الحكومات وشماعة كورونا الجاهزة

21 ابريل 2020
زيادات ملحوظة في أسعار السلع بسبب كورونا
+ الخط -
أن تفشل حكومة دولة عربية ما في وقف قفزات الأسعار وتردي مستوى معيشة المواطن، وتوفير فرص عمل لملايين الشباب العاطلين، والحد من الفقر، فالفشل هنا مبرر من وجهة نظرها وهو التداعيات الخطيرة لتفشي داء كورونا على الاقتصاد والذي عطل الأنشطة المختلفة وأثر سلباً على إيرادات الدولة وألحق خسائر فادحة بالموارد العامة.

وأن تتوسع حكومة ما في الاقتراض الخارجي بغض النظر عن نسبة الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي أو القدرة على السداد، فالحجة هنا جاهزة وهي أن كورونا أثر على موارد النقد الأجنبي، خاصة من قطاعات حيوية مثل السياحة وتحويلات العاملين في الخارج والصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبالتالي لا مفر من الاقتراض وبمبالغ ضخمة حتى لا تنهار الدولة اقتصاديا وماليا، ومعها ينهار الاحتياطي الأجنبي.

وفي ظل تفشي فيروس كورونا لا تكتفي الحكومات بقرارات من عينة وقف التعيينات الجديدة في الجهاز الإداري بالدولة وشركات القطاع العام، وتجميد الرواتب، بل تقترف جريمة أكبر وهي خفض رواتب موظفي الحكومة والتي تكفي بالكاد لتغطية احتياجاتهم المعيشية، وتأجيل زيادة الرواتب التي وعدت بها بعض الحكومات في موازنة العام الجاري 2020. إضافة إلى وقف صرف المخصصات المالية للموظفين، وإرجاء دفع بدل دعم الخبز للمواطنين كما حدث في الأردن مؤخرا.

وفي الوقت الذي تصدعنا فيه بعض الحكومات بالحديث ليل نهار عن ضرورة الحفاظ على الصحة العامة للعمال، نجدها في المقابل تغض الطرف عن ممارسات شركات القطاع الخاص ورجال الأعمال اللاأخلاقية من وقف للرواتب أو خفضها أو الاستغناء عن العمالة أو تشغيلها تحت ظروف صحية غير آدمية وانتهاك حقوق العمال وعدم توفير الحماية التأمينية لهم.

كما استغلت بعض الحكومات العربية انشغال المواطن بمتابعة كارثة كورونا في تمرير زيادات كبيرة في الضرائب والرسوم في موازنات العام الجاري والعام القادم.
بل وصل الأمر ببعض الحكومات إلى حد ابتزاز مشاعر المواطن عبر تسريب معلومات مفادها أنها لا تملك رواتب للموظفين عن الشهور المقبلة، وأن الوضع الاقتصادي للدولة أخطر مما يتخيله البعض، وأن الخزينة العامة باتت فارغة خاصة مع تهاوي أسعار النفط .

هذه الممارسات وغيرها التي تقدم عليها بعض الحكومات العربية في الوقت الحالي تتم كلها تحت شماعة كورونا، من دون أن تبذل هذه الحكومات جزءا ولو قليلا من وقتها للبحث عن بدائل أخرى لمعالجة الوضع الاقتصادي المتأزم بسبب الفيروس من دون اللجوء إلى جيب "المخروم" أصلا، أو التوسع في الاقتراض الخارجي.

ومن بين هذه البدائل المطروحة وقف الفساد ومكافحته بقوة وترشيد الإنفاق العام، خاصة الحكومي، ومكافحة الجريمة المالية بكل أنواعها من تهرب ضريبي وجمركي ورشى واتجار بالمخدرات والآثار والرقيق الأبيض وغسل الأموال القذرة، وكذا الاستفادة القصوى من موارد البلاد، وتقليص الإنفاق العسكري وشراء الأسلحة خاصة التي لا يتم الاستفادة منها، وتجميد العمل في المشروعات الكبرى خاصة تلك التي لا تضيف قيمة مضافة للاقتصاد، وتستنزف أموالا ضخمة من الموازنة العامة.

ببساطة، بات وباء كورونا هو الشماعة الجاهزة التي تعلق الحكومات عليها فشلها في إدارة المشهد الاقتصادي، وعبرها تتهرب من تحمل المسؤولية عن تردي هذا المشهد.

هذه الشماعة ليست في صالح الحكومات، فالاستسهال في معالجة تبعات كورونا الاقتصادية والصحية، ومعالجة الأزمة فقط من جيب المواطن وزيادة الأسعار، يمكن أن يقود إلى حدوث انفجار اجتماعي قد يفوق الانفجار الذي حدث في نهاية العام 2010 وأشعل ثورات شعبية في عدة دول عربية أطاحت حكاماً ظل بعضهم في مناصبهم أكثر من 40 سنة.
المساهمون