تخطط حكومة الاحتلال الإسرائيلي لجمع نحو 68.5 مليار دولار من الديون هذا العام، وتجميد التوظيف الحكومي وزيادة الضرائب، فقد تضاعف إنفاقها الدفاعي تقريباً وسط استمرار الحرب على فطاع غزة.
وهو ما يلقي بظلال قاتمة حول مستقبل الاقتصاد الذي أنهكت المقاومة الفلسطينية قواه منذ اندلاع الصراع. وألحقت الحرب المستمرة منذ أكثر من أربعة أشهر، خسائر فادحة بالاقتصاد الذي انكمش بنحو 20% على أساس سنوي في الربع الأخير من عام 2023.
وجاءت الضربة في الوقت الذي حشدت فيه الحكومة رقماً قياسياً بلغ 300 ألف جندي احتياطي للانضمام إلى القتال، فيما نزح عشرات الآلاف من الإسرائيليين من المناطق الجنوبية المتاخمة لقطاع غزة والواقعة قرب الحدود مع لبنان شمالاً، وتراجع الإنفاق الاستهلاكي، كما جرى منع حوالي 150 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية من العمل داخل إسرائيل.
ورغم تسريح الآلاف من جنود الاحتياط، قالت حكومة بنيامين نتنياهو إنها تتوقع الإبقاء على "وجود أمني في القطاع في المستقبل المنظور". وهناك مخاوف أيضاً من أن تتصاعد الاشتباكات شبه اليومية بين حزب الله اللبناني وقوات الاحتلال إلى صراع شامل.
وفي ظل هذه الخلفية، تخطط حكومة الاحتلال لزيادة الإنفاق الحربي هذا العام بمقدار 55 مليار شيكل (15 مليار دولار)، بارتفاع تبلغ نسبته 85% عن ميزانية الدفاع قبل الحرب. وقالت وزارة المالية إن ذلك سيرفع الإنفاق الدفاعي إلى نحو 20% من ميزانية 2024 مقابل 13.5% قبل الحرب.
وتجري لجان في الكنيست الإسرائيلي مراجعة مشروع موازنة العام الجاري، ومن المتوقع أن يتم إقرارها الشهر المقبل.
ولن تقتصر الزيادة في الإنفاق الدفاعي على العام الجاري وإنما ستمتد لسنوات مقبلة، وفق ما قال يالي روتنبرغ، المحاسب العام في وزارة المالية الإسرائيلية، لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أمس الاثنين، مشيراً إلى أنه جرى تشكيل لجنة من الخبراء من خارج الحكومة لتقديم المشورة بشأن هذا الإنفاق مستقبلاً.
وأوضح روتنبرغ: "نعتقد أنه سيكون هناك زيادة في الإنفاق الدفاعي في إسرائيل في السنوات المقبلة.. ولهذا السبب نتخذ خطوات مالية".
وجاءت إيرادات دولة الاحتلال لعام 2023 أقل من المتوقع بمقدار 12 مليار شيكل (3.28 مليارات دولار)، في حين زاد الإنفاق بنحو 26 مليار شيكل (7.12 مليارات دولار) بسبب الحرب.
وشمل ذلك مبلغاً إضافيًا قدره 4.7 مليارات دولار للدفاع، إذ أصدرت وزارة المالية تصاريح خاصة للسماح للحكومة بالعمل خارج الميزانية مباشرة بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي محاولة لتحصيل إيرادات إضافية لمواجهة الإنفاق المتصاعد، تخطط وزارة المالية لزيادة ضريبة القيمة المضافة من 17% إلى 18% في 2025، في حين ستزيد هذا العام والعام المقبل ضرائب مثل تلك المفروضة على التدخين والخدمات المصرفية، فضلاً عن تجميد التعيينات الحكومية وتأجيل الوظائف العامة.
ودفعت المؤشرات الاقتصادية السلبية وكالة "موديز" العالمية للتصنيف الائتماني في وقت سابق من فبراير/ شباط الجاري إلى خفض تصنيف إسرائيل لأول مرة في 50 عاماً، وسط المخاوف بشأن الحرب في غزة ومدتها غير المحددة وتأثيرها الأوسع على الاقتصاد، كما خفضت الوكالة توقعات ديون إسرائيل إلى سلبية بسبب خطر انتشار الصراع نحو الجبهة الشمالية مع حزب الله اللبناني.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، حث محافظ البنك المركزي الإسرائيلي أمير يارون، الحكومة على كبح الإنفاق بسرعة، محذراً من أن "مصداقية" الحكومة في السوق تعتمد على إجراء تعديلات على الميزانية، بما في ذلك تخفيضات الإنفاق وزيادة الإيرادات.
وبعد اندلاع الحرب، اقترضت إسرائيل نحو 81 مليار شيكل (22.2 مليار دولار)، مما رفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 62%، وهو أعلى مستوى لها منذ حوالي ثماني سنوات.
وتتوقع وزارة المالية أن ترتفع هذه النسبة بمقدار خمس أو ست نقاط مئوية أخرى هذا العام، وتتطلع إلى جمع حوالي 250 مليار شيكل (68.5 مليار دولار)، ومع ذلك، تتوقع أن يظل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي أقل من 70%.
وقال روتنبرغ، الذي التقى مستثمرين في نيويورك ولندن، إن معظم الديون سيتم جمعها محلياً، لكنه أضاف أن الوزارة تتطلع "باهتمام" إلى سوق الدولار، قائلة إن "كل شيء مطروح على الطاولة".
ورغم الإقرار بالضغوط الكبيرة التي يتعرض لها الاقتصاد الإسرائيلي، يرى المحاسب العام في وزارة المالية أن من المتوقع أن يبدأ الاقتصاد في التعافي مع تسريح أعداد كبيرة من جنود الاحتياط وانتعاش الإنفاق الاستهلاكي.
وقال إن العامل الحاسم في استعادة صحة الاقتصاد الإسرائيلي هو تسريح جنود الاحتياط، مشيراً إلى أن العدد الذي لا يزال يخدم هو نحو خُمس الـ300 ألف الذين تم استدعاؤهم بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وأوضح أن من المتوقع أن ينخفض هذا العدد إلى ما بين 30 ألفاً و40 ألفاً بحلول نهاية مارس/آذار المقبل، متوقعاً أن "يتراجع الصراع".
وأضاف أن "الأساسيات الاقتصادية موجودة.. إذا نظرت إلى قطاع التكنولوجيا الفائقة، فهو موجود.. إذا نظرت إلى الاستثمار في البنية التحتية، فستجده موجوداً.. إذا نظرت إلى الاستهلاك الخاص فهو موجود".
لكن البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء والتي نشرتها صحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية، أمس الاثنين، أظهرت أن الأزمة تتصاعد في قطاع التكنولوجيا الفائقة التي تحدث عنها روتنبرغ باعتبارها رافعة للاقتصاد الإسرائيلي.
وبحسب البيانات، سجلت الإيرادات في هذا المجال انخفاضاً بنسبة 7.4% على أساس سنوي في الربع الأخير من عام 2023. وهذا التراجع يُعتبر نادراً بالنسبة لقطاع أساسي لدى الاحتلال.
كما رسم تقرير صادر عن جهاز الإحصاء في يناير/ كانون الثاني الماضي مستقبلاً قاتماً للقطاع في 2024، مشيراً إلى أن عمليات التوظيف في التقنية غير مشجعة على الإطلاق، وذلك بعد عام عصيب في 2023، إذ جمعت شركات التكنولوجيا 9.9 مليارات دولار، وهو أدنى رقم منذ عام 2019.