الجفاف والاحتكار يهددان مستقبل زيت الأركان المغربي

02 أكتوبر 2022
تفضل النساء الطريقة التقليدية في إنتاج زيت الأركان (Getty)
+ الخط -

تفترش يامنة بساطاً تقليدياً، وتواصل كسر حبات شجر الأركان (الأرغان) الصلبة بالحجر، بينما تلتقط منها حليمة الحبات وتسحقها برحى الحجر التقليدي.

وفي قرية تافضنة الأمازيغية جنوبي الصويرة، التي تبعد 447 كيلومتراً إلى الجنوب من العاصمة المغربية الرباط، تفضل النساء هذه الطريقة التقليدية في إنتاج زيت الأركان، عوضاً عن آلات العصر الحديثة، "لأن لا شيء يضاهي نكهة الزيت وجودته، المعصور بطريقة تقليدية"، كما تقول يامنة.

ويبدو ذلك واضحاً حتى بالنسبة إلى الفرق بين سعر الزيت المعصور بالطرق الحديثة وبالطرق التقليدية.

وصل سعر زيت الأركان الذي يشتهر به المغرب إلى 600 درهم للتر (نحو 55 دولاراً)، وهو مستوى غير مسبوق لسعر هذا الزيت الذي يشتهر باسم "الذهب السائل"، ويراوح اللتر المعصور بالآلات بين 450 و550 درهماً.

وثمار شجرة الأركان، التي تنمو بكثرة في جنوب غرب المغرب، بحجم ثمار الجوز، وهي تتكون من قشرة ليفية خارجية تحيط بنواة صلبة.

ويُستخرج زيت الأركان الذي يحظى بشهرة عالمية كبيرة من ثمار هذه الشجرة، ولهذا الزيت استخدامات متعددة، وبخاصة في الطب التقليدي والتكميلي وفي صناعات الأغذية، ومستحضرات التجميل.

ويقول خبراء إن الجفاف الذي توالى على المغرب في السنوات الأخيرة، وخاصة العامين الماضيين، أثّر كثيراً بإنتاج زيت الأركان، إذ ترتبط وفرة إنتاجه بالسنوات المطيرة.

ويعاني القطاع من الاحتكار والمضاربة، ولا سيما بعد اهتمام شركات عالمية بهذا المنتج المغربي، واكتشاف خصائصه الغذائية والعلاجية والتجميلية.

وشجرة الأركان شجرة معمرة يمكن أن تعيش 200 عام، ويصل ارتفاعها إلى عشرة أمتار أحياناً، وتتحمل درجات حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية، ويقول خبراء إنه لا يوجد لها نظير في العالم سوى شجرة شبيهة في مناطق بالمكسيك، لكنها لا تطرح ثماراً.

وصل سعر زيت الأركان الذي يشتهر به المغرب إلى 600 درهم للتر (نحو 55 دولارا)، وهو مستوى غير مسبوق لسعر هذا الزيت الذي يشتهر باسم "الذهب السائل"

وأدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) عام 2014 في قائمة التراث الإنساني، وخصصت في 2021 يوم العاشر من مايو/ أيار من كل عام يوماً عالمياً للاحتفال بها.

مطرقة الجفاف وسندان الاحتكار

وتقول يامنة إن "أزمة كورونا أثرت بتسويق الأركان وجعلت النساء يحتفظن بالثمار في البيوت، ما أثر بجودتها"، مضيفة أن "الجفاف فاقم من أزمة شجرة الأركان، إذ إن الثمار على قلتها لم تعد تحتوي على نسبة عالية من الزيت، مقارنة بالسابق".

وتنتشر شجرة الأركان خاصة على الساحل الجنوبي للمغرب بين منطقتي الصويرة وأكادير على ساحل الأطلسي، وتغطي ما يزيد على 830 ألف هكتار.

وحذرت السلطات في المغرب من أن شجر الأركان أصبح يعاني مخاطر عديدة، على رأسها الجانب البيئي، بسبب الاستغلال المفرط لهذه الثروة النباتية، وخصصت برنامجاً بنحو 2.8 مليار درهم من أجل إعادة تأهيل آلاف الأشجار وزيادة إنتاج زيتها.

وتشغل شجرة الأركان ما يربو على ألفي امرأة، وخاصة النساء الأمازيغيات في المناطق الريفية اللواتي يعشن من إنتاج زيت الأركان وتسويقه.

يقول يوسف، صاحب تعاونية لبيع زيت الأركان بالصويرة، الذي طلب عدم نشر اسمه كاملاً، إن "القطاع يعاني صعوبات جمّة، لقد بدأت مع والدي في الاشتغال في هذا القطاع منذ تسعينيات القرن الماضي كانت الأمور أفضل، كانت الثمار موجودة ورخيصة، وكان الزيت بأسعار معقولة والإقبال كبير من المغاربة".

