أربك العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، خطط شركات إقليمية وعالمية لإنتاج الغاز الطبيعي في مياه البحر المتوسط، إذ انعكست الحرب سريعاً على صفقات تتعلق بحقول تسيطر عليها تحالفات إسرائيلية وأميركية قبالة السواحل الفلسطينية المحتلة، أو عمليات الاستكشاف التي تجرى في المياه اللبنانية، وسط مخاوف من اتساع التداعيات لتشمل مواقع بحرية أخرى.
خرجت شركة بريتيش بتروليوم (بي بي)، قبل أيام، لتطمئن المستثمرين أن صفقتها البالغة ملياري دولار مع شركة بترول أبو ظبي (أدنوك) لشراء حصة 50% في شركة إنتاج الغاز الإسرائيلية "نيوميد إنرجي" (NewMed Energy) لا تزال تسير على الطريق الصحيح رغم الحرب المشتعلة، إلا أن الأمر لا يبدو كذلك، فالصفقة من المحتمل أن تتعطل، كما أن مشاريع الطاقة في لبنان معرضة أيضاً لخطر التعطيل، وفق تقرير لنشرة "أويل برايس" الأميركية.
وتعد شركة "نيوميد" المساهم الأكبر والمشغل الرئيسي لحقل ليفياثان العملاق للغاز الطبيعي الذي تسيطر عليه دولة الاحتلال بحصة تشغيلية تبلغ 45.3%، في حين تمتلك "شيفرون" الأميركية حصة 39.7% و"ريشيو بتروليوم" الإسرائيلية 15%.
واكتشفت " نيوميد" وشركاؤها حقل ليفياثان للغاز الطبيعي عام 2010. ويمتد الحقل على سواحل فلسطين المحتلة والحدود مع لبنان وقبرص وجمهورية شمال قبرص التركية.
ويعد ليفياثان أكبر خزان للغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط، وأحد أكبر الأصول المنتجة في المنطقة، وفق "أويل برايس"، إذ يحوي 22.9 تريليون قدم مكعبة من الغاز القابل للاستخراج.
وبدأ الحقل بالإنتاج في نهاية عام 2019، وينتج 12 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، وتخطط إسرائيل لأن يصل إنتاجه إلى حوالي 21 مليار متر مكعب في السنة في الأجل الطويل.
ويُعدّ الصراع أحدث القضايا التي تواجه الصفقة التي يصفها محللون بالتاريخية في ظل التطبيع الواسع للعلاقات الاقتصادية بين الإمارات العربية المتحدة ودولة الاحتلال، والتي لفتت انتباه عدد من صناديق التحوط بما في ذلك "دافيد كيمبنر كابيتال مانجمنت"، التي زادت حصتها في "نيوميد" قبل الحرب إلى حوالي 5%.
وقبل الحرب أوصت لجنة مستقلة عينتها الشركة الإسرائيلية برفع السعر المطلوب للصفقة بنسبة تتراوح بين 10% و12%، بقيمة تصل تقريباً إلى 250 مليون دولار.
وقالت مصادر، وفق ما نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية أخيراً، إن شركتي "بي بي" و"أدنوك" لا تزالان ملتزمتين بالصفقة في الوقت الحالي، على الرغم من أن ارتفاع عدد الضحايا الفلسطينيين في قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي "قد يجعل من غير المستساغ سياسياً بالنسبة للإماراتيين المضي قدماً في الصفقة".
كما أن الأضرار التي تلحقها ضربات المقاومة الإسرائيلية بالاقتصاد الإسرائيلي، تزيد من حالة التعقيد التي تحيط بالصفقة وتقييمها. فتقلبات سعر صرف الشيكل، وأسعار النفط ستزيد من تعقيد أي اتفاق على المدى القريب، وفق ما نقلت بلومبيرغ.
وهوت أسهم "نيوميد" بنسبة 12% خلال أقل من أسبوع من بدء الصراع، متجاوزة هبوط المؤشر القياسي الإسرائيلي. وبجانب حصتها الكبيرة في حقل "ليفياثان"، تمتلك "نيوميد" 30% من حقل "أفروديت"، الواقع قبالة قبرص.
وتتعرض حقول الغاز في إسرائيل لتهديدات محدقة، ما دعا سلطات الاحتلال إلى مطالبة شركة "شيفرون" في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري بإغلاق حقل "تمار"، ثاني أكبر حقول الغاز في البلاد، بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.
وجاءت هذه المخاطر بينما تكتسب الاحتياطيات في شرق البحر الأبيض المتوسط بالفعل أهمية إضافية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا نهاية فبراير/ شباط من العام الماضي، خاصة في ظل سعي الدول الأوروبية إلى التخلي عن الإمدادات المنقولة عبر الأنابيب من موسكو.
كما توجه الحرب ضربة لمساعي شركة بترول أبو ظبي التي تخطط لتوسيع عملياتها في قطاع الغاز بالخارج، إذ قالت العام الماضي إنها ستنفق مليارات الدولارات لأجل ذلك.
ويبدو أن التهديدات ستطاول أيضا مشروعات إنتاج الغاز في بقاع أخرى من شرق المتوسط، لاسيما لبنان، حيث يتوقع أن يتسع نطاق الصراع بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله، وفق تقرير "أويل برايس".
ونهاية الأسبوع الماضي، تناقلت وسائل إعلام لبنانية، أخباراً مفادها توقّف شركة "توتال إنرجيز" الفرنسية عن عملية الحفر في "البلوك رقم 9" البحري على عمق 3900 متر بعدما تبيّن لها "عدم وجود كميات تجارية. فيما أشارت مواقف مقرّبة من حزب الله وحلفه السياسي إلى وجود مؤامرة على لبنان خصوصاً أميركية من جراء المواجهات الحاصلة مع العدو الإسرائيلي على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة ربطاً بعملية "طوفان الأقصى".
وتأمل الدولة التي تعاني من ضائقة مالية أن تساعد مبيعات الغاز المستقبلية البلاد على الخروج من أزمتها المالية العميقة، التي أدت إلى خسارة العملة المحلية أكثر من 98% من قيمتها. وجاءت عمليات الحفر بعد اتفاق تاريخي بوساطة أميركية العام الماضي شهد قيام لبنان وإسرائيل بترسيم الحدود البحرية لأول مرة على الإطلاق في أكتوبر/ تشرين الأول 2022.