الجشع يستنزف جيوب الإسرائيليين... شركات تتربح من استمرار الحرب

03 يونيو 2024
إسرائيليون يتسوقون من متجر في تل أبيب، 10 أكتوبر 2023 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- شركات الأغذية الإسرائيلية تواجه اتهامات بالجشع بعد زيادة أسعار المنتجات منذ اندلاع الحرب على غزة، مما أدى لارتفاع قياسي في أرباحها واستياء المستهلكين.
- وزارة الاقتصاد الإسرائيلية تهدد بنشر بيانات الأرباح للشركات لضبط الأسعار، بينما تطالب شركات الأغذية بإبقاء بيانات الأرباح سرية.
- الحرب تؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي بشكل عام، حيث تحقق شركات مثل طيران العال وشركات الأسلحة أرباحاً كبيرة، بينما تزداد الضغوط المعيشية على الأسر الإسرائيلية مع توقعات بزيادة الضرائب.

تواجه الكثير من الشركات الإسرائيلية، لا سيما العاملة في قطاع الأغذية، اتهامات بالجشع، من خلال زيادات الأسعار التي تفرضها بشكل متواصل على المستهلكين منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتصعد أرباحها إلى مستويات قياسية، بل وتحوّل بعضها من الخسارة إلى المكسب الحاد.

وأثار ارتفاع أسعار معظم السلع ردود فعل واسعة في أوساط المستهلكين الإسرائيليين، الذين يجهر الكثير منهم بمعاناتهم من تفاقم أعباء المعيشة واستنزاف الحرب التي تدنو من شهرها التاسع ميزانياتهم.

وانتقل الجدل بشأن مكاسب الشركات إلى أروقة وزارة الاقتصاد والصناعة التي دعت مراراً تلك الشركات إلى ضبط الأسعار دون أن تتمكن من إجبارها على ذلك، لتهدد بعدها بنشر بيانات الأرباح أمام الجمهور، ما استنفر أباطرة المال الذين يخشون هذه الخطوة.

ووجّه اتحاد شركات الأغذية التابع لاتحاد المصنعين رسالة إلى رئيس قسم الميزانية والمشرف على الأسعار في وزارة الاقتصاد، يوناتان بتسلئيل، وأيضا إلى مسؤولٍ في مكتب المدعي العام، تفيد بعدم جواز نشر الوزارة بيانات الأرباح الخاصة بهم علناً، وأن "المعلومات يجب أن تظل سرية، وأي استخدام لها يكون لغرض تنفيذ قانون الرقابة فقط".

وجاء استنفار شركات الأغذية بعد أن لوّح وزير الاقتصاد نير بركات أخيراً، بنشر بيانات مكاسبها، قائلا إن من حق الجمهور معرفة من تستحوذ على هذه المكاسب.

وأشار وزير الاقتصاد إلى أنه سيطلب من 17 شركة رفعت أسعارها مؤخراً بينها كوكاكولا إسرائيل، بيانات تفصيلية عن معدل ربحية منتجاتها، بهدف تحديد أي منها لديه ربحية مفرطة في بعض المنتجات، وفق ما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت.

وأشارت الصحيفة في تقرير لها إلى أن مطلب الوزير يعني أن الشركة لن تتمكن من رفع الأسعار من تلقاء نفسها، بل سيكون هناك سعر متحكم فيه.

ويبدو أن الشركات الإسرائيلية تستفيد من حالة التضارب الحكومي بشأن مراقبة الأسعار، وبالتالي الأرباح المحققة، إذ يعارض وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، فرض نظام مراقبة الأسعار بحجة أنه يضر بالمنافسة وغير فعال.

ووسط هذا التضارب ومعارضة أطراف أخرى في الحكومة اتخاذ إجراءات حاسمة لكبح جماح الشركات في زيادة الأسعار، لجأ وزير الاقتصاد في مارس/آذار الماضي إلى دعوة المستهلكين إلى مقاطعة منتجات شركة الأغذية العملاقة الشهيرة شتراوس غروب، بسبب استمرارها في رفع الأسعار في ظل الحرب. وأشار إلى قرار الشركة توزيع أرباح كبيرة مع استمرار رفعها الأسعار، قائلا إن الشركة "فقدت خجلها".

أزمة إيرادات قبل الحرب

وقبل الحرب كانت "شتراوس غروب" تواجه أزمة تتعلق بإيراداتها، ما دعا صحيفة معاريف إلى الإشارة في تقرير لها إلى أن الأزمة الكبيرة التي ضربت المجموعة قبل عام باتت من الماضي، بفعل زيادات الأسعار. وقفز صافي أرباح المجموعة في الربع الأول من العام الجاري بنسبة 18.7% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، لتصل إلى 159 مليون شيكل (42.7 مليون دولار)، في حين ارتفعت إيراداتها بنسبة 1.4% إلى 2.59 مليار شيكل.

وليست شركات الأغذية وحدها التي استفادت من أجواء الحرب، وإنما استفادت بشدة شركة طيران العال وكذلك شركات الأسلحة الإسرائيلية. وتحولت "طيران العال" من الخسارة إلى المكسب الحاد، إذ حققت أرباحاً صافية في الربع الأول من العام الجاري بقيمة 80.5 مليون دولار، مقابل خسارة بنحو 34.4 مليون دولار في نفس الفترة من العام الماضي 2023.

وارتفعت إيرادات الشركة بنسبة 48% لتصل إلى 738 مليون دولار، وفق إفصاح لها نهاية مايو/أيار. وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت، أن الشركة استفادت من قلة المنافسة على خلفية إلغاء معظم شركات الطيران الأجنبية رحلاتها إلى إسرائيل بعد اندلاع الحرب.