ويضيف: "إننا لا نجد الثمار الكافية لعصرها، وإن وجدت فقد ارتفع ثمنها كثيراً، ويصل حالياً إلى أكثر من 170 درهماً للكيلو، ويجب عصر أكثر من كيلوغرامين للحصول على اللتر الواحد، وفي الأخير الزبون يجد السعر مرتفعاً، فلا نبيع الكثير".

ويقول إن "المغاربة المعروفين بحبهم لهذا النوع من الزيت إلى جانب زيت الزيتون، يكتفون بشراء بضع مللترات من زيت الأركان التجميلي، وكذلك بعض المواد التجميلية الأخرى المشتقة من الأركان، مثل كريمات الوجه والصابون ومستحضرات تجميلية أخرى".

ويضيف: "أما الزيت الصالح للأكل، فبالنسبة إلى المتعود أكله يجب أن يشتري أكثر من لتر، لكن في ظل سعره الحالي (600 درهم) هذا يجعل الأمر شبه مستحيل. كان الله في عون الجميع".

منطق العرض والطلب

يعوّل يوسف وعدد من التعاونيات في الصويرة على توافد السياح في فصل الصيف لبيع‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬زيت الأركان ومنتجاته التجميلية والغذائية، مثل "أملو"، الذي يتناوله المغاربة في فطور الصباح، وهو عبارة عن خليط من اللوز المسحوق وزيت الأركان والعسل.

وقال صاحب تعاونية لبيع منتجات أركان في الصويرة قدم نفسه باسم سليمان فقط: "ما نعانيه بالنسبة إلى الأركان هو قلة العرض وكثرة الطلب"، مضيفاً: "أصبحنا نعوّل على السياح أكثر لتسويقه"، مشيراً إلى أن "الجفاف والرعي العشوائي، وخاصة في نواحي أكادير، أديا إلى قلة ثمار الأركان، إذ إن الغطاء النباتي في هذه المنطقة قليل، فتلجأ الماشية إلى أكل حبات الأركان".

وتقول سيدة تدعى نعيمة، وهي صاحبة تعاونية لبيع منتجات الأركان في الرباط: "لحسن الحظ نعتمد على بيع منتجنا من محصول الأشجار التي تملكها العائلة بنواحي أكادير". وأضافت: "لو كنا نعتمد على شراء الثمار وعصرها لخضعنا لمنطق المضاربة، حينئذ سيكون هامش الربح قليلاً".

ويقول خالد العيوض، الخبير في التنمية المحلية والتنمية المستدامة، لـ"رويترز"، إنه بالإضافة إلى الجفاف تعاني أشجار الأركان من "الاحتكار وكثرة الوسطاء".

ويمضي بالقول: "فوراء شجرة الأركان وزيتها جيش من الفقر، وخاصة النساء اللواتي يشكون من أيادي غريبة تستغل الشجرة وثمارها". وأضاف: "النساء العاملات في هذا المجال لا يجدن المادة الأولية للاشتغال، هناك احتكار من طرف الوسطاء، منذ تأسيس أول تعاونية في 1996 ودخول الشركات متعددة الجنسيات التي تستخدم زيت الأركان في صناعاتها التجميلية على الخط".

ورفض مسؤولون في شركة تجميل عالمية تعمل في المغرب التعليق.

وأوضح العيوض أن "شعار التضامن والتعاون" الذي رفعته الدولة لحماية شجر الأركان والنهوض بزراعته "أصبح سراباً".

ورفض مسؤولون من الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر أركان، وهي مؤسسة رسمية تأسست في 2010 لحماية أشجار النخيل والأركان وتحسين إنتاجها، أيضاً التعقيب على الأمر.

وقال العيوض: "النتيجة أن المغربي لم يعد يجد زيت الأركان على مائدته كما تعود".

وتقول فاضمة، وهي تسحق حبات الأركان تحت الرحى في قريتها قرب الصويرة: "ليس لديّ أنا ونساء القرية عمل آخر نعوّل عليه. أركان مصدر قوتنا، لكننا أصبحنا اليوم نواجه مشاكل في الحصول على الحب وتسويق المنتَج".

وأضافت أن مدخولها زهيد (نحو 200 دولار في الشهر)، لكنها راضية به كي لا تظل دون عمل في البيت (الدولار = 10.9 دراهم). 

وصدّقت الحكومة المغربية في أوائل سبتمبر/ أيلول على رفع الحد الأدنى للأجور إلى 3500 درهم بزيادة 9.3 في المئة، وسط ارتفاع كبير للأسعار وزيادة نسبة التضخم.

تقول فاضمة: "سأكون محظوظة لو أضمن استمرار مدخولي بالرغم من بساطته، لكن نقص ثمار الأركان وقلة زيتها أمر مقلق".

(رويترز)