- تقرير الأمم المتحدة كشف استخدام قوات الدعم السريع لعائدات الذهب في تمويل الحرب، وأعلن وزير المالية السوداني عن نهب 2.7 طن من الذهب، مما يعكس حجم الأزمة.
- الحكومة السودانية تواجه تحديات في مكافحة تهريب الذهب بسبب الفروقات في الأسعار وتورط شركات في النشاط غير القانوني، مما يستلزم اتخاذ قرارات فعالة لتحسين الوضع الاقتصادي.
لم تنجح مساعي السلطات السودانية في منع تهريب الذهب، الذي ازدادت وتيرته في أعقاب اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف إبريل من العام الماضي، إذ تشير تقارير دولية ومحلية إلى فتح مغارات المعدن النفيس بشكل أوسع، في وقت تعرضت العديد من المؤسسات الحكومية للانهيار.
وعلى الرغم من التعويل الكبير للحكومة على أن يكون المعدن الأصفر مخرجا للبلاد من أزماته المتكررة، إلا أنه ووفقاً لخبراء اقتصاد أصبح وبالاً عليها، حيث وجد كثيرون ضالتهم في استخراجه وتهريبه لشركات في الخارج، من دون أن يكون للحكومة الرسمية يد في ذلك، بل ويرى آخرون أنه ظل أيضا يهرّب بعلم الأجهزة الرسمية وعبر المنافذ الرئيسية إلى خارج الدولة.
نهب 2.7 طن من الذهب من مصفاة الخرطوم
ونهاية فبراير الماضي، أعلن وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، عن انخفاض إيرادات بلاده بأكثر من 80%، وكشف عن نهب 2.7 طن من الذهب من مصفاة الخرطوم الحكومية، وسط الحرب الدائرة منذ 15 إبريل 2023، من دون أن يحدد الجهات المتورطة في عملية النهب.
لكن تقريراً للأمم المتحدة مطلع العام الجاري كشف أن قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" تستخدم عائدات واسعة النطاق من تعدين الذهب لتمويل حربها. وأكد التقرير وجود شبكات مالية معقدة أسستها قوات الدعم السريع قبل وأثناء الحرب، مكّنتها من الحصول على الأسلحة، ودفع الرواتب، وتمويل الحملات الإعلامية، والضغط، وشراء دعم الجماعات السياسية والمسلحة الأخرى.
وقال مراقبو الأمم المتحدة في التقرير، إن قوات الدعم السريع استخدمت عائدات من أعمالها في مجال الذهب قبل الحرب، لإنشاء شبكة تضم ما يصل إلى 50 شركة في العديد من الصناعات. وتسيطر قوات الدعم السريع منذ فترة طويلة على معظم تجارة الذهب في السودان.
وعلى الرغم من تخفيضات الإنتاج الناجمة عن الحرب، إلا أن المعدن النفيس يظل مصدر دخل لطرفي الصراع، بحسب تقرير الأمم المتحدة. ومؤخراً كشف تقرير آخر أعدته اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي، أن السودان فقد نحو 267 طناً من الذهب خلال 7 سنوات عن طريق التهريب.
وكتب وزير الثقافة والإعلام في الفترة الانتقالية، حمزة بلول، على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أخيراً نقلا عن التقرير، أن معدل تهريب الذهب خلال 7 سنوات بلغ 80 كيلوغراماً يومياً. ويقول معهد استوكهولم للسلام إنه منذ تسعينيات القرن الماضي، تسيطر على الموارد الطبيعية في السودان قوات الأمن والنخب المتمركزة في الخرطوم، مثل قوات الدعم السريع التي سيطرت على مناطق تعدين الذهب.
ويشير عاملون في تجارة الذهب وخبراء اقتصاد إلى تعدد أطراف تهريب الذهب بشكل مخيف، إذ لم يعد الأمر يقتصر على أطراف الصراع، بل دخلت في التهريب جهات أجنبية ومنتفعون من استمرار حالة الفوضى في البلاد.
يقول رئيس شعبة مصدّري الذهب عبد المنعم الصديق لـ"العربي الجديد" إن "شركات تابعة للنظام السابق وأخرى حكومية وغيرها تتدثر بغطاء شركات حكومية محمية تعمل في تصدير الذهب وتبيعه في دبي وتوزع العائد لتجار العملة من دون علم بنك السودان المركزي".
