تشهد السوق العقارية في إسرائيل انفلاتاً في قيمة الإيجارات السكنية، بعدما استغل الكثيرون من أصحاب الشقق والمنازل ارتفاع الطلب من قبل الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم من المستوطنات وغلاف غزة والبلدات القريبة من القطاع وحدود لبنان، في رفع الأسعار بنسبة وصلت إلى 20% في بعض المناطق، الأمر الذي أزعج حكومة الاحتلال التي تتحمل تكاليف تسكين النازحين، بينما لا تلوح في الأفق أي بوادر لانتهاء الحرب قريباً، ما يجعل هذه الفواتير رهينة فترة الإقامة التي قد تطول وسط استمرار القتال.
وحسب صحف إسرائيلية، بلغ عدد النازحين من مستوطنات غلاف غزة، ومن الحدود مع لبنان نحو 140 ألف نازح، لكن الجيش الإسرائيلي قدر في بيانات صادرة عنه نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي العديد بنحو 500 ألف شخص، مضيفا للقائمة عددا آخر من مدن خارج غلاف غزة طاولتها صواريخ المقاومة.
واضطرت الحكومة الإسرائيلية إلى تسكين عشرات الآلاف منهم في غرف الفنادق، ليستحوذوا على نحو 50% من الغرف المتاحة، بينما توجه عشرات الآلاف إلى السكن في شقق سكنية، لكنهم واجهوا صعوبات كبيرة في تدبير ذلك في ظل القفزات التي سجلتها قيمة الإيجارات>
كما أن أصحاب الكثير من الشقق يرفضون التأجير لمدد قصيرة، ما يضع حكومة بنيامين نتنياهو في مأزق كبير، يتعلق بتوفير البدائل لهؤلاء وكذلك تحمل فواتير مرتفعة، لا سيما أنها باتت مرغمة على توفير السكن والطعام والعلاج لهم، بينما تتعرض لانتقادات حادة بخصوص حجم وآلية تعويض النازحين، التي يرى كثيرون أنها ليست كافية ولا عادلة.
ووفقاً للبيانات التي جمعها قسم الأبحاث في الكنيست من وزارة السياحة، ونشرتها صحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية، فإن أكثر من 47 ألف غرفة في الفنادق ودور الضيافة يشغلها بالفعل الأشخاص الذين أُجلُوا من المناطق المتاخمة لغزة جنوب فلسطين المحتلة والحدود مع لبنان شمالاً، معظمهم في تل أبيب والقدس المحتلة وإيلات، بينما إجمالي عدد الغرف الفندقية في إسرائيل يبلغ 56 ألف غرفة.
ومع طول مدة إقامة النازحين في الفنادق مع دخول الحرب يومها الـ 47، يزداد الضغط على العائلات لترك الغرف المزدحمة والصاخبة والعيش في شقق مستأجرة، الأمر الذي رفع الطلب ما قاد الأسعار إلى مستويات وصلت إلى 20% وفق تقرير لصحيفة "ذا ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية، أمس الثلاثاء.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بينما يفضل بعضهم الإقامة لفترة معينة في الفندق، فإن هذا الأمر صعب للغاية بالنسبة للعديد من الأشخاص الآخرين الذين أُجلُوا، لافتة إلى أن الحكومة ثمنت السكن في الشقق، 260 شيكلاً (حوالي 70 دولاراً) يومياً للشخص البالغ، و160 شيكلاً للطفل حتى سن 18 عاماً، وهي قيمة منخفضة، إذ يبلغ تكلفة استئجار شقة لزوجين مع طفل 20.4 ألف شيكل شهرياً، و25.2 ألف شيكل (حوالي 6750 دولاراً) لزوجين مع طفلين.
وبحسب التقرير، فإن المعروض من الشقق التي بقيت ليس مناسباً للأشخاص الذين أُجلُوا، إذ إن جزءاً كبيراً منها صغيرة وقديمة، وفي مناطق ليست مناسبة للسكن العائلي، كما أن العديد منها يقع في مدن مثل سديروت وكريات شمونة، وهي محيطة بالمستوطنات التي أُخليَت وتقع في مرمى صواريخ المقاومة الفلسطينية.
