استمع إلى الملخص
- الأوضاع الأمنية المتفاقمة تضغط على البنية التحتية الهشة، مع نقص في الكهرباء والمياه وارتفاع أسعار الضروريات، بالإضافة إلى طوابير طويلة للوقود، مما يزيد معاناة اللبنانيين.
- الحرب بين حزب الله وإسرائيل تضر بالبنية التحتية والقطاعات الاقتصادية، مع تضرر الزراعة والسياحة، مما يهدد بانهيار الهياكل الاقتصادية وتوقعات بانكماش اقتصادي كبير.
في ظل الأزمات المتلاحقة التي عصفت بلبنان خلال السنوات الأخيرة، من انهيار اقتصادي غير مسبوق إلى أزمات سياسية وصحية، تأتي الحرب في جنوب لبنان لتضيف مزيداً من التعقيدات إلى اقتصاد متهالك بالأساس. لا يشكل النزاع المسلح في هذه المنطقة الاستراتيجية تهديداً أمنياً فقط، بل له تداعيات واسعة النطاق على قطاعات الاقتصاد اللبناني، بما في ذلك السياحة والتجارة والاستثمار.
ومع تفاقم الأوضاع الأمنية، تواجه البلاد تحديات جديدة تزيد من الضغط على بنيتها التحتية الهشّة، ما يعمّق الأزمة الاقتصادية ويعوق جهود التعافي المالي والإصلاح الاقتصادي التي طال انتظارها. ويعاني اللبنانيون اليوم في أغلب الأوقات من نقص في التيار الكهربائي، الذي لا يمكن ضمانه إلا لبضع ساعات من اليوم. أما بالنسبة إلى بقية الوقت، فلا يمكن استخدامه إلا لأولئك الذين يملكون مولدات خاصة، وحتى سكان العاصمة بيروت غالبًا ما يمارسون حياتهم تحت ستار الظلام.
وبسبب التضخم، بات العديد من الضروريات الأساسية، مثل الأدوية، باهظ الثمن، أو يصعب العثور عليه. ومن ناحية أخرى، ثمة الملايين المحرومون من النفاذ إلى المياه الصالحة للشرب، فيما تسبب النقص المزمن في الوقود في طوابير طويلة عند محطات البنزين.
من جهته، رأى المحلل الجيوسياسي في مركز "ميد-أور" للأبحاث التابع لمجموعة ليوناردو الإيطالية لصناعات الدفاع وموقع "ديكود-39"، إيمانويلى روسّي، أن "الحرب بين حزب الله وإسرائيل في جنوب لبنان تفاقم أوضاع الاقتصاد اللبناني الهش أصلاً. والحقيقة أن هذه الحرب قد ألقت بظلالها على قطاعات اقتصادية رئيسية مثل السياحة التي أصبحت الآن ميتة إكلينيكياً، بعد أن سجلت انخفاضاً يصل إلى 70% في نشاطها".
واستدرك روسّي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بقوله إنه "على الرغم من ذلك، ما زال من الصعوبة بمكان تقدير حجم الأضرار التي لحقت ببنى تحتية حيوية مثل الطرق والكهرباء والاتصالات. أمّا الزراعة، فقد تضررت بشكل ملحوظ، مع الدمار الذي لحق بأراضٍ زراعية، ونفوق الآلاف من الماشية".
وأضاف أنه "تجدر الإشارة في هذا المقام، إلى التصريحات الصادرة عن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في إبريل/ نيسان الماضي بخصوص تعرّض 1976 فداناً من الأراضي الزراعية للدمار، والتخلص من 34 ألف رأس من الماشية، ما أدى إلى فقد حوالى 75% من المزارعين المحليين سبل عيشهم، ومن ثم إلى كارثة زراعية في جنوب لبنان".
الحرب تفاقم أزمات لبنان
بدوره، أوضح رئيس ديسك الشرق الأوسط في مركز الدراسات الدولية CESI بروما، جوزيبي دينتيتشه، أن "لبنان يرزح، منذ عام 2019، تحت أزمات عدة متزامنة أدت إلى ركود آفاق نموّه في السنوات الأخيرة. وواقع الأمر أن الأزمة المصرفية، التي تسببت في مذبحة اقتصادية واجتماعية، قد أُضيفت إليها أزمة سياسية ومؤسسية، غابت فيها عن البلاد المناصب الانتخابية والحكومية الرئيسية".
وتابع دينتيتشه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذا السيناريو أُضيف إليه ما يقرب من 12 شهراً من القتال بين إسرائيل وحزب الله، ما من شأنه تحويل الوضع الحرج الحالي إلى ركود اقتصادي "مهم" اعتباراً من بداية عام 2025". وأوضح أن "الاقتصاد اللبناني في الواقع يفتقر إلى السيولة ويواجه وضعاً بالغ الخطورة، فيما سيتوجب على الحكومة التعامل مع الحرب، مع الحاجة إلى إيجاد مليارات الدولارات لإصلاح ما وقع من خسائر ودمار وضمان تنفيذ بعض عمليات لإعادة الإعمار، على الأقل في القريب العاجل".
ورأى أن "التصعيد المستمر بين إسرائيل وحزب الله قد يتسبب، من ناحية أخرى، في انكماش اقتصادي يقدر بما يراوح بين 10% و25% في لبنان، مع تعرّض قطاعات حيوية، من الزراعة إلى السياحة، للدمار وتضرر بنى تحتية حيوية".
وأشار إلى أنّ "من المتوقع، حسب تقديرات وزارة الاقتصاد اللبنانية، أن تنخفض إيرادات السياحة بنسبة 50% مقارنة بعام 2023. فيما مُنِي القطاع الزراعي بخسائر تُقدَّر بين 2.5 و4 مليارات دولار بسبب تدمير أراضٍ زراعية نتيجة للقصف الإسرائيلي المستمر وتلوث التربة بالمواد الكيميائية المنبعثة من القنابل الإسرائيلية".
وختم الباحث الإيطالي بقوله إن "الصراع، الذي بات الآن حتمياً، يهدد بانهيار ما تبقى من الهياكل ومن منظومة اقتصادية صارت بالفعل على حافة الهاوية".