تتزايد الأزمات التي تطاول خطوط الإمداد وحركة الإنتاج العالمية، مع دخول التغيّر المناخي واحداً من الأسباب الأساسية التي تعيق حركة التجارة في غير دولة كبرى وتعطّل قطاعات إنتاجية أساسية في ظل اختناق الإمدادات العالمية خاصة الغذائية منها في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا.
ومن أوروبا إلى بريطانيا وأميركا والصين، أصبح الجفاف عنواناً يتصدر مخاوف السلطات على نمو الاقتصادات خلال هذا العام.
أزمة الصين
واليوم الإثنين، أعلنت الصين تمديد تقنين الطاقة الذي أجبر المصانع في جنوب غرب الصين على الإغلاق حتى يوم الخميس على الأقل، بسبب انخفاض المياه في السدود الكهرومائية، وفقًا لإشعار نشرته وسائل الإعلام وإعلان الشركة، ما زاد من الخسائر من أسوأ موجة جفاف خلال الصيف منذ عقود.
أفادت "تينسنت نيوز" بأن "الوضع المتوتر" لإمدادات الطاقة في مقاطعة سيتشوان "اشتد بشكل أكبر". لم يكن هناك إعلان عام، لكن التقرير تضمن صورة لإخطار الحكومة للشركات.
أدى الجفاف والحرارة إلى ذبول المحاصيل وتسبب في انحسار مياه الأنهار، بما في ذلك نهر اليانغتسي العملاق، وتعطيل حركة البضائع. تقول وسائل الإعلام الحكومية إن الحكومة ستحاول حماية محصول الحبوب في الخريف، والذي يمثل 75% من الإجمالي السنوي للصين، باستخدام المواد الكيميائية لتوليد الأمطار.
وطُلب من المصانع في سيتشوان التي تصنع رقائق المعالج والألواح الشمسية ومكونات السيارات والسلع الصناعية الأخرى إيقاف أو تقليل النشاط الأسبوع الماضي للحفاظ على الطاقة للمنازل حيث ارتفع الطلب على تكييف الهواء في درجات حرارة تصل إلى 45 درجة مئوية، وفقاً لوكالة "رويترز". وأغلقت أجهزة التكييف والمصاعد والأضواء في المكاتب والمراكز التجارية.
قالت شركة LIER Chemical Co، اليوم الاثنين، في إعلان عبر البورصة في مدينة شنتشن الجنوبية، إن منشآتها في مدينتي جينيانغ وقوانغآن في سيتشوان تلقت أمرًا بتمديد تقنين الكهرباء حتى يوم الخميس. قالت بعض الشركات في وقت سابق إن الإمدادات للعملاء لم تتأثر، بينما قالت شركات أخرى إن الإنتاج سيتراجع.
وأكدت حكومة مدينة شنغهاي أن شركة تسلا المحدودة وشركة سيارات كبرى مملوكة للدولة علقتا الإنتاج بسبب تعطل إمدادات المكونات من سيتشوان. وتقول الحكومة إن هذا الصيف هو الأكثر سخونة وجفافا في الصين منذ أن بدأت في الاحتفاظ بسجلات درجات الحرارة وهطول الأمطار في عام 1961.
وتتضرر سيتشوان، التي يبلغ عدد سكانها 94 مليون نسمة، بشدة لأنها تحصل على 80% من طاقتها من السدود الكهرومائية. تعتمد المقاطعات الأخرى بشكل أكبر على الطاقة التي تعمل بالفحم، والتي لا تتأثر. ويقول الاقتصاديون إنه إذا أعيد افتتاح سيتشوان قريبًا نسبيًا، فيجب أن يكون التأثير الوطني محدودًا لأن المقاطعة تمثل 4% فقط من الناتج الصناعي الصيني.
وبحسب "فايننشال تايمز" تعد سيتشوان أيضاً مركزاً مهماً لتعدين الليثيوم وكذلك إنتاج الألواح الشمسية. وأدى تقنين الطاقة إلى توقف الإنتاج في حوالي 20 مصنعاً للصلب، في حين قلصت مصاهر الألمنيوم والزنك كثيفة الاستهلاك للطاقة الإنتاج، وفقاً لمزود البيانات Shanghai Metals Market.
انعكاسات على أميركا
وفي الغرب الأميركي، يتسبب جفاف غير عادي في استنزاف أكبر خزانات البلاد من المياه، ما يجبر الحكومة الفيدرالية على تنفيذ تخفيضات المياه الإلزامي، كما أنه يجبر المزارعين على تدمير المحاصيل، وفقاً لـ "سي أن أن".
يقول ما يقرب من ثلاثة أرباع المزارعين الأميركيين إن الجفاف هذا العام يضر بمحاصيلهم وفقاً لمسح أجراه اتحاد مكتب المزارع الأميركي، وهي شركة تأمين ومجموعة ضغط تمثل المصالح الزراعية.
وتم إجراء المسح في 15 ولاية في الفترة من 8 يونيو/ حزيران إلى 20 يوليو/ تموز في مناطق الجفاف الشديد من تكساس إلى داكوتا الشمالية إلى كاليفورنيا، والتي تشكل ما يقرب من نصف قيمة الإنتاج الزراعي في البلاد.
في ولاية كاليفورنيا - الولاية ذات المحاصيل العالية من أشجار الفاكهة والجوز ـ قال 50% من المزارعين إنهم اضطروا إلى إزالة الأشجار والمحاصيل بسبب الجفاف، وهو ما سيؤثر على الإيرادات المستقبلية.
جفاف أوروبا
أما في أوروبا فالأزمة تتسع سريعاً، وشرح تقرير لمنتدى الاقتصاد العالمي أن فرنسا تشهد أسوأ موجة جفاف على الإطلاق، وفقاً لرئيسة الوزراء إليزابيث بورن. تم فرض قيود على المياه في معظم أنحاء البلاد، ومن المتوقع أن يكون محصول الذرة أقل بنسبة 20% تقريباً من عام 2021، كما قالت وزارة الزراعة.
ونقلت "لوموند" الفرنسية عن وزير التحول البيئي كريستوف بيتشو، خلال زيارة إلى جنوب شرق فرنسا، إن أكثر من 100 بلدية لم تعد قادرة على توفير مياه الشرب مباشرة وتحتاج إلى الحصول عليها بواسطة الشاحنات، وقال: "أسوأ ما في الأمر هو أننا نعطي الأولوية لمياه الشرب مقارنة بالاستخدامات الأخرى".
وقد يجبر الجفاف عملاق الطاقة الفرنسي EDF على خفض إنتاج الطاقة في المحطات النووية التي تستخدم مياه النهر لتبريد المفاعلات.
في ألمانيا، أدى نقص هطول الأمطار إلى انخفاض شريان الشحن الرئيسي، نهر الراين، ووفق هذا المستوى المنخفض، يمكن نقل كميات أقل من الشحن، ما يؤدي إلى التأخير وارتفاع التكاليف. يتدفق نهر الراين، وفق التقرير ذاته، عبر قلب ألمانيا الصناعي، من جبال الألب السويسرية إلى بحر الشمال حاملاً كل شيء من الحبوب إلى الكيماويات والفحم. لكن تم تحميل القوارب بـ30-40% فقط من سعتها لتجنب الجنوح بسبب تراجع كمية المياه. وقد يؤثر الاضطراب على النمو الاقتصادي للبلاد بما يصل إلى نصف نقطة مئوية، وفقاً لخبراء اقتصاديين.
وانخفض توليد الطاقة الكهرومائية، الذي يعتمد على المياه لإنتاج الكهرباء، بنسبة 44% في إسبانيا، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية.
هناك حاجة أيضاً إلى المياه لتبريد محطات الطاقة النووية - واضطرت بعض المحطات النووية في فرنسا إلى تقليل الإنتاج لأن الأنهار كانت منخفضة جداً ودافئة لدرجة لا تسمح لها بتبريد المحطات، وفقاً لصحيفة الغارديان.
كذلك فإن نهر بو، أطول نهر في إيطاليا، الذي يعتبر مركزاً حيوياً للنقل عبر التاريخ، بدأ يجف الآن بسبب فترات الجفاف الشديد. وأعلنت الحكومة الإيطالية حالة الطوارئ في خمس مناطق في أوائل يوليو/ تموز بسبب الجفاف، الذي وصف بأنه الأسوأ منذ 70 عاماً. يعيش حوالي ثلث سكان إيطاليا (17 مليون نسمة) حول نهر بو بالإضافة إلى أكثر من نصف الخنازير والماشية في البلاد.
سجلت البرتغال أحر شهر يوليو/ تموز منذ بدء التسجيل، ويعاني 99% من البلاد من الجفاف. وحوالي 75% من رومانيا تتأثر بالجفاف. من المتوقع أن ينخفض محصول الحبوب في البلاد بمقدار 30 مليون طن.
أزمة بريطانيا
وتقول المجموعة الوطنية للجفاف في بريطانيا إنه بحلول عام 2050، يمكن أن تحتوي بعض الأنهار على مياه أقل بنسبة تصل إلى 80% خلال فصل الصيف، وقد ترتفع درجات الحرارة بنسبة تصل إلى 7 درجات نتيجة لتغير المناخ.
وشهد شهر يوليو درجات حرارة في أجزاء من المملكة المتحدة تكسر حاجز 40 درجة مئوية لأول مرة على الإطلاق. وأكدت الحكومة البريطانية، الأسبوع الماضي، أن أجزاء من جنوب ووسط وشرق إنكلترا انتقلت رسمياً إلى حالة الجفاف بعد فترة طويلة من الطقس الحار الجاف.
وقال وزير المياه ستيف دوبل، في بيان: "طمأنتنا جميع شركات المياه بأن الإمدادات الأساسية لا تزال آمنة. نحن مستعدون بشكل أفضل من أي وقت مضى لفترات الطقس الجاف، لكننا سنواصل مراقبة الوضع عن كثب، بما في ذلك الآثار المترتبة على المزارعين والبيئة، واتخاذ المزيد من الإجراءات حسب ما تقتضي الحاجة".
وقال مكتب الأرصاد الجوية في بريطانيا إن يوليو/ تموز الماضي كان الأكثر جفافاً في إنكلترا منذ عام 1935، إذ بلغ متوسط هطول الأمطار 23.1 مليمتراً، أي 35 بالمائة فقط من المتوسط لهذا الشهر. وشهدت بعض أجزاء البلاد أكثر شهور يوليو جفافاً على الإطلاق.
وأوردت "الغارديان" أن الجفاف له عواقب وخيمة على الزراعة، حيث إن التربة في معظم أنحاء البلاد جافة جدًا للحراثة، والعديد من المحاصيل التي تتم زراعتها ليتم حصدها بحلول العام المقبل ونهاية هذا العام تحتاج إلى الحرث بحلول نهاية أكتوبر/ تشرين الأول حتى تتم زراعتها بنجاح.