الجزائر وموريتانيا.. مشاريع مكثفة تمهد لتكامل اقتصادي

24 يناير 2024
تشهد العلاقات بين الجزائر وموريتانيا منذ 4 سنوات زخماً متصاعداً (Getty)
+ الخط -

خلال زيارتين منفصلتين قبل أيام، أجرى وزير خارجية موريتانيا ثم رئيس برلمانها مباحثات مكثفة مع مسؤولين في الجارة الجزائر، التي حرص رئيسها عبد المجيد تبون على استقبالهما.

وتشهد العلاقات بين الجزائر وموريتانيا، منذ 4 سنوات، زخماً متصاعداً على وقع إطلاق مشاريع عديدة تضع الأساس لبنية تحتية مشتركة تمهد لاستثمارات تقود إلى تكامل اقتصادي.

ومن خلال كثافة الزيارات المتبادلة، والتقدم في تنفيذ خطط التبادل التجاري، برز محور الجزائر ـ نواكشط نموذجاً مأمولا لتكامل اقتصادي في منطقة ما زالت تتطلع إلى استثمار فرص الشراكات الناجحة للتنمية، وتخطي مظاهر الفقر وآفات التهريب والجريمة المنظمة العابرة للحدود.

وارتبط البلدان منذ سنوات بخطوط تجارية بحرية وجوية وبنوك، ويستعدان لافتتاح أول معبرين بريين ثابتين، وإطلاق منطقة للتبادل التجاري الحر، وبناء طريق بري بطول نحو 800 كلم، إلى جانب تنفيذ مذكرات تفاهم في مجالات التعليم العالي والتدريب.

هذه المبادرات وضعت الجزائر وموريتانيا على طريق تطوير شراكتهما إلى مستوى استراتيجي يلبي طموحاتهما، وكذلك رسم طريق تجاري دولي نحو دول منطقة غرب أفريقيا، وما يمثله من سوق واعدة تناهز 400 مليون نسمة. 

علاقات اقتصادية وتجارية

على الصعيد الاقتصادي والتجاري، حرص الرئيسان الجزائري تبون والموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني على تطوير العلاقات بين بلديهما.

ولطالما تمتعت علاقة الجزائر وموريتانيا بمستوى ممتاز، باعتبار كل منهما أن الأخرى دولة "شقيقة" و"جارة" تتقاسم معها حدودا تمتد نحو 450 كلم.

ويتمسك تبون بتطوير التعاون الاقتصادي مع موريتانيا، في سياق إصراره على زيادة صادرات الجزائر بعيدا عن المحروقات (الوقود)، وإيصال السلع الجزائرية إلى الأسواق الأفريقية.

ولم تستسلم الجزائر وموريتانيا لغياب البنى التحتية اللازمة، إذ تمكنتا من رفع حجم التبادل التجاري بينهما حوالي 10 مرات في السنوات الأربع الأخيرة، إذ تكشف إحصائيات رسمية أن المبادلات سجلت 200 مليون دولار في أواخر عام 2022، بعد أن كانت 24 مليون دولار فقط في 2019.

وخلال زيارته إلى الجزائر، في ديسمبر/ كانون الأول 2021، شاطر الرئيس الموريتاني نظيره الجزائري الإرادة ذاتها في إقامة روابط اقتصادية متقدمة.

وشهدت الزيارة توقيع اتفاقيات، أهمها بناء طريق بري يربط محافظة تندوف الجزائرية (أقصى جنوب غرب)، بمدينة الزويرات الموريتانية بطول قرابة 800 كلم.

وأنهت الجزائر وموريتانيا الإجراءات القانونية والإدارية المتعلقة بمباشرة إنجاز الطريق، وصدر في الجريدة الرسمية الجزائرية في منتصف فبراير/ شباط 2023، الاتفاق التنفيذي بين حكومتي البلدين والمتعلق بالتسهيلات والإعفاءات الضرورية لإنجازه.

وبموجب مذكرة تفاهم، ستتكفل الجزائر بإنجاز الطريق عبر وكالتها للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، فيما يتولى الجانب الموريتاني تقديم التسهيلات الضرورية اللازمة وضمان الأمن لعمليات الإنشاء.

وللمضي قدما في دفع التجارة البينية برا، وجّه تبون الحكومة في نهاية ديسمبر الماضي، إلى إعداد "دراسة معمقة" لإطلاق أول منطقة حرة مع موريتانيا في تندوف.

وأعلن رئيس الوزراء الجزائري نذير العرباوي أن هذه المنطقة ستدخل حيز التنفيذ قبل نهاية النصف الأول من العام الجاري. كما سيدشن البلدان قريبا أول معبرين بريين ثابتين، تكفلت الجزائر ببنائهما بـ18 مليون دولار.

ربط غير مسبوق

وإلى حين استكمال البنية التحتية للتبادل التجاري برا، وجّه تبون في أواخر 2021 بإطلاق خط بحري تجاري بين الجزائر وموريتانيا تقطعه السفن في 6 أيام.

وهذه المبادرات غير مسبوقة في تاريخ الجزائر وموريتانيا، فلم يسبق أن ارتبطتا يوماً بطريق بري معبد أو معبر حدودي ثابت أو خط بحري مباشر.