وبالنسبة للشقق المناسبة للعيش العائلي، وفي المناطق التي توصف بالآمنة فإن أصحابها، لا يهتمون بتأجيرها لفترة وجيزة تصل إلى بضعة أسابيع أو أشهر، وفق "ذا ماركر". وعلى خلفية العرض المحدود، بدأت إيجارات الشقق الكبيرة في بعض المدن الإسرائيلية في الارتفاع.
ويقول روتيم ليفي، وهو سمسار شقق مخضرم وفق وصف الصحيفة الإسرائيلية: "يفضل الأشخاص الذين أُجْلُوا المدن التي كانت أقل تأثراً بالهجمات الصاروخية، ونتانيا هي الأكثر طلباً، لكن الأسعار بدأت بالفعل في الارتفاع".
ويضيف ليفي: "منذ بداية الحرب، ارتفعت أسعار الإيجارات التي يطالب بها أصحاب العقارات بنسبة 10%، وأخشى أنه إذا لم يحدث تغيير، سنصل إلى زيادة بنسبة 15% و20%". ويتابع: "نقنع أصحاب العقارات بالإيجار لمدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر، وهناك استجابة".
يشير سمسار العقارات إلى أن بعض النازحين مهتمون بالعودة إلى مجتمعاتهم، لذا يفضلون استئجار الشقق لمدد قصيرة، بينما آخرون يقولون إنهم لن يعودوا إطلاقا، ويبحثون عن سكن طويل الأجل لذا يبحثون عن استئجار أو شراء شقة، لافتا إلى أن قيمة استئجار شقة صغيرة بمساحة 25 متراً مربعا في تل أبيب يبلغ 2500 شيكل (670 دولاراً) شهرياً، و3000 شيكل لشقة مساحتها 50 مترا مربعا، ولا يدفع المستأجرون ضرائب الأملاك والمياه والكهرباء.
وأثار ارتفاع أسعار الإيجارات سخط حكومة نتنياهو التي تتحمل فواتير باهظة لثمن الحرب وتداعياتها، متهمة الكيانات والأشخاص المسؤولين عن التأخير بالاستغلال. وأشارت إلى نيتها إنهاء العقد بعد 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.
ووفق "ذا ماركر" تدرس وزارة المالية والسياحة إلغاء تعاقدها مع الجمعية الإسرائيلية لشقق الإقامة قصيرة الأجل (ISTRA) بسبب عدم الرضا عن الأسعار المفروضة، مطالبة بخفض المبالغ التي يدفعها المستأجرون، لكن الجمعية تقول إن الأسعار المتفق عليها واقعية، مشيرة إلى أن هذه المبالغ تشمل أموراً أخرى، منها فواتير مثل المياه وضريبة الأملاك والكهرباء، فضلاً عن صيانة الشقق.
وفقاً ليائير سينغر، رئيس العلاقات الخارجية في الجمعية الإسرائيلية لشقق الإقامة قصيرة الأجل، فإن الحرب خلقت سوقاً في الإيجارات السكنية شبيها بما حدث خلال جائحة فيروس كورونا، حيث كان هناك سوق ومناطق للعزل.
ويشير سينغر إلى أن الصعوبة المتزايدة المرتبطة بالإقامة الطويلة في الفندق تدفع الناس إلى البحث عن حلول أخرى متوسطة المدى، لافتا إلى أن "هناك حركة نشطة للغاية، لأن الناس بدأوا يدركون أن الحرب مستمرة، وبغض النظر عن مدى روعة الفندق، فإن الناس يهربون من الفنادق".
وفي تقرير لصحيفة غلوبس الإسرائيلية، قال توماس هاربون، مدير شركة "Real Capital": "لقد تواصلنا مع أصحاب الشقق، وأخبرناهم أننا ندخل في فترة صعبة، وأنه إذا كنتم لا تريدون أن تظلوا عالقين في السوق لعدة أشهر، فعليكم خفض الإيجارات مقدماً وليس الانتظار".
وأضاف أن "الأشخاص الذين أتوا إلى المدينة لا يبحثون بالضرورة عن سكن أفضل، ولكنهم يحتاجون فقط إلى منزل بالقرب من مدرسة أو روضة أطفال، لذلك هناك قيمة مضافة في العثور على الشيء المناسب للناس". وأشار إلى أن "من الصعب على الناس إنفاق 15 ألف شيكل (حوالي 4 آلاف دولار) أو أكثر شهرياً على الإيجار في ظل عدم اليقين هذا".