الجزائر: مكاتب الصرف في مواجهة السوق الموازي

02 أكتوبر 2023
مخاوف من استمرار السوق الموازي (العربي الجديد)
+ الخط -

صادق البنك المركزي الجزائري على قانون جديد يسمح بإنشاء شبكة واسعة من مكاتب الصرف المعتمدة، من أجل تسهيل عمليات صرف العملات الأجنبية للمواطنين والسياح.

وتأتي الخطوة، التي طال انتظارها، وسط استمرار مخاوف الأوساط الاقتصادية من تواصل وتعمق السوق السوداء للعملات الأجنبية، وهي السوق غير المشروعة التي توفر النقد الأجنبي بعيدا عن البنوك والصرافات.

واللافت أن مصادقة المركزي الجزائري هذه المرة تأتي بعد 7 سنوات من طرحه قانونا سابقا، في إبريل/ نيسان 2016، يسمح لمكاتب الصرف بالنشاط بصفة استعجالية لامتصاص الكتل النقدية المتداولة في أسواق الصرف الموازية.

وأكد البنك المركزي، في بيان أعقب اجتماع المجلس النقدي برئاسة محافظ البنك صلاح الدين طالب، في الـ23 من الشهر الماضي، أنّ مجالات نشاط مكاتب الصرف ستشمل أيضاً تقديم خدمة منحة الصرف لفائدة الجزائريين والمقيمين، من أجل الرحلات السياحية أو المهنية، واستخلاص تكاليف إجراء الدراسات في الخارج.

وفي السياق، يقول المستشار الحكومي والخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول إن "الكثير من الأسئلة تطرح حول نشاط مكاتب الصرف"، ويتساءل: " هل هناك إرادة سياسية لتنفيذ القانون؟ وهل ستكون هناك خطوات ميدانية في هذا الصدد؟"، مشيرا إلى أن "طرح قانون خاص لا يعني أن أكشاك الصرف سترى النور غدا."

وأضاف مبتول لـ"العربي الجديد" أن "السؤال الأكبر: كيف ستمول مكاتب الصرف بالعملة الصعبة؟".

وتابع: "في العالم كله تُمول المكاتب بأموال السياح ومصادر أخرى، وبما أن الجزائر لا تزال تفتقر لتدفقٍ كبير للسياح، فذلك يعني أن الحكومة هي من سيمول مكاتب الصرف، وبالتالي سيكون هناك استنزاف للعملة الصعبة، من دون تسجيل مداخيل منها بنفس الحجم، أي سيكون هناك اختلال بين بيع وشراء العملة الصعبة لدى مكاتب الصرف".

وكان غياب مكاتب الصرف الرسمية نقطة سوداء في الاقتصاد الجزائري، ومحل انتقادات من طرف السياسيين والبرلمانيين، الذين نظموا محاكمة علنية لمحافظ بنك الجزائر في نهاية مارس/آذار الماضي، خلال تقديمه التقرير السنوي لتطور السياسة النقدية للجزائر، حيث حمّلوه مسؤولية تدني قيمة الدينار.

وأعطى القانون الجديد المُنظم لنشاط مكاتب الصرف، الذي اطلعت عليه "العربي الجديد"، تعريفا لمكاتب الصرف على أنها "كيان أنشأه شخص طبيعي أو معنوي مقيم وفقا للقوانين المنصوص عنها في القانون التجاري، ومرخص به من طرف البنك المركزي".

وبالتالي يكون نص القانون قد وسع دائرة من يُخول له النشاط في صرف وبيع العملات الأجنبية بالجزائر، والذي ظل مقتصراً على بنك الجزائر ووسطائه التجاريين فقط، من دون ذكر مكاتب الصرف المعتمدة.

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي والمسؤول السابق في وزارة المالية محمد مقران صديقي أن "مكاتب الصرف لن تغير الكثير، ولن تقضي على السوق السوداء للعملة، والحكومة تعي ذلك جيدا".

ويقول صديقي لـ"العربي الجديد" إنه "لو كانت للدولة نية في القضاء على هذه الأسواق، لكانت اتخذت قرارات اقتصادية أخرى للحد منها، فلا يمكن القضاء على هذه الأسواق التي تمنح هامش ربح أكبر من الهامش الذي تمنحه البنوك والمصارف إلا عبر إجراءات متكاملة".

كان غياب مكاتب الصرف الرسمية نقطة سوداء في الاقتصاد الجزائري، ومحل انتقادات من طرف السياسيين والبرلمانيين


ووفق خبراء، فإن توجه بنك الجزائر المركزي إلى منح تراخيص فتح مكاتب صرف العملات،جاء متأخرا، وهذا ما أكده أستاذ الاقتصاد النقدي في جامعة وهران (غربي الجزائر) عبد الحفيظ بغدادي.

وقال بغدادي لـ"العربي الجديد": "الحكومة هي من يتحمل مسؤولية تأخر فتح مكاتب الصرف، إذ لم تتعامل مع الملف بموضوعية، وضيعت الكثير من الفرص منذ بداية الألفية الحالية، حيث كانت الجزائر تعيش في وفرة مالية".

وحذر من توجه الحكومة إلى إقصاء التجار المتحكمين في السوق السوداء، بل يقترح أستاذ الاقتصاد الجزائري "دعوتهم لإدخال أموالهم إلى السوق الرسمية مع اقتراح نسبة فوائد مغرية، حتى لا تجد الحكومة نفسها أمام ثلاث أسواق لصرف العملة، الأولى هي البنوك والثانية السوق السوداء والثالثة هي مكاتب الصرف، من دون أن ننسى نقطة مهمة وهي هوامش الربح".

ولا تكاد تخلو أي محافظة من محافظات الجزائر الثماني والخمسين من ساحة يجرى فيها بيع وشراء العملات الأجنبية، بداية من الدولار والعملة الأوروبية الموحدة "اليورو" والجنيه الإسترليني وحتى "اليوان" الصيني، الذي أصبح يتداول في السوق السوداء لصرف العملات التي فرضت نفسها بديلا لمكاتب الصرف في البلاد.

وبينما تغيب الأرقام الرسمية حول حجم الأموال المتداولة في شريان سوق صرف العملات السوداء أو "دوفيز" كما يطلق عليها الجزائريون، فإن تقديرات الخبراء تشير إلى مليارات من الدولارات يجرى تداولها سنوياً.

المساهمون