حذّر مختصون عراقيون من تفاقم ظاهرة التغير المناخي وانعكاسها على العراق، مع ارتفاع وتيرة التصحر والجفاف وشحّ المياه، التي وصلت إلى حد معاناة حرمان مناطق عديدة المياه الصالحة للشرب، فضلاً عن تضرر الزراعة المحلية، التي سبّبت هجرة قسرية لآلاف العائلات إلى مناطق أخرى، ما ينذر بكوارث يصعب مواجهتها.
وأكد الخبير البيئي في مركز "دراسات الصحراء"، حاتم إبراهيم، أنّ "العراق يواجه موجة تصحر خطيرة تهدد مستقبل الأجيال القادمة، وتنذر بكارثة بيئية وصحية لا يمكن تجاوزها بأي شكل من الأشكال".
وبيّن إبراهيم، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ "68 - 70% من مساحة العراق الصالحة للزراعة مهددة بالتقلبات المناخية وعرضة للتصحر خلال فترة لا تتجاوز السنتين إذا بقي الوضع المائي في العراق على ما هو عليه".
وكشف أنّ "المساحات الخضراء في العراق لا تتجاوز مساحتها 3 - 4% فقط من مجموع المساحة الكلية للأراضي العراقية"، واصفاً ذلك بـ"المؤشر الخطير الذي يستوجب من الحكومة العراقية والدوائر المعنية الإسراع في وضع الحلول الاستراتيجية وتطبيقها على أرض الواقع".
وفي 12 مارس/ آذار الماضي، أعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إطلاق مبادرة تشجير لمكافحة التصحّر والعواصف الترابية في البلد الذي يعاني من آثار التغيّر المناخي ونقص المياه.
وجاء إعلان السوداني خلال مؤتمر العراق للمناخ الذي عقد في مدينة البصرة (جنوباً)، بحضور سفراء ومسؤولين ممثلين عن هيئات ومنظمات تابعة للأمم المتّحدة.
وأضاف إبراهيم أنّ "الإهمال والهدر وعدم الري بالوسائل الحديثة وفقدان الرؤية العلمية في إدارة أزمات التصحر من بين أهم أسباب هذه المشكلة الخطيرة، التي سينعكس تأثيرها على مجالات عديدة، من أهمها البيئة والصحة والاقتصاد".
وبيّن إبراهيم أنّ "هذا التصحر زاد من نسبة التلوث وانعكاساته الخطيرة على صحة المجتمع، بالإضافة إلى جفاف عدد كبير من الأهوار والمسطحات المائية التي سبّب جفافها هجرة عدد كبير من العائلات التي كانت تعتمد على الزراعة والصيد إلى مناطق أخرى".
وأفاد بأنّ "الحكومات العراقية أطلقت في فترات سابقة العديد من المبادرات لمواجهة التصحر، لكن هذه المبادرات لم تدخل حيّز التنفيذ بسبب الإهمال وعدم توفير الدعم الكافي لتحقيق سبل المعالجة والحلول الناجحة".
مستويات غير مسبوقة
وفي السياق، كشفت وزارة الزراعة العراقية عن ارتفاع نسبة التصحر في العراق إلى مستويات غير مسبوقة، مع انخفاض المساحات الزراعية وجفاف عدد كبير من الأهوار والبحيرات والمسطحات المائية.
وقال وزير الزراعة عباس المالكي، إنّ "المساحات المزروعة في العراق في وضع حرج، في ظل قلة الأمطار الموسمية وانخفاض منسوبات الأنهار من 600 متر مكعب في الثانية إلى 200 متر مكعب فقط، ما يشكّل تحدياً كبيراً أمام الحكومة العراقية".
وبيّن المالكي، في حديث صحافي، السبت الماضي، أنّ "الغطاء الأخضر والمساحات الزراعية القليلة من بين أهم الأسباب التي زادت من مستويات التصحر في العراق، وأن الانخفاض الكبير في المنسوبات سيزيد من حجم التجاوزات على الأنهار ومصادر المياه، ما يهدد بتحول الأراضي العراقية الخصبة إلى صحراء".
وأشار إلى أنّ "المساحات المزروعة انخفضت من 50 مليون دونم إلى 1.5 مليون فقط، وهذا مؤشر خطير على حجم الضرر الذي تعاني منه الزراعة العراقية مع زيادة التصحر".
وأكد أنّ وزارته "تخفض حجم المساحات المزروعة سنوياً بنسبة 50%، بناءً على المؤشرات التي تقدمها اللجنة المشتركة بين وزارتي الموارد المائية والزراعة".
