تتجه الحكومة الأردنية لاتخاذ إجراءات استثنائية لإنقاذ الوضع الاقتصادي الذي يشهد تراجعا حادا نتيجة جائحة كورونا وتداعياتها، وأثرها في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة.
ولم يخف وزراء المجموعة الاقتصادية في الحكومة الحالية قلقهم من تردي الأوضاع المالية والمعيشية، والتي تستدعي بحسب تأكيداتهم قرارات عاجلة من شأنها زيادة الإيرادات المحلية، ومعالجة اختلالات أساسية كالإعفاءات المالية المقدمة للعديد من القطاعات والأفراد.
وقد أشار الفريق الاقتصادي للحكومة الحالية برئاسة بشر الخصاونة، إلى خطورة الوضع الاقتصادي، وذلك خلال لقائهم بلجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب التي رأسها النائب خالد أبو حسان قبل أيام.
وجاءت رؤية الوزراء للوضع الاقتصادي بالصعبة للغاية والتنبيه مجددا لعظم التحديات التي تواجه البلاد، وتتركز في ارتفاع الدين العام والعجز المالي للموازنة والفقر والبطالة وتراجع النمو.
وزير المالية، محمد العسعس، ألمح إلى إمكانية إلغاء الإعفاءات المالية بقوله: "من غير المعقول أن يبقى الأردن يقدم إعفاءات تفوق مليار دينار (1.41 مليار دولار) سنويا، رغم أن جزءا منها قد يكون له فائدة ولكن الجزء الآخر ليس له أي جدوى". وربما يقصد بذلك الإعفاءات الضريبية الممنوحة للقطاعات الاقتصادية والأفراد، حسب مراقبين.
وأضاف وزير المالية أنه في ظل متلازمة العجز والدين نحن أمام خيارات مفصلية، ولن يكون هناك تعاف للاقتصاد دون استعادة زخم النمو، الأمر الذي يتطلب اتخاذ سياسات من أهمها تحويل الإعفاءات إلى حوافز كون الحوافز لها انعكاسات إيجابية على الاقتصاد الوطني، وبالتالي ستسهم في معالجة مشكلة البطالة.
وأكد على ضرورة المضي في مكافحة التهرب الضريبي والجمركي الذي يعتبر كما قال "جريمة بحق الوطن والقطاع الخاص والحكومة".
ووفق وزير المالية، فإن العام الجاري هو الأصعب على الأردن بسبب الظروف الاستثنائية التي فرضتها تداعيات جائحة فيروس كورونا الجديد.
ومن جانبه، قال وزير الدولة، محمود الخرابشة، لـ"العربي الجديد" إن الحكومة الحالية جاءت في ظروف استثنائية وصعبة للغاية، وهي تدرك تماما حجم التحديات التي تواجه الأردن من الناحية الاقتصادية، وتعمل جاهدة لإنعاش الأنشطة المختلفة وتحسينها.
وأضاف أن الحكومة تضع في مقدمة أولوياتها العمل على تحسين مستويات المعيشية، وتخفيف آثار أزمة كورونا على الأفراد والقطاعات الاقتصادية المختلفة، ولذلك تم توجيه العديد من برامج الدعم المباشرة وغير المباشرة للمتضررين من الجائحة، وتشمل الأشخاص والمنشآت المتضررة منها.
وقال الخرابشة إن الحكومة مندفعة لتطوير الوضع الاقتصادي وتحفيزه خلال الفترة المقبلة، وهي تعمل ضمن خطة ورؤية واضحة في هذا السياق.
وارتفعت نسبة الفقر في الأردن وفقا لآخر تقديرات للبنك الدولي بحوالي 38% العام الماضي، فيما بلغت البطالة 23.9% بحسب البيانات الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة الرسمية للربع الثالث من العام 2020.
وكان رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب، نمر سليحات، قد خالف أرقام الحكومة بالنسبة للدين العام للأردن بقوله إنه يبلغ حوالي 47.3 مليار دولار، بإضافة ديون مؤسسة الضمان الاجتماعي ليتجاوز 110% من الناتج المحلي.
نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، أميه طوقان، قال للجنة الاقتصادية النيابية إن الحكومة تعمل على وضع إجراءات وبرامج مثل فكرة الصندوق السيادي الذي يتم دراسته كجزء من مفهوم التعافي، فضلا عن البرنامج التنفيذي والذي سيعلن عنه قريبا.
وبين أن التعامل مع المشكلة الكبرى التي تواجه عمل الحكومة هي ارتفاع نسبة البطالة وتنظيم سوق العمل، والذي يحتاج إلى إحداث نمو اقتصادي ينعكس على توفير فرص العمل في القطاع الخاص، وبالتالي يسهم بشكل كبير بالتعافي.
وقال إنه بات من الضرورة إعادة التفكير في موضوع النمو الاقتصادي، حيث وجدت الحكومة وبعد قراءتها لأداء الاقتصاد الاردني منذ عام 2000، أن ثمة عوامل أخرى غير الإنفاق الاستثماري تحدد النمو من بينها البعد الإقليمي والدولي وأثره على أداء الاقتصاد الوطني.
ولفت إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي ساهم بإزالة التشوهات في قطاعات الطاقة والعمل، ومعالجة الفاقد في المياه، وأن الحكومة عازمة على معالجة هذه التشوهات، والتي تسببت في تسرب الإيرادات الحكومية.
وتساءل رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النواب النائب، خالد أبو حسان، عن خطة الحكومة التي أعدتها بعد مرحلة كورونا لزيادة النمو وتحفيز الاقتصاد وإيجاد فرص العمل للتخفيف من البطالة. وقال لـ"العربي الجديد" إن الأردن يواجه اليوم تحديات اقتصادية كبيرة وصعبة، وتتطلب عملا وجهدا استثنائيا من قبل الحكومة لتجاوزها، وبما يسهم في الحد من ارتفاع الفقر والبطالة ونسبة الدين العام التي تجاوزت الناتج المحلي الإجمالي بكثير.
وأضاف أننا ننتظر الخطة التي ستعلنها الحكومة، ونأمل أن تأتي بما هو جديد لتحسين الوضع الاقتصادي ومعالجة التحديات الراهنة، وزيادة القدرة على مواجهة التبعات السلبية لجائحة كورونا وتدعيم أركان القطاع الخاص وتحفيزه.
ومن المتوقع أن تسجل الموازنة عجزاً بقيمة 2.05 مليار دينار (2.89 مليار دولار) بعد المنح، وأن الهدف الرئيسي للموازنة البالغة 9.9 مليارات دينار (14 مليار دولار)، هو صيانة الاستقرار المالي، وفقا لتصريحات وزير المالية العسعس.
الخبير الاقتصادي، حسام عايش، قال لـ"العربي الجديد" إن الفهم الحكومي لحقيقة المشكلة الاقتصادية التي تواجه الأردن هو المدخل لوضع حلول ناجعة للنهوض بالاقتصاد، وزيادة النمو والتصدي لمشكلتي الفقر والبطالة والعجز المزمن بالموازنة مع الزيادة المضطردة في المديونية.
وأضاف أن الخطة المرتقب الإعلان عنها من قبل الحكومة لا بد أن تأتي انعكاسا لمعرفة الحكومة للمعضلة الاقتصادية وتشخيصها بشكل صحيح، والتي تتطلب جدية للإسراع في وضع الحلول المناسبة للخروج من عنق الزجاجة واتخاذ إجراءات تحفيزية للاقتصاد الأردني.
وقال عضو مجلس النواب النائب، من كتلة الإصلاح المحسوبة على التيار الإسلامي، ينال فريحات، لـ"العربي الجديد" إننا في مجلس النواب لن نقبل بأي إجراءات حكومية تمس معيشة المواطنين والقطاعات الاقتصادية، وخاصة في هذه المرحلة.
وأضاف أن على الحكومة الالتزام بما ورد في موازنة الدولة للعام الحالي 2021 بعدم فرض أي ضرائب أو رسوم جديدة، وضرورة العمل على تحفيز الاقتصاد واستقطاب الاستثمارات.