً بحلول يوليو/ تموز المقبل.

ومع ذلك، فإن صورة العرض بعيدة كل البعد عن اليقين. وتتجه السعودية وروسيا نحو اجتماع تحالف "أوبك+" في الرابع من مارس/ آذار المقبل بآراء متباينة بشأن ما إذا كان التحالف سيضيف مزيداً من المعروض إلى السوق في إبريل/ نيسان أم يبقي على خفض الإمدادات.

تتوقع شركات نفط أن يصل سعر الخام إلى 80 دولاراً للبرميل بسبب انخفاض مخزونات النفط الزائدة

وتريد المملكة إبقاء الإنتاج ثابتاً، وفق مندوبين في منظمة "أوبك"، لكن موسكو تشير إلى أنها لا تزال تريد المضي قدماً في زيادة الإنتاج، بينما تسير التوقعات نحو حفاظ المنتجين على مكاسب الأسعار قدر الإمكان، لا سيما بعد أن عانوا من ضغوط مالية كبيرة بسبب تهاوي الأسعار التي نزلت إلى نحو 20 دولاراً للبرميل في إبريل/ نيسان الماضي بسبب تداعيات كورونا وسباق الإنتاج بين روسيا والسعودية قبل التوصل إلى اتفاق لخفض الإمدادات لاحقا.

وفي إبريل/ نيسان 2020، اتفقت دول تحالف "أوبك+" التي تضم الأعضاء في منظمة أوبك وكبار المنتجين من خارجها على رأسها روسيا على خفض تاريخي للإنتاج بمقدار 9.7 ملايين برميل يومياً، اعتباراً من مطلع مايو/ أيار 2020، وتم تقليص التخفيضات إلى 7.7 ملايين برميل اعتباراً من مطلع أغسطس/ آب حتى نهاية العام، قبل أن يتم في يناير/ كانون الثاني الماضي تخفيف خفض الإنتاج مجدداً إلى 7.2 ملايين برميل يومياً، يستمر حتى إبريل/ نيسان 2022.

المساهمون