- وزير العمل يدعو لتشكيل لجنة مشتركة لبحث الأزمة وإيجاد حلول لضمان استمرارية عمل المؤسسة، في ظل تحذيرات من تفاقم الوضع المالي بسبب الحرب على غزة.
- الأزمة المالية تشكل تحدياً للمجتمع الإسرائيلي وتضع الحكومة أمام خيارات صعبة بين تمويل الحرب والحفاظ على الرفاه الاجتماعي، في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة.
أربكت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة حسابات مؤسسة التأمين الوطني في دولة الاحتلال، التي دقت ناقوس الخطر من تفاقم مشكلاتها المالية والوصول إلى الإفلاس في أفق عام 2036 بدلاً من عام 2044 في ظل العديد من المتغيرات، الأمر الذي يهدد دولة الرفاه التي طالما كان يروّج لها قادة الاحتلال.
وكشفت مؤسسة التأمين الوطني في تقرير عرضته على لجنة المالية في الكنيست، يوم الخميس الماضي، أنها ستعجز عن الوفاء بالتزاماتها تجاه المستفيدين بعد نحو 12 عاماً.
ويستند التقرير على الأعوام الماضية حتى نهاية العام الماضي 2023، إذ لا يشمل آثار الحرب على غزة التي ربما أدت إلى تفاقم حالة التأمين الوطني، وفق صحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية، الأمر الذي دعا وزير العمل، يواف بن تسور، إلى طلب إجراء تعديلات ليشمل التقرير المتغيرات التي فرضتها الحرب، ما من شأنه أن يمنح صورة أكثر دقة.
ودعا بن تسور إلى تشكيل لجنة مشتركة بين التأمين الوطني ووزارة المالية، لبحث الموضوع، والتوصل إلى حلول لضمان استمرار استقلالية التأمين الوطني ونشاطه.
ووفق التقرير الحالي الذي يعتمد في حساباته على توزيع الدخل من العمل، والزيادة في الأجور، ومعدل دافعي أقساط التأمين، وتوقعات أسعار الفائدة التي يتلقاها التأمين الوطني على استثمارات الدولة في السندات وتوقعات بنك إسرائيل المركزي بشأن معدلات البطالة، تبين أنه اعتباراً من عام 2023 يتوقع أن تكون المصروفات أعلى من الإيرادات.
واعتباراً من عام 2030، يتوقع أن تضطر المؤسسة إلى السحب من صندوق الادخار التابع للمؤسسة، وفي عام 2036، يتوقع أن يتم استنزاف أموال الصندوق تماماً، ومن دون تمويل إضافي أو إعادة الأموال المأخوذة إلى خزانة الدولة، لن تتمكن الهيئة من دفع التزاماتها كاملة، ويؤدي إلى إفلاسها.
وفي السابق كانت تقديرات إفلاس مؤسسة التأمين تذهب إلى عام 2044، إلا أنه جرى تبكير توقعات الانهيار ثماني سنوات في ظل الإنفاق المتزايد على الإعاقة وبدلات التمريض ورفع سن التقاعد وارتفاع معدلات الشيخوخة في المجتمع الإسرائيلي، فضلاً عن تراكمات جائحة فيروس كورونا التي أدت إلى انخفاض دخل المؤسسة من المشتركين وخزانة الدولة، وكذلك انخفاض استثمارات التأمين الوطني في السندات ومن ثم انخفاض إيرادات الفوائد.
الانهيار يهدد واحدة من دعامات المجتمع
ومؤسسة التأمين الوطني "هي واحدة من الدعامات المركزية التي تقوم عليها السياسة الاجتماعية في إسرائيل"، وفق الموقع الإلكتروني للمؤسسة. وتعمل بموجب قانون التأمين الوطني الذي تم تشريعه في الكنيست في نوفمبر/ تشرين الثاني 1953.
وأشارت ميكايلا كوهين، المتحدثة باسم المؤسسة، إلى أن الحرب على غزة أدت إلى زيادة قيمة المدفوعات بصورة أعلى من الإيرادات، ما سيدفع الحكومة الإسرائيلية إلى سحب الأموال من صندوق الادخار التابع للمؤسسة، وفق ما نقل موقع "والا" الإسرائيلي.
بدوره، قال موتي فرانكل الخبير الاكتواري في مؤسسة التأمين في تقرير قدمه للجنة المالية في الكنيست، وفق ما نقلت صحيفة كالكاليست: "يمكن أن تكون هذه زيادة في أقساط التأمين للموظفين أو أصحاب العمل، أو تغييراً نحو الأسوأ من خلال تشديد شروط الاستحقاق أو تقليل مبلغ المزايا التي يستفيد منها الإسرائيليون"، وذلك "لتأجيل نقطة عدم الاستدامة المالية المتوقعة".
