الجفاف يضرب أنهار إنكلترا وتحذيرات من أزمة مياه

05 سبتمبر 2023
إنكلترا ستكون بحاجة إلى ما لا يقل عن 3.5 مليارات ليتر من المياه الإضافية اليومية (Getty)
+ الخط -

باتت الأنهار الجافة مشهداً مألوفاً في إنكلترا خلال العام الجاري، خاصة بعد أن شهدت البلاد درجات حرارة شديدة الارتفاع في يونيو/حزيران الماضي. وتتسبب الفترات الطويلة من الطقس الجاف والحرارة الشديدة في نقص المياه وارتفاع مستويات استخدامها من قبل السكان.

وتقول منظمة الصليب الأحمر البريطانية: "على الرغم من هطول الأمطار الغزيرة في الشهور الأخيرة من عام 2022 فمن المرجح أن يشهد العام الجاري شحاً في المياه". وفي فبراير/شباط الماضي، حذرت المجموعة الوطنية للجفاف في إنكلترا من تداعيات موجة الجفاف الحارة على البلاد.

وفي ذات الصدد، يكشف تحليل أجرته شركة كنغفيشر البريطانية، أن سبع مناطق من أصل 17 منطقة في إنكلترا من المتوقع أن تواجه إجهاداً مائياً حاداً بحلول عام 2030، وسيرتفع العدد إلى 12 منطقة بحلول عام 2040.

وارتفع استخدام المياه في المنازل بنسبة 2% منذ موسم 2017-2018، على الرغم من دعوات الحكومة البريطانية إلى ترشيد الاستهلاك والاقتصاد في صرف المياه.

وكانت وكالة البيئة البريطانية قد حذرت من "مخاطر نقص المياه المحتمل" في مقاطعات يوركشاير والجنوب الغربي في سبتمبر/أيلول الماضي.

ووفقاً للمذكرات الداخلية المشتركة بين الحكومة البريطانية والهيئة التنظيمية للمياه، فإنّ إنكلترا ستكون بحاجة إلى ما لا يقل عن 3.5 مليارات ليتر من المياه الإضافية اليومية بحلول عام 2050 للتعامل مع الجفاف الشديد.

وأشارت إلى أن ما يقرب من نصف خزانات المياه في إنكلترا لديها مستويات مصنفة على أنها "منخفضة بمستويات كبيرة".

في ذات الشأن، تتوقع "كنغفيشر" في تقريرها الصادر في نهاية مايو/أيار الماضي، أن تتأثر مناطق ويست ميدلاندز ولندن وأجزاء من الجنوب الغربي وشرقي ميدلاندز وشرقي إنكلترا وجنوب شرقي البلاد بشدة من نقص المياه، ولكن مناطق الشمال الغربي والشمال الشرقي ويوركشاير وهامبر ستكون أقل عرضة للإجهاد المائي الشديد.

وبحلول عام 2040، وهو العام الذي حذرت فيه وكالة البيئة من أنّ إنكلترا ستواجه خطر نقص المياه، فإن عدد المناطق التي من المتوقع أن تعاني من نقص المياه بشكل خطير سيرتفع إلى 12 من أصل 171 منطقة. وقالت في الوقت الحالي، لا يوجد أي مكان في إنكلترا يحتوي على مياه كافية.

ويحدث الإجهاد المائي عادة عندما يتجاوز الطلب على المياه العرض المحلي المتاح، ويتفاقم بسبب آثار تغير المناخ وزيادة النمو السكاني. وبحسب بيانات رسمية، فقد ارتفع الاستهلاك اليومي للمياه في المنازل في إنكلترا في السنوات الأخيرة، إذ بلغ استخدام الشخص 144 ليتراً في 2021-2022، مقارنة بـ 141 لتراً في عام 2017-2018. وتستهدف الحكومة البريطانية خفض الاستهلاك للفرد إلى 122 ليتراً للشخص يومياً بحلول عام 2038، ثم إلى 110 ليترات بحلول عام 2050.

ويبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي في بريطانيا عموماً نحو 1100 ملم، ولكن على الرغم من العواصف الشتوية، فإن أجزاء كبيرة من البلاد تواجه أزمة مياه. ويتم دعم منسوب المياه في بريطانيا عادة من خلال ذوبان المياه من المرتفعات الجبلية في اسكتلندا وويلز وشمال إنكلترا.

