الحروب التجارية: دروس من الماضي لفهم سياسات الحاضر

27 نوفمبر 2024
رسوم ترامب الجمركية تهدد بإشعال الحروب التجارية من جديد/هونغ كونغ/ 13إبريل2021(Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تجددت النقاشات حول الآثار الاقتصادية للحروب التجارية مع إعلان ترامب عن خطط لفرض رسوم جديدة على واردات من الصين وكندا والمكسيك، مما يعكس توترات سياسية أوسع.
- الحروب التجارية التاريخية مثل الأنكلو-هولندية وقانون سموت-هاولي وحرب الدجاج أظهرت تأثير التعريفات على الاقتصادات والصناعات.
- الحرب التجارية الحديثة بين الولايات المتحدة والصين شهدت رسوماً متبادلة، مما أدى إلى خسائر كبيرة وتراجع النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 0.3%.

تجددت النقاشات مؤخراً حول الآثار الاقتصادية التي يمكن توقعها من الحروب التجارية مع إعلان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن خططه لفرض رسوم جمركية جديدة على الواردات من الصين وكندا والمكسيك. وتُعيد هذه الخطوة للأذهان الحروب التجارية التي شكّلت مفاصل تاريخية في الاقتصاد العالمي، حيث لم تكن هذه النزاعات مجرد معارك اقتصادية، بل كانت غالبًا انعكاسًا لتوترات سياسية واستراتيجية أوسع.

ومع عودة الحديث عن فرض الرسوم الجمركية، واستعداد الدول المتأثرة للقيام برد فعل مماثل، تقدم الحروب التجارية السابقة دروسًا حاسمة حول التكاليف الاقتصادية والآثار الجيوسياسية لهذه السياسات. ففهم التاريخ يمكن أن يساعد في تجنب تكرار الأخطاء والاستفادة من دروس الماضي لتوجيه السياسات الاقتصادية نحو تحقيق الاستقرار والنمو. "العربي الجديد" يستعرض هنا أكبر خمس حروب تجارية في التاريخ، ما قد يمكن من فهم التداعيات المحتملة للرسوم الجديدة والتعلم من أخطاء الماضي.

1- الحروب التجارية الأنكلو-هولندية في القرن السابع عشر

إحدى أقدم وأهم حروب التجارة كانت الحروب الأنكلو-هولندية في القرن السابع عشر، التي اندلعت بسبب صراع على السيطرة على الطرق التجارية العالمية. وبدأت هذه الحروب بتشريعات مثل قوانين الملاحة الإنكليزية لعام 1651، التي هدفت إلى تقييد الشحن الهولندي والسيطرة على التجارة مع المستعمرات الإنكليزية، الأمر الذي أدى إلى نشوب ثلاث حروب بين عامي 1652 و1674، حيث تكبّدت كل من إنكلترا وهولندا خسائر مالية كبيرة، بلغت ملايين الجنيهات من الإنفاق العسكري. وتراجعت التجارة الهولندية بنسبة 30% وقتها بسبب فقدان السيطرة على الطرق البحرية، مما أفسح المجال أمام إنكلترا لتصبح القوة التجارية المهيمنة في ذلك الوقت.

2- قانون التعريفات الجمركية سموت-هاولي

في القرن العشرين، كان قانون الرسوم الجمركية سموت-هاولي لعام 1930 من أبرز مظاهر الحروب التجارية التي أثرت على الاقتصاد العالمي، حيث فرض القانون رسوما جمركية بلغت 60% على أكثر من 20,000 سلعة مستوردة لحماية المزارعين والصناعات الأميركية خلال الكساد الكبير. ويقول مؤرخون أميركيون إن النتائج كانت كارثية؛ إذ تراجعت التجارة العالمية بنسبة 66% بين عامي 1929 و1934، وردّت دول مثل كندا بفرض رسوم على الصادرات الأميركية، مما خفض هذه الصادرات إلى كندا بنسبة 50%. وعمقت التكاليف الاقتصادية لهذا القانون الكساد الكبير، كما أدت إلى فقدان عشرات الملايين من الوظائف، ما أبرز مخاطر السياسات الحمائية في فترات الأزمات الاقتصادية.