وفي تحليل منفصل نشرته "كالكاليست"، أمس الأحد، فإن المؤشرات التي كشفت عنها مؤسسة التأمين الوطني تظهر أن أهم أداة للرفاه الاجتماعي في إسرائيل، معرضة لخطر كبير. ولفت إلى أن ادعاء وزارة المالية المستمر بأنه في حالة حدوث عجز في التأمين الوطني، فإن الدولة ستدفع بدلاً منه بموجب القانون، لا يمكن أن يطمئن الإسرائيليين، خاصة إذا كانت الفجوة بين الإيرادات والمصروفات تبلغ عشرات المليارات من الشواكل، مضيفة أن الحكومة ستخفض حينها المخصصات كما فعلت بالفعل في المراسيم التي فرضها وزير المالية بنيامين نتنياهو في عام 2003 إبّان حكومة شارون الائتلافية.
نقطة أخرى يجب أن تثير القلق، وفق التحليل، هي أنه خلال أزمة كورونا وحرب غزة أصبح من الواضح أن التأمين الوطني هو أحد الهيئات الوحيدة في إسرائيل التي تعمل في أوقات الأزمات، لافتاً إلى دوره عندما ارتفع عدد العاطلين عن العمل بسبب الجائحة الصحية إلى 1.2 مليون شخص دفعة واحدة.
ولفت إلى أنه في ظل تداعيات الحرب فإن دور المؤسسة يزداد أهمية، وتعرضها للإفلاس يضر مختلف الطبقات، مضيفة أن الخوف من إفلاس المؤسسة خلال 12 عاماً ليس طويل الأمد، بل قصير الأمد جداً في بلد يتجاوز متوسط العمر المتوقع فيه 80 عاماً.
وقال زفيكا كوهين، القائم بأعمال المدير العام لمؤسسة التأمين الوطني، إن "أزمة كورونا والحرب الصعبة التي نعيشها تزيد من الحاجة إلى مؤسسة مثل التأمين الوطني التي توفر الاستجابة لضحايا الأعمال العدائية والعاطلين عن العمل وكبار السن، أولئك الذين يمرضون، وأولئك الذين يتلقون دعماً للدخل وأكثر من ذلك".
الشيخوخة تزيد الضغط على ميزانية التأمين
وفي خلفية الأزمة هناك تغييرات ديموغرافية، فارتفاع متوسط العمر المتوقع يعني تغيراً سلبياً في النسبة بين السكان الذين يولدون دخلاً للتأمين الوطني والسكان الذين يستهلكون المزايا.
بات الإسرائيليون على موعد مع سنوات مقبلة ليست بالقليلة، عنوانها المزيد من الضرائب وتقليص النفقات الاجتماعية وسداد أعباء الديون التي جري الحصول عليها لتمويل آلة الحرب.
وبجانب تخصيص عشرات مليارات الشواكل الإضافية لجيش الاحتلال، من المقرر أن يتم خفض الإنفاق على بنود الرعاية الاجتماعية، الذي كان سخياً لفترة طويلة في إسرائيل، وفق تقرير لمجلة إيكونوميست البريطانية نشر في وقت سابق من مارس/آذار الجاري.
وتضرب الحرب معظم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الإسرائيلية. بين أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول 2023، انكمش الاقتصاد الإسرائيلي بنحو 20% على أساس سنوي، مقارنة بالأشهر الثلاثة السابقة، أي أكثر من ضعف الانكماش الذي توقعه بنك إسرائيل المركزي.
وفي الفترة نفسها، كان أكثر من 750 ألف شخص، أو سدس القوة العاملة، عاطلين عن العمل، وكثير منهم من جنود الاحتياط أو الذين تم إجلاؤهم من المستوطنات والمناطق القريبة من قطاع غزة الواقعة في مرمى المقاومة الفلسطينية جنوباً أو المناطق الشمالية مع الحدود اللبنانية التي تشهد اشتباكات مع حزب الله.
وفي فبراير/شباط الماضي، خفضت وكالة "موديز" العالمية التصنيف الائتماني لإسرائيل للمرة الأولى على الإطلاق، ما أثار تساؤلات كثيرة حول قدرة إسرائيل على تحمل تكاليف استمرار الحرب لفترة أطول.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أصدرت حكومة الاحتلال سندات دولارية (أدوات دين) بقيمة 8 مليارات دولار، موضحة أنها جاءت على ثلاث شرائح لأجل 5 سنوات و10 سنوات و30 سنة. وهذه هي أول صفقة من نوعها منذ اندلاع الحرب على غزة، وأكبر عملية بيع لسندات دولارية في تاريخ إسرائيل، بحسب وكالة بلومبيرغ الأميركية.
وكان يالي روتنبرغ، المحاسب العام في وزارة المالية الإسرائيلية، قد قال في تصريحات لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية في 26 فبراير/ شباط الماضي، إن الحكومة تخطط لجمع نحو 250 مليار شيكل (69.4 مليار دولار وفق سعر الصرف أمس) من الديون هذا العام، وتجميد التوظيف الحكومي وزيادة الضرائب، وسط تضاعف الإنفاق الدفاعي تقريباً بسبب استمرار الحرب على غزة.