سجلت أسعار مواد البناء قفزات قياسية في الجزائر خلال الأسابيع الأخيرة، ما يثقل كاهل المواطنين الراغبين في بناء المنازل أو تشطيبها، ويربك كذلك حسابات الكثير من مقاولي البناء، ما يعرّض القطاع الحيوي للجمود في ظل هذا الاضطراب، بينما اعتبر تجار أن تراجع قيمة العملة الوطنية واستمرار تجميد الاستيراد للعام الرابع شجعا المنتجين المحليين المتحكمين بالسوق على رفع الأسعار لتحقيق هوامش أعلى من الأرباح.
ووصل سعر كيس الإسمنت (50 كيلوغراماً) نوع المتين المخصص للخرسانة المسلحة إلى نحو 1100 دينار (8 دولارات) بزيادة تقدَّر بـ 200 دينار جزائري، بزيادة تبلغ نسبتها 22.2%، فيما فاق سعر القنطار الواحد من الحديد صنف "12" المخصص للبناء 12 ألف دينار (82 دولاراً) بعد أن كان لا يتجاوز 9 آلاف دينار، بزيادة 33.3%.
مادة الرمل هي الأخرى مسّتها حمّى زيادات الأسعار، حيث بلغ سعر شاحنة الرمل الأصفر ذات حمولة 18 طناً نحو 80 ألف دينار (551 دولاراً) فيما لم يتعدّ سعرها 70 ألف دينار قبل 4 أشهر.
كذلك شهدت مواد التشطيب، ومنها البلاط والطلاء، قفزات لافتة بحكم استحواذ المواد المستوردة على 60% من السوق، حيث قفز المتر المربع من البلاط المحلي إلى ما بين 950 ديناراً و1200 دينار حسب الجودة، فيما فاق سعر المتر المربع من البلاط المستورد الذي يحوز بعض التجار مخزوناً منه عتبة الألفي دينار.
يقول المواطن محمد بوشمة، الذي التقته "العربي الجديد" في إحدى نقاط بيع مواد البناء، في العاصمة الجزائر: "أدخر مليون دينار (6900 دولار) لترميم بيتي وبناء غرفة إضافية، لكنّي مضطر الآن إلى مراجعة حساباتي، كلّ شيء زاد سعره، من دون أن ننسى أجرة البناء والدهان وغيرهما، قد أُجمد الأشغال إلى حين توفير المزيد من الأموال".
ويجسد قرار بوشمة موقف الكثيرين الذين يضطرون كذلك إلى إرجاء أعمال البناء أو التشطيب، ما يعرّض السوق للركود. كذلك تربك الأسعار المتصاعدة حسابات الكثير من المقاولين والعاملين في القطاع العقاري بشكل عام.
وبحسب نائب رئيس النقابة الوطنية للمهندسين المعماريين المعتمدين، عبد الهادي تقي الدين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، فإنّ "تكاليف البناء ارتفعت بما يراوح بين 45% و50%".
وفي السياق، اعتبر رئيس المجمع الوطني للمهندسين الجزائريين، عبد الحميد بوداود، أنّ "أصحاب المقاولات هم المتضرر الأول ومن سيتكبد خسائر جمة، حيث سيضطرون إلى دفع فارق الأسعار من أجل استكمال مشاريعهم".
في المقابل، يقول تجار تجزئة إنّهم ليسوا طرفاً في ارتفاع الأسعار، بل المنتجون المحليون الذين يتحكمون بالسوق، وكذلك تجار الجملة والمضاربون.
والتقت "العربي الجديد" عدداً من تجار مواد البناء، في شارع المنظر الجميل، المخصص لتجارة مواد البناء في الجزائر العاصمة، مؤكدين أن قرار منع الاستيراد أحدث اضطراباً في السوق على مدار السنوات الأربع الأخيرة.
كانت الحكومة قد وضعت الكثير من مواد البناء والتشطيب في قائمة المواد المحظور استيرادها، التي تشمل قرابة ألف منتج، وذلك لكبح فاتورة الواردات.
يقول المواطن محمد بوشمة، الذي التقته "العربي الجديد" في إحدى نقاط بيع مواد البناء، في العاصمة الجزائر: "أدخر مليون دينار (6900 دولار) لترميم بيتي وبناء غرفة إضافية، لكنّي مضطر الآن إلى مراجعة حساباتي
وفي أعقاب هذا القرار تراجعت فاتورة استيراد مواد البناء إلى 800 مليون دولار العام الماضي، مقابل 1.2 مليار دولار في 2019، و2.1 مليار دولار في 2015، وأوقفت الجزائر نهائياً استيراد الحديد والإسمنت، وذلك بعد تغطية الإنتاج المحلي للطلