يعيش النحال اليمني باسل الجزلي، حياة شاقة مليئة بالمخاطر منذ نحو خمس سنوات، جراء تنقلاته المستمرة لإيجاد مراع خاصة ومناسبة للنحل، فقد كان وغيره من النحالين أهدافا مباشرة لنيران المتحاربين في اليمن وقصف طيران دولتي السعودية والإمارات. حسب الجزلي في حديثه لـ"العربي الجديد"، فقد شردتهم الحرب والقصف من مراعيهم المعتادة والتقليدية وأصبحت حياتهم منذ 2015 عبارة عن تنقلات من منطقة لأخرى وبحث دائم عن مراع آمنة للنحل وهو ما كلفهم خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات وتكاليف تجارية باهظة، إذ تم استهدافهم أكثر من مرة في مناطق ما بين شبوة وحضرموت ومنطقة بيحان في شبوة المحاذية لمحافظة مأرب.
أدى ذلك إلى هروبهم وفق قوله، إلى مناطق في الساحل الغربي لليمن بمحافظة الحديدة التي نشبت فيها معركة شرسة لم يسلموا منها كنحالين، إذ قبل توقفها، كانوا ومجموعة من النحالين قد فروا من جحيمها واستقروا في مناطق بمحافظة لحج وزنجبار وشقرة في أبين جنوب اليمن، لكن هذه المناطق ومنذ إبريل/نيسان تشهد توترات واشتباكات من وقت إلى آخر ما بين القوات الحكومة ومسلحي المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً. هكذا حولت الحرب الدائرة في اليمن حياة وعمل النحالين اليمنيين الذي يعتمدون على التنقل إلى جحيم، وجعلتهم يخوضون غمار مهمة قاسية محفوفة بالمخاطر لإيجاد مراع خاصة بالنحل.
ويؤكد تقرير صادر حديثاً تضرر حوالي 35 منحلا، و41 ألف خلية نحل بسبب الحرب الدائرة في اليمن وقصف طيران التحالف الذي استهدف طوال السنوات الماضية عديد المحافظات والمناطق التي تنتشر فيها مراعي النحل الخاصة بإنتاج العسل خصوصاً في حجة وصعدة والحديدة والجوف، إضافة إلى أضرار الكوارث الطبيعية من أمطار غزيرة وسيول وفيضانات.
ويتحدث تاجر العسل في محافظة حضرموت جنوب شرق اليمن، فهيم عبد الناصر، عن خسائر فادحة لحقت بالنحالين المنتشرين في بعض أودية حضرموت، جراء السيول والفيضانات التي شهدتها هذه المناطق مؤخراً وتسبب وفق تأكيداته لـ"العربي الجديد"، بجرف مئات من طوائف النحل تحمل كميات كبيرة من العسل وتوقف عمل وتجارة عشرات النحالين في هذه المناطق.
وتقدر بيانات حديثة اطلعت عليها "العربي الجديد" إنتاجية اليمن من العسل بنحو 2400 طن في العام الماضي، مقابل 2000 طن في العام 2018، مع تراجع نسبي مقارنة بفترة ما قبل الحرب والتي بلغت 2700 طن. وتشير البيانات إلى أن عائدات اليمن من تصدير العسل كانت تصل إلى 15 مليار ريال في 2014 والتي كانت تعادل حوالي 65 مليون دولار.
وعلى الرغم من الصعوبات والتعقيدات التي فرضتها الحرب على تنقل المناحل وصناعة العسل في اليمن وإغلاق منافذ التصدير الجوية والبحرية خصوصاً في السنوات الثلاث الأولى للحرب، إلا أن العسل اليمني استطاع الصمود والنفاذ إلى الأسواق العام الماضي بكميات توازي ما كان يتم تصديره قبل الحرب واستعادة مكانته الواسعة في الأسواق الخليجية وفق حديث كبير مصدري العسل في اليمن منير الذبحاني، رغم التشويه الذي طاول العسل اليمني في بعض دول الخليج ومحاولات إحلال أنواع من دول أخرى للاستحواذ على حصة العسل اليمني.
ويضيف الذبحاني في حديث لـ "العربي الجديد"، أن العسل اليمني استطاع ايضاً الوصول إلى أسواق جديدة في شرق آسيا وتركيا وغيرها لكن بكميات بسيطة بسبب الوضع الراهن الذي يمر به اليمن. ويصل عدد الشركات والمنظمات العاملة في صناعة وتصدير العسل إلى أكثر من 20 شركة ومنظمة، إذ وصلت كمية تصدير الشركات الكبرى العام الماضي إلى نحو 4 آلاف طن للشركة الواحدة، وفق تأكيدات الذبحاني.
وتشهد أسعار العسل ارتفاعا كبيرا في الأسواق المحلية نتيجة انتشار فيروس كورونا مؤخراً في بعض المدن الرئيسية في اليمن، إذ وصل سعر الكيلو إلى 60 ألف ريال (الدولار يساوي 800 ريال في السوق السوداء) من 30 ألفاً للأنواع المتوسطة مثل "السُمر"، بينما تجاوزت أسعار صنف "السدر" ذائع الصيت خصوصاً الأصناف المعروفة بالشبواني والعصيمي حاجز 100 ألف ريال للكيلو الواحد.