وأضاف أنّ "الحكومة العراقية وضعت برنامجاً لزيادة المساحات المزروعة بالاعتماد على الآبار والري بالتنقيط للحفاظ على ثروة المياه من الهدر".
وحذر المالكي من "خطورة انخفاض منسوبات المياه الجوفية على الزراعة العراقية"، مؤكداً أنه "لا وجود لزراعة من دون مياه".
نزوح قسري
من جانبها، أكدت وزارة البيئة العراقية، استمرار عمليات النزوح القسري لعدد كبير من العائلات بسبب شحّ المياه وتزايد رقع التصحر في عموم المحافظات العراقية.
وقال المتحدث باسم وزارة البيئة العراقية، أمير علي، إنّ "الندرة المائية سببت تدهوراً غير مسبوق في الجفاف والتصحر وتقليص الأراضي الزراعية، ما أدى إلى خسارة بحدود 70% من إجمالي الأراضي التي كانت صالحة للزراعة".
وأشار علي، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، إلى "تراجع الرقع الزراعية وازدياد معدلات التصحر والعواصف الغبارية والرملية، الذي أدى إلى ارتفاع معدلات النزوح وإجبار المواطنين على مغادرة أراضيهم نتيجة لعدم وجود مياه كافية".
وأكد أنّ "68 ألف أسرة في مناطق الأهوار نزحت خلال فصل الصيف من هذا العام، بسبب فقدانها سبل العيش وفقدان اعتمادها على الزراعة، وتربية الجاموس وصيد الأسماك والطيور".
وعن إمكانية زيادة المساحات الخضراء وسبل الاستدامة، قال علي إن "مسؤولية إنشاء واستدامة الأحزمة الخضراء في عموم العراق تقع على عاتق وزارة الزراعة ومديرياتها في المحافظات"، مضيفاً أن "وزارته شخصت عدداً من الأسباب الرئيسية في تأخر تنفيذ الحزام الأخضر حول المدن".
وأرجع المتحدث السبب إلى "قلة التخصيصات المالية اللازم توفيرها، بالإضافة إلى انخفاض الحصص المائية الكافية التي يعاني العراق من عدم توافرها خلال السنوات الأخيرة".
وأوضح علي أنّ "تقديرات الدائرة الفنية في وزارة البيئة تؤشر على حاجة العراق إلى أكثر من 100 مليون دولار كمرحلة أولى من أجل مواجهة الاحتياجات الحالية للمحافظات، بالتعاون مع الإدارات المحلية والوزارات المعنية".
انعكاسات اقتصادية
وفي المقابل، حذر الباحث الاقتصادي، علي عواد، من "تزايد مخاطر انعكاسات التغيرات المناخية وتأثيرها في الاقتصاد العراقي في جوانب متعددة، أهمها الزراعة، والاقتصاد، والسياحة، والاستثمار".
وبيّن عواد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن التأثير في الاقتصاد مباشر في عدة اتجاهات، "تتمثل بتدهور قطاع الزراعة الذي يرتبط مباشرةً بالثروة المائية، فضلاً عن تأثر قطاع السياحة الذي يعتمد على زيادة المساحات الخضراء وتوافر البيئة المناسبة لتحقيق أعلى قدر من رفاهية السائحين وراحتهم".
وأضاف أنّ "التقارير والدراسات تشير إلى أن البلد مقبل على عواصف ترابية، وهنالك ملوّثات في الهواء وفي المياه، فضلاً عن مشاكل بالأوبئة والأمراض، وهذا بدوره مؤشر خطير يهدد الأمن الاقتصادي والغذائي الوطني العراقي".
وأشار إلى أن "العراق خامس أكثر البلدان عالمياً عرضة لتأثيرات التغير المناخي والتصحر حسب تقارير منظمة الأمم المتحدة، بسبب تزايد الجفاف نتيجة ضعف السياسة الخارجية العراقية في التفاوض الجاد مع دول الجوار لتوفير المياه، مع ارتفاع درجات الحرارة التي تتجاوز في مرحلة من فصل الصيف 52 درجة مئوية".
وبيّن عواد أنّ "انحسار الزراعة وانخفاض المساحات الزراعية إلى 10% من حجم المساحات الزراعية العراقية الكلية خلال أربع سنوات، يعتبر استهانة بحياة المواطن العراقي وأمنه الغذائي، ما يحتاج إلى إدارة حقيقية للدولة تستطيع أن تؤّمن الغذاء للمواطنين بعيداً عن مخاطر هدر الأموال وضياعها".