لم تعد الحرب الجارية في اليمن والنزاع الدائر يتركزان على المعارك العسكرية بل أصبحا محتدمَين يشملان كافة المجالات الاجتماعية والسياسية، وخصوصاً الجانب الاقتصادي الذي استحوذ أخيراً على الجزء الأكبر في هذا الصراع الدائر.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى اليمن مارتن غريفيث، منذ الشهر الماضي للوصول إلى توافق أطراف الحرب على الحل المؤقت المعروض المعروف "بالإطار المشترك"، إلا أن الصراع الاقتصادي يستمر في الارتفاع ضارباً عرض الحائط بكل المحاولات التوافقية وما وصل إليه اليمنيون من تدهور معيشي حاد بسبب هذا الصراع والحرب الدائرة منذ نحو ست سنوات.
وتسببت الحرب والصراع الدائر في انكماش تراكمي واسع في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي قدره تقرير رسمي بنحو 46.1% للفترة ما بين 2014 و2019.
وقدر التقرير الصادر الأسبوع الماضي عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية الحكومي بالتعاون مع اليونيسف والبنك الدولي، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، أن تصل الخسارة التراكمية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى حوالي 181 مليار دولار في حال استمر الصراع والحرب في اليمن عامين إضافيين.
وبخلاف التكلفة الاقتصادية، هناك تكلفة اجتماعية نتيجة تردي الوضع الاجتماعي والإنساني حيث عصفت باليمن أزمة إنسانية تعد من بين الأسوأ إقليمياً وعالمياً بحسب تقديرات الأمم المتحدة والتي تشير إلى أن 24.3 مليون شخص أي أكثر من 80% من السكان في حاجة إلى نوع من المساعدات منهم 14.4 مليوناً في عوز شديد.
كما يقدر أن نحو 40% من الأسر اليمنية فقدت مصدر دخلها الرئيسي، مما أدى إلى زيادة إجمالي معدل الفقر، حيث يتراوح، وفقا للتقديرات، من 71% إلى 78.8%.
وحسب بيانات رسمية، سجل قطاع النفط والغاز أعلى انكماش تراكمي بلغ نحو 80.1% نتيجة توقف صادراته حيث يعتبر المورد الأساسي في تغطية نفقات الدولة ويغطي ما نسبته 50% إلى 60% من الإيرادات العامة للدولة، في حين تفاقم وضع المالية العامة مع توقف النفقات الاجتماعية والتنموية بما في ذلك مرتبات موظفي الدولة ونفقات التشغيل، مع تعطل إيرادات النفط وتعليق دعم المانحين للموازنة وانكماش الإيرادات الضريبية.
وانخفضت النفقات العامة بحوالي 47% مقارنة بما كانت عليه في آخر عام قبل الحرب، مما أدى إلى توقف مشاريع البرنامج الاستثماري العام وتعليق سداد فوائد وأقساط الدين العام وعدم سداد المتأخرات المستحقة للموردين والمقاولين.
ويبين الخبير الاقتصادي والباحث في المعهد المالي، علي الوشاح، مدى الضرر الذي لحق باليمن منذ ما يزيد على خمس سنوات بسبب الحرب وما خلفته من تركة ثقيلة تتفاقم من عام لآخر مع استمرار الحرب والصراع على كافة المستويات بالأخص في الجانب الاقتصادي مع تفكك مؤسسات الدولة وتشتتها وتمزقها.
ويضيف الوشاح في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن خسائر اليمن تتراكم بسبب الحرب بعد أن فقد الاحتياطي النقدي من البنك المركزي الذي كان يزيد عن 5 مليارات دولار، وكذا الإيرادات النفطية والغازية والتي تقدر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، بالإضافة إلى فقدان موارد أخرى مثل عائدات تصدير الأسماك والمنتجات الزراعية، بالإضافة إلى نحو 100 مليار ريال (الدولار = نحو 830 ريالاً في السوق السوداء) سنوياً إيرادات ضريبية وجمركية، إلى جانب ما أصاب بعض القطاعات مثل القطاع الصناعي ومنشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة من تدمير وقصف وتوقف خطوط الإنتاج، إذ كانت من أهم قطاعات التشغيل في اليمن.
وحسب تقييم الأضرار وتحديد الاحتياجات الذي نفذه البنك الدولي بالتعاون والتنسيق مع الحكومة اليمنية ممثلة بوزارة التخطيط والتعاون الدولي، فإن تكلفة الأضرار في اثني عشر قطاعاً في ست عشرة مدينة شملها التقييم تراوحت بين 6.9 و8.5 مليارات دولار حتى يناير/كانون الثاني الماضي، فيما تتراوح تكلفة إعادة الإعمار واحتياجات التعافي لتلك القطاعات بين 20-25 مليار دولار.
لكن المحلل الاقتصادي، محفوظ عبد الله، يفسر أن هذا التقييم لحجم الأضرار وتحديداً الاحتياجات يظل تقييما جزئياً وغير مكتمل، لأن التقييم الشامل من وجهة نظره يتطلب تقييم الأضرار لكل القطاعات الاقتصادية وعلى مستوى كل المدن والمناطق الحضرية والريفية التي تضررت في منشآتها وبنيتها التحتية، إضافة إلى تغطية النطاق الزمني الممتد من بداية الصراع وحتى لحظة الخروج منه فضلا عن تقييم حجم الأضرار والخسائر في كافة المنشآت العامة.
ويرى في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الحرب جففت منابع الاقتصاد اليمني التي كانت متاحة وهي محدودة للغاية لكنها كانت مهمة للغاية بالنظر لحجم الفرص الأخرى المتاحة التي يمكن استغلالها، إذ كان الاقتصاد اليمني قائماً على النفط والغاز كمورد رئيسي ومع تعطيل العمل بهذا المورد نتيجة توقف الإنتاج والتصدير وخروج معظم الشركات الأجنبية العاملة في هذا القطاع حدث ما يشبه الانهيار الذي ضرب لاحقاً العملة وفاقم الفقر والبطالة وتسبب في تدهور الأوضاع المعيشية لليمنيين.
ويشكل الاتساع في رقعة الفقر والمرض عجزا هيكليا مقلقا من شأنه أن يوثر على تنمية رأس المال البشري على الأجل الطويل، فيما يبين مؤشر رأس المال البشري أن إنتاجية الطفل المولود اليوم في اليمن ستبلغ 37% عندما يكبر، مقارنة بنسبة إنتاجية كاملة إذا تمتع بقدر كامل من التعليم والصحة الجيدة.