3- حرب الدجاج في الستينيات

أما حرب الدجاج في الستينيات بين الولايات المتحدة والمجموعة الاقتصادية الأوروبية (EEC)، فقد كانت نزاعًا أكثر تحديدًا، حيث بدأت بفرض المجموعة الاقتصادية الأوروبية رسوماً بنسبة 13% على الدجاج الأميركي المجمد، فانخفضت صادرات الولايات المتحدة من الدواجن إلى أوروبا بنسبة 70%، مما تسبب بخسائر سنوية قُدّرت بـ50 مليون دولار. وردت الولايات المتحدة بتعريفات بنسبة 25% على الشاحنات الخفيفة الأوروبية، بما في ذلك سيارات فولكسفاغن، إضافة إلى تعريفات على السلع الفاخرة مثل الكونياك. ورغم أن النزاع بدا محدودًا، إلا أنه أعاد تشكيل صناعة السيارات العالمية، حيث دفع الشركات الأوروبية واليابانية للاستثمار بمصانع داخل الولايات المتحدة لتجنب التعريفات.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

4- التوترات التجارية بين الولايات المتحدة واليابان

في الثمانينيات والتسعينيات، برزت التوترات التجارية بين الولايات المتحدة واليابان كمثال آخر على الحروب التجارية المؤثرة. فمع تصاعد هيمنة اليابان في مجالات السيارات والإلكترونيات، وصل العجز التجاري الأميركي مع اليابان إلى 60 مليار دولار سنويًا بحلول عام 1985. وردت الولايات المتحدة بفرض حصص لاستيراد السيارات اليابانية بحد أقصى 1.68 مليون وحدة سنويًا، إلى جانب تعريفات بنسبة 100% على أشباه الموصلات اليابانية. وأدت هذه التدابير إلى رفع تكلفة المنتجات اليابانية بنسبة 20% في السوق الأميركية. ومع ذلك، استجابت الشركات اليابانية باستثمارات بلغت 40 مليار دولار في مصانع داخل الولايات المتحدة، مما ساهم في إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية وتعزيز الوظائف الأميركية.

5- الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين

في العصر الحديث، تمثل الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والتي تأججت اعتباراً من عام 2018، واحدة من أبرز النزاعات الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين، حيث فرضت إدارة ترامب رسوماً جمركية تراوحت بين 10% و25% على واردات صينية بقيمة تجاوزت 550 مليار دولار، مُتهمةً الصين بسرقة الملكية الفكرية وممارسات تجارية غير عادلة. وردّت الصين بتعريفات على صادرات أميركية بقيمة 185 مليار دولار، مستهدفة قطاعات حيوية مثل الزراعة والسيارات. وكانت النتائج سيئة للجانبين، حيث انخفضت صادرات فول الصويا الأميركية إلى الصين بنسبة 50%، مما كلف المزارعين الأميركيين خسائر سنوية بلغت 9 مليارات دولار. وعلى الصعيد العالمي، أدت هذه الحرب التجارية إلى زيادة تكاليف التصنيع بنسبة 10% للشركات متعددة الجنسيات، كما أسهمت في تراجع النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 0.3%، بخسائر قُدّرت بنحو 300 مليار دولار.

تشترك هذه الحروب التجارية الكبرى في أنها لم تكن مجرد صراعات اقتصادية، بل كانت أدوات لتحقيق أهداف جيوسياسية وتوجيه الرسائل بين القوى الكبرى. الحروب الأنكلو-هولندية أظهرت دور القوة العسكرية في تأمين الهيمنة التجارية، بينما قانون سموت-هاولي أبرز مخاطر العزلة الاقتصادية. وأظهرت حرب الدجاج والتوترات الأميركية-اليابانية كيف يمكن للتعريفات أن تعيد تشكيل الصناعات بشكل دائم، بينما أكدت الحرب التجارية الأميركية-الصينية تعقيدات الاقتصاد العالمي الحديث، وارتباط سلاسل الإمداد في الاقتصادات الكبرى ببعضها البعض.

المساهمون