منذ الربيع الماضي، هيمنت تطورات الحرب الروسية في أوكرانيا على أداء سوق العقارات بالعاصمة الروسية موسكو، إذ هرع أصحاب المدخرات في مارس/آذار الماضي، إلى شراء عقارات، خشية تآكل قيمة أموالهم، بعد أن قفز سعر صرف الدولار إلى أعلى مستوياته أمام العملة الروسية مسجلا نحو 120 روبل للدولار، وسط تنامي المخاطر الجيوسياسية، بعد فرض الدول الغربية عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على روسيا.
دفع هذا الوضع أسعار العقارات في موسكو نحو ارتفاع استمر حتى إبريل/نيسان الماضي، لكنها تراجعت تدريجيا بعدها لتصل إلى مستويات ما قبل بدء الحرب تقريبا، وسط توقعات خبراء في سوق العقارات باستمرار التراجع في العام الجاري، في تكرار لسيناريو نهاية عام 2014، حين أسفرت الصدمتان الخارجيتان المتمثلتان في العقوبات الغربية وانهيار أسعار النفط عن انتعاش سوق العقارات بشكل مؤقت، بينما ما تلا ذلك العام ثلاث سنوات من الركود.
ويتوقع نائب رئيس اتحاد الوسطاء العقاريين في روسيا، قسطنطين أبريليف، تراجعا لأسعار العقارات في موسكو بنسبة تتراوح بين 10% و15% بحلول الخريف المقبل.
قروض الرهن العقاري
ويقول أبريليف لـ"العربي الجديد" إن "الموجة الأخيرة من تراجع الأسعار التي بدأت في مايو/أيار الماضي، كانت متوقعة على ضوء ارتفاع أسعار الفائدة على قروض الرهن العقاري وتراجع دخول الأفراد والقفزة السابقة في الأسعار بنسبة 30% تقريباً خلال فترة تدني أسعار الفائدة أثناء جائحة كورونا، وما ترتب عليها من ارتفاع حصة الرهن العقاري في مجموع الصفقات من 55% إلى 85%".
ويضيف: "زادت العملية العسكرية الخاصة من غموض الوضع وتساهم في تراجع الطلب، ولكن ليس بنفس قدر تأثير عوامل ارتفاع الأسعار والفائدة في مقابل تراجع الدخول. وحتى أولئك الذين غادروا روسيا بعد الإعلان عن التعبئة الجزئية في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، لم يكونوا جميعا ملاكا لعقارات، وحتى إذا كانوا كذلك، فلم يبع جميعهم شققهم، وحتى إذا باعوا، فنسبتهم غير مؤثرة قياسا بـ4.5 ملايين صفقة بيع عقارات كان يجري إبرامها على مستوى عموم روسيا سنوياً في العامين السابقين".
ورأى أبريليف أن "من الأفضل على أصحاب المدخرات أن يستأجروا شققا من عوائد الودائع المصرفية في الفترة المقبلة، مع تأجيل خطط الشراء لحين انخفاض الأسعار".
بدوره، ذكّر مركز "مؤشرات سوق العقارات" للتحليل بأن الانتعاش قصير الأجل في نهاية عام 2014 و2015 بسوق العقارات تلته ثلاث سنوات من تراجع الأسعار بنسبة إجمالية تراوحت بين 15% و20%، لافتا في تقريره عن أداء سوق العقارات في موسكو في عام 2022، إلى أن العقوبات والمشكلات التي يواجهها الاقتصاد الروسي حاليا، أكثر خطورة مقارنة مع ما كانت عليه قبل ثماني سنوات.
وتوقع المركز أن تواصل الأسعار تراجعها بنسبة 1% تقريبا شهريا، ليبلغ التراجع الإجمالي في نهاية المطاف نحو 30% مقارنة مع ربيع العام الماضي، لتعود إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا في بداية 2020، ما لم تنشب ظروف قهرية جديدة.
فقاعة الأسعار
وأشار إلى أن أزمة عامي 2014 و2015 لم يسبقها فقاعة في ظل استقرار الأسعار في السنوات السابقة لها، على عكس تلك التي تكونت في عامي 2020 و2021، مما قد يؤشر إلى نسبة أعلى لتراجع الأسعار، وفق معدّي التقرير.
ومن السمات المشتركة بين الأزمتين الاقتصاديتين في روسيا في عامي 2014 و2022، انهيار سعر الروبل في بدايتهما فتعافيه في الأشهر التالية، وإقدام المصرف المركزي الروسي على رفع سعر الفائدة إلى 17% و20% على التوالي ومن ثم خفضهما تدريجيا، مما زاد من التكهنات بتشابه أداء سوق العقارات في موسكو في السنوات التالية لاندلاع الأزمتين، مع الفارق أن الوضع قبل ثماني سنوات لم يصل إلى حد حرب مفتوحة بين روسيا وأوكرانيا واستبعاد النفط الروسي المنقول بحرا من السوق الأوروبية.