ويؤكد الصديق لـ"العربي الجديد" أن "إصلاح حال البلد يتطلب قرارات جريئة وشجاعة وعاجلة، إذ لابد من غلق باب التهريب تماماً". ويضيف أن "التهريب يتم بصورة محمية، وما يجري تصديره رسمياً من الذهب لا يتجاوز 10% فقط من الإنتاج".
ورغم ازدهار قطاع التعدين في السودان خلال السنوات الأخيرة، يؤكد مسؤولون وخبراء أن معظم كميات الذهب يتم تهريبها إلى خارج البلاد، مما يحرم البنك المركزي من مورد للعملة الصعبة.
ويقول الخبير الاقتصادي بابكر عبد الحميد لـ"العربي الجديد" إن تهريب الذهب لم يعد حكراً على السودانيين فقط، وإنما دخلت شركات من الصين على خط استنزاف الاقتصاد السوداني، وفوجئت السلطات المحلية في ولاية كسلا شرق السودان قبل سنوات، باختفاء جبل "سراريت" من الوجود، وتركت الشركة الصينية التي كانت تعمل بالقرب من الجبل، معدات بملايين الدولارات وراءها، ما يعني أنها حصلت على كنز أكبر مما هو متوقع.
وتشير تقارير متخصصة إلى أن السودان لم يستهلك بعد سوى 1% من احتياطاته من الذهب والمعادن الأخرى، والتي تقدّر وفقاً لوزير التعدين الأسبق هاشم علي سالم، بنحو 500 طن من الذهب و1.5 مليار طن من الحديد، ومخزون لنحو 40 معدناً آخر، علاوة على الأحجار الكريمة والنادرة.
وكلما حاولت الحكومة السودانية وضع قوانين لمنع تهريب الذهب، تفاجأ بالفشل في استقطاب هذا المورد من المصدرين بشكل مرضٍ، فأصبحت عمليات التهريب هي الخيار الذي لا مفر منه، وسهل ذلك بالطبع اتساع حدود السودان مع دول الجوار، بصورة يصعب معها إحكام السيطرة. ووفقًا لنائبة برلمانية سابقة، فإن عمليات تهريب الذهب من قبل النساء فقط، تصل إلى نحو نصف مليار دولار سنوياً.
ورغم تشديد منافذ التهريب من قبل الإدارات المختصة، إلا أن التهريب لم يتوقف أبداً، بل ازداد بصورة لافتة، رغم أن الجهات الشرطية أعلنت عن شروعهم في اتخاذ إجراءات فورية للحد من منع وتهريب الذهب، سواء في صورته المستخلصة أو الخام. يقول الأمين العام للجنة التمهيدية لاتحاد الصاغة والمتحدث باسمها، محمد إبراهيم حاج حامد، إن أكثر من 70% من إنتاج الذهب يتم تهريبه.
ويؤكد صاحب شركة تعدين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تهريب الذهب يعد من أكبر المشاكل التي تواجهنا نحن أصحاب الشركات؛ حيث يتم بيع المهرب بأسعار ليست لها علاقة بالواقع، ولذلك يؤثر على المنتج والسعر".
ويضيف أن هناك أسبابا عدة أخرى غير تمويل الصراعات للتهريب، تتمثل في فروقات الأسعار في الداخل والخارج، إضافة إلى الرسوم والضرائب التي تفرضها الدولة على المنتجين، ولذلك إذا أعطت الدولة أسعارا حقيقية للمنتجين فسوف تنحسر عمليات التهريب قليلاً عما كانت عليه في السابق، وتصبح الدولة هي المستفيد الأول.
وقدّر تقرير سابق لوزارة المعادن السودانية الفرق بين المنتج من الذهب في السودان وبين ما يجري تصديره إلى الخارج بقيمة تتراوح بين 3 و4 مليارات دولار سنوياً.
وفي عام 2022 كانت صادرات الذهب تعادل 46% من إجمالي عائدات الصادرات السودانية البالغة 4.357 مليارات دولار في ذلك العام، ما منح المعدن النفيس أهمية كبرى كمورد رئيسي للنقد الأجنبي لتمويل واردات سنوية ضخمة بلغت 11 مليار دولار.