وفي 20 سبتمبر/أيلول 2023، افتتحت الجزائر أول بنك لها في أفريقيا بالعاصمة الموريتانية نواكشوط تحت اسم "بنك الاتحاد الجزائري"، ويتألف من تحالف أربعة بنوك حكومية جزائرية.

وبعد أربعة أشهر من افتتاحه، يستعد البنك لافتتاح فرعين في مدينتي نواذيبو، العاصمة الاقتصادية لموريتانيا، والزويرات (شمال)، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية عن المدير العام للبنك مراد عليان.

كما لم يسجل البلدان مثل الزخم الدبلوماسي الراهن بينهما، والذي تجلى في كثافة الزيارات المتبادلة بين الوزراء ورجال الأعمال، منذ زيارة الغزواني إلى الجزائر.

وفي 19 يناير/كانون الثاني الجاري، بدأ رئيس البرلمان الموريتاني محمد بمب مكت زيارة إلى الجزائر استمرت أربعة أيام، بدعوة من رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري (الغرفة الأولى للبرلمان) إبراهيم بوغالي.

وقبلها بيومين، زار وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك الجزائر. واستقبل تبون كلا من مكت وولد مرزوك، وأكد خلال اللقاءين حرص الجزائر على تعزيز وتطوير التعاون مع موريتانيا.

مستقبل واعد

الخبير الاقتصادي الجزائري فريد بن يحيى قال لوكالة "الأناضول"، إن النسق المتصاعد للعلاقات بين الجزائر وموريتانيا، خاصة في شقها الاقتصادي، هو ما يجب أن تكون عليه منذ عقود.

وأضاف أن "العلاقات بين الجزائر وموريتانيا تاريخية، ودائما ما اتسمت بالأخوة وحسن الجوار"، لافتا إلى وجود محاولات في سبعينيات القرن الماضي لتطويرها اقتصاديا، ولكن لم يكتب لها النجاح.

وأوضح أن "تبني الجزائر سياسة اقتصادية ناجعة تجاه موريتانيا هو توجه صائب يخدم رغبة الجزائر في رفع صادراتها خارج المحروقات إلى ما فوق 7 مليارات دولار في هذه الفترة على الأقل، ويلبي رغبة موريتانيا في أن تكون قبلة للسلع الجزائرية وتوفير فرص للتنمية".

بن يحيى اعتبر أن ما قامت به الجزائر حتى الآن من وضع لقاعدة لوجستية للنقل البري والبحري والجوي وفتح أول بنك، يعد خطوة أولى يجب أن تُتبع بخطوات أخرى للاستثمار.

ومشيدا بموريتانيا باعتبارها "مستقبلاً اقتصادياً واعداً بحسب التقديرات الاقتصادية"، قال إنها "دولة لا يزيد عدد سكانها عن 4.6 ملايين نسمة، تطل على المحيط الأطلسي، ويُتوقع أن تكون قبلة للاستثمارات الأجنبية في المستقبل القريب".

وأكد أن الجزائر قادرة على أن تقدم الإضافة لموريتانيا في مجالات عديدة، منها الفلاحة والطاقة والصناعة الصيدلانية والبنية التحتية.

ومضى قائلا إنه من المهم رؤية تفاعل اقتصادي بين البلدين بهذا الشكل، وفي منطقة لطالما اتسمت بكونها صحراوية، تفتقد لآفاق التنمية التي يبحث عنها السكان، ولا سيما الشباب.

محور الجزائر ـ نواكشط

ووفقا لرئيس مركز الأطلس للتنمية والبحوث الاستراتيجية بموريتانيا عبد الصمد ولد امبارك، فإن العلاقات الجزائرية الموريتانية تشهد ذروة تطورها في "ظل إرادة قائدي البلدين".

وأردف ولد امبارك أن هناك "تنوعا في هذه العلاقات، ما يوحي بتوفير ديناميكية جديدة فعالة في منطقة شمال أفريقيا، خاصة في ظل إنشاء معابر حدودية للتبادل التجاري وبناء طريق بري تندوف ـ الزويرات".

وأضاف أن هذه الديناميكية توفر دون شك "محور الجزائر ـ نواكشط" بامتداده نحو غرب أفريقيا، "وهو ما من شأنه تقوية العلاقات التجارية باعتبار السلع الجزائرية مطلوبة في السوق الموريتانية".

ولد امبارك زاد بأن التعاون الجزائري الموريتاني عرف تطورات، منها افتتاح بنوك ومعارض تجارية جزائرية في نواشكوط، ما يمنح آفاقا "واعدة" لرجال الأعمال من البلدين ويوفر تكاملا اقتصاديا ليس بين بلدين في شمال أفريقيا فحسب، ولكن لكل القارة.

وتعتبر الحدود الجزائرية الموريتانية الأكثر هدوءا واستقرارا مقارنة بحدود الجزائر مع كل من النيجر ومالي وليبيا؛ حيث تشهد هذه الدول توترات أمنية ونزاعات سياسية، وهو ما يعقد مسألة العبور نحو دول أفريقيا جنوب الصحراء من تلك الدول.

(الأناضول)

المساهمون