ويقل هطول الأمطار في جنوب شرق إنكلترا، حيث يبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي في هذه المناطق حوالي 600 ملليمتر، وهو ما يمكن مقارنته بمعدل الأمطار في مدينة سيدني بأستراليا.

ولاحظ خبراء أن شح الأمطار يتركز في المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان في إنكلترا، ومن بينها منطقة لندن الكبرى التي تبلغ مساحتها 1500 كيلومتر مربع. وتشير الأرقام الحكومية إلى أن 28% من طبقات المياه الجوفية في إنكلترا، وطبقات الرمال المسامية والصخور التي تحتجز المياه الجوفية، وما يصل إلى 18% من الأنهار والخزانات، يتم سحب كميات أكبر من المياه منها من روافد المياه التي تدخلها.

في هذا الصدد، قالت الرئيسة التنفيذية لشركة المياه في العاصمة لندن "تيمز ووتر"، كاثرين روس، في اجتماع عام لعلماء البيئة في إبريل/نيسان الماضي: "لندن لديها ثلاثة أسابيع ونصف فقط تكفي من مخزونات المياه".

وأضافت: "إنه أمر جنوني بعض الشيء بالنسبة لمدينة عالمية مثل لندن". وأشارت قائلة "لقد واجهنا بعض المشكلات الخطيرة المتعلقة بإمدادات المياه في العام الماضي".

من جانبه، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة أكسفورد، السير ديتر هيلم، في تعليقات نقلتها صحيفة فايننشال تايمز، أمس الاثنين: "نحن بحاجة إلى هزة قوية لرفع الوعي بالمياه... لقد تصرفنا دائماً كما لو كانت المياه وفيرة ومتاحة مجاناً، والآن أصبحت نادرة".

أما كبير المحاضرين في مجال الأمن المائي والغذائي في جامعة مانشستر، تيموثي فوستر، فيقول: "إحدى الطرق التي يمكن تخفيف التقلبات في إمدادات المياه من خلالها هي إدارة الاستخراج والاستثمار في البنية التحتية للإمدادات". ويضيف: "لكننا لم نقم بأي شيء قريب بما فيه الكفاية من أي منهما".

ويرى محللون أن النمو السكاني يزيد من الطلب على المياه، كما يؤدي تغير المناخ إلى تقليل الكمية المتاحة للاستهلاك. وعلى الرغم من أن شركات المياه الوطنية وضعت خططاً لإنشاء خزانات جديدة لزيادة سعة تخزين مياه الأمطار وتقليل كمية المياه المأخوذة من الأنهار، فإنّ العديد من الخبراء يرون أن هذه الخطط ليست كافية وتحتاج تدابير المياه في المستقبل إلى مزيد من الاستثمار.

ولا تقتصر الأزمة في إنكلترا على شح الأمطار، فهناك أزمة أخرى تتعلق بضخامة الديون المستحقة على شركات إنتاج المياه، حيث تدرس الحكومة البريطانية احتمال إعادة تأميم شركة تيمز ووتر المثقلة بالديون وذلك بشكل مؤقت.

ووفق مصادر، "تستعد الحكومة لكل الخيارات في مواجهة احتمال انهيار تيمز ووتر، أكبر شركة لإمداد البيوت في بريطانيا بالمياه والتخلص من الصرف الصحي، بما في ذلك إمكانية إعادة تأميم الشركة ووضعها تحت إدارة حكومية خاصة.

وتزود الشركة 15 مليون منزل وشركة تجارية في لندن وأماكن أخرى في جنوب إنكلترا بالمياه. وسبق أن اضطرت الحكومة إلى التدخل في مجال توصيل الكهرباء والغاز للمنازل قبل عامين، مع سلسلة من إفلاسات شركات توزيع الطاقة إثر ارتفاع أسعار الغاز.

ولا تقتصر مشكلات شركات المياه والصرف في بريطانيا على تراكم الديون المتعثرة، فهناك أيضاً مشكلة تلوث المياه، بعدما أصبحت مياه نهر التايمز والأنهار والبحيرات الأخرى تعاني من معدلات تلوث غير مسبوقة.

كما أن تلك الشركات متهمة بأنها مسؤولة عن تسرّب الصرف الصحي إلى مياه الشرب في الأنهار والبحيرات نتيجة الإهمال ونقص الاستثمارات وعدم تحديث البنية التحتية المتهالكة لديها.

المساهمون