شكل رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف لجنة لمتابعة تنفيذ إجراءات "التقشف" التي أعلن عنها قبل أيام قليلة، ضمن خطة لتقليص الإنفاق الحكومي استجابة لشروط صندوق النقد الدولي مقابل الإفراج عن حزمة إنقاذ مالي للدولة المقبلة على سيناريو "يوم القيامة"، وفق وصف مستشار سابق لرئيس الحكومة.
وضمت اللجنة سبعة وزراء، بينهم وزراء المالية والأمن الغذائي والطاقة. ووسط وضع مالي قاتم، أعلن رئيس الوزراء عن سلسلة من إجراءات التقشف، التي قال إنها ستؤدي إلى توفير سنوي قدره 200 مليار روبية (776 مليون دولار)، وفق ما نقلت صحيفة داون الباكستانية، أمس الاثنين.
وتأمل باكستان في التوصل إلى اتفاق، الأسبوع الجاري، مع صندوق النقد الدولي للإفراج عن شريحة طال انتظارها تزيد عن مليار دولار، من قرض متعثر جرى الاتفاق عليه قبل نحو 4 سنوات. وتتوقع الحكومة أن يفتح الاتفاق الباب أمام تدفقات ائتمانية من جهات إقراض ثنائية ومتعددة الأطراف أخرى خلال الفترة المقبلة.
والاقتصاد الباكستاني بحاجة ماسة إلى إنقاذ مالي، حيث تكافح البلاد أسوأ أزمة اقتصادية. وانخفضت احتياطيات النقد الأجنبي إلى حوالي 3 مليارات دولار، وهو ما يكفي بالكاد لتغطية ثلاثة أسابيع من الواردات.
ووفقًا للإجراءات التقشفية، فإن جميع أعضاء مجلس الوزراء الاتحادي، بمن فيهم المستشارون والمساعدون الخاصون لرئيس الوزراء، سوف يتنازلون عن الرواتب والامتيازات الأخرى، وسوف يدفعون فواتير الخدمات الخاصة بهم ويعيدون جميع المركبات الفاخرة التي سيتم بيعها بالمزاد العلني، وفق الصحيفة الباكستانية.
وسيتم توفير سيارة أمنية واحدة فقط لكل عضو في مجلس الوزراء، وسيسافر الوزير والمسؤولون الحكوميون في رحلة اقتصادية داخلية وخارجية بدون طاقم دعم، ولن يقيم أي وزير في فنادق خمس نجوم خلال الزيارات الخارجية. وبالنسبة للاجتماعات، سيتم إعطاء الأولوية لعقد المؤتمرات عن بعد لخفض نفقات السفر.
وهذه اللجنة هي الثانية التي يشكلها رئيس الوزراء خلال شهر تقريباً، ومكلفة بخفض نفقات الحكومة. وفي 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، جرى تشكيل لجنة من 15 عضواً لتقديم مقترحات بشأن خفض التكاليف في غضون 15 يوماً. ومع ذلك، لم يكن بوسع اللجنة أن تجتمع مرة واحدة وأصبحت لا وجود لها، بحسب الصحيفة.
وتسعى باكستان للحصول على حزمة إنقاذ مالي من صندوق النقد الدولي مجدداً، وهو ما فعلته أكثر من 20 مرة، لكن مأزقها أخطر بكثير هذه المرة، بعدما أثرت الفيضانات على ملايين الأفراد خلال العام الماضي، وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الطاقة، وتراكمت السحب القاتمة على الاقتصاد العالمي.
وقال رئيس الوزراء خلال اجتماع مع كبار مسؤولي الأمن في مكتبه في إسلام أباد أذاعه التلفزيون مباشرة، يوم الجمعة الماضي، إن بلاده مضطرة لقبول الشروط القاسية لصندوق النقد الدولي من أجل الحصول على طوق نجاة للاقتصاد، مضيفا "مضطرون لأن نقبل، مرغمين، الشروط الصارمة لاتفاق صندوق النقد الدولي".
وكان الصندوق قد صرف دفعة بقيمة 1.1 مليار دولار في أغسطس/ آب الماضي من القرض المتفق عليه مع باكستان في 2019، البالغ نحو 6.5 مليارات دولار، لكن المحادثات بين الطرفين تذبذبت كثيراً منذ ذلك الحين.
وتساءل هارون خواجه، المستشار السابق لرئيس الوزراء، في مقال نشره في صحيفة داون، أمس، عما سماه "سيناريو يوم القيامة، إذا تخلفت باكستان عن السداد وكيف سيعاني المواطن الباكستاني العادي؟".
وقال هارون إنه "حتى مع وجود إشارة خضراء من صندوق النقد الدولي، يبدو أن أي إعانة ستستمر بضعة أشهر فقط"، مشيرا إلى أن البلد في طريقه لاستيراد سلع تبلغ قيمتها حوالي 50 مليار دولار بعد ضغوط شديدة على الواردات، مقابل 81 مليار دولار في 2022، في حين أنه من المقرر أن تبلغ الصادرات حوالي 25 مليار دولار، انخفاضاً من 32 مليار دولار في العام الماضي، ومن المرجح تمويل العجز التجاري المتوقع البالغ 25 مليار دولار من خلال تحويلات العاملين في الخارج، والمتوقع أن تنخفض أيضا إلى حوالي 26 مليار دولار، مقابل 31 ملياراً في 2022.
وأشار إلى أن أكبر عنصر استيراد يتمثل في النفط والغاز بواقع 34% من إجمالي فاتورة الواردات، وإذا كانت باكستان غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها الخارجية، فسوف تواجه على الفور نقصاً حاداً في الطاقة، ما سيؤدي إلى سلسلة من الأحداث الكارثية، حيث ستغلق محطات البنزين، ومن المرجح أن يتوقف النقل، وسيتوقف توليد الكهرباء، ما يؤدي إلى فقدان الأحمال لأيام، وستغلق المصانع، وهو ما يؤدي إلى تفشي البطالة، تليها اضطرابات مدنية شبيهة بما رأيناه في سريلانكا، ولكن بقوة وعواقب أقوى بكثير.