كذلك، أعلنت شركة إلبيت سيستمز العاملة في مجال الصناعات العسكرية، نهاية الأسبوع الماضي، عن زيادة كبيرة في إيراداتها للربع الأول من 2024، حيث بلغت 1.554 مليار دولار، مقارنة بـ 1.394 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي.

ضغوط معيشية على معظم الأسر

تأتي المكاسب الكبيرة التي تحققها الشركات الإسرائيلية في مجالات الأغذية والسلاح والطيران تحديداً، في وقت تتصاعد فيه الضغوط المعيشية على معظم الأسر الإسرائيلية التي تجهر بمعاناتها من ارتفاع كلفة انضمام أفراد فيها إلى الجيش جنودَ احتياطٍ وتضرر مداخيلها. فقد قلبت الحرب حياة مئات آلاف الموظفين والعمال الإسرائيليين رأسا على عقب، بعد توقف أعمالهم ونزوحهم من المناطق المتاخمة لقطاع غزة جنوباً والحدود اللبنانية شمالاً.

وكشف تحقيق أجرته صحيفة كالكاليست الاقتصادية الإسرائيلية أخيراً عن "تذمر حاد" يسود أوساط جنود الاحتياط جراء طول مدة الخدمة. وحذر هؤلاء الجنود من أن هذا الأمر يمثل استنزافا لهم، لافتين إلى أنه تسبب في مشكلات نفسية وزوجية وأخرى طاولت حياتهم العملية.

وأشارت الصحيفة إلى أن طول مدة الخدمة في الجيش كانت له أيضا انعكاسات سلبية على الاقتصاد الإسرائيلي، إذ قدرت وزارة المالية تكلفة أيام الاحتياط في الحرب بنحو 5.44 مليارات دولار، لكن التكلفة ارتفعت بعد سبعة أشهر إلى 8.17 مليارات دولار، ولا تزال الحرب مستمرة.

ويخيم التشاؤم على مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي في وقت تستنزف فيه الحرب مالية الدولة، إذ تظهر البيانات الرسمية أن من المتوقع أن يتجاوز عجز الموازنة العامة 8% العام الجاري، وهو ما يقترب من أربعة أضعاف ما كان مقدراً قبل الحرب بنسبة 2.25%. كما يتجاوز العجز كثيراً التقديرات التي تطرقت إليها موازنة 2024 المعدلة البالغة 6.6%.

ووفق الموازنة، فإن الإنفاق المقدر للعام الجاري يبلغ 584.1 مليار شيكل (159.2 مليار دولار وفق سعر صرف أمس الثلاثاء)، بزيادة 70 مليار شيكل مقارنة بموازنة الأساس المصادق عليها في مايو/أيار 2023. وتظهر البيانات الصادرة عن المحاسب العام لوزارة المالية يالي روتنبرغ وصول العجز على مدار الـ12 شهراً المنقضية بنهاية مارس/آذار الماضي إلى 117.3 مليار شيكل، وهو الأعلى في تاريخ إسرائيل.

وانكمش اقتصاد إسرائيل بنسبة 1.4% على أساس سنوي خلال الربع الأول من العام الجاري. ويأتي هذا الانكماش للربع الثاني على التوالي، إذ يأتي بعد انكماش آخر أشد وطأة بنسبة 21.7% في الربع الأخير من 2023. وكان اقتصاد دولة الاحتلال قد نما 2% في كامل 2023، مقارنة مع 6.8% في 2022، ونمو بنسبة 8.6% في 2021، وانكماش بنسبة 1.9% في عام كورونا 2020.

وارتفع الإنفاق العام بنسبة 7.1% في الأشهر الثلاثة الأولى من العام مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، بعد صعود غير مسبوق بنسبة 86% في الربع الأخير من العام الماضي بفعل الإنفاق على الحرب، وفق بيانات صادرة حديثاً عن مكتب الإحصاء الحكومي، فيما انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.1% على أساس سنوي في الربع الأول من هذا العام.

ولا مفر أمام حكومة الاحتلال من زيادة الضرائب وهو ما تفعله بالفعل، والسماح بترك أسعار السلع للصعود من أجل رفد خزينتها بمزيد من الأموال، ما يؤدي في النهاية إلى تحميل المستهلكين فواتير إضافية.

ونهاية مايو/أيار الماضي، قال محافظ بنك إسرائيل المركزي، أمير يارون، إن الحكومة قد تحتاج إلى إجراءات ضريبية إضافية للتعامل مع الضغوط الاقتصادية المتزايدة جراء الحرب المستمرة على قطاع غزة والتوترات الإقليمية التي صاحبتها، وفقا لما نقلت صحيفة غلوبس الإسرائيلية.

وأعرب يارون عن مخاوفه بشأن العجز المالي الذي استمر في الارتفاع بسبب زيادة الإنفاق الحكومي. وتابع: "من الواضح أنه يتعين على الحكومة في هذا الوقت بذل كل ما في وسعها للحد من ارتفاع الديون وإعلان المسؤولية المالية".

ووسط الضغوط التضخمية، أبقى بنك إسرائيل، الأسبوع الماضي، أسعار الفائدة عند مستوياتها البالغة 4.5% للمرة الثالثة على التوالي، وسط خشية من الشهور المقبلة التي تنذر بمزيد من ارتفاع التضخم وأسعار المستهلكين.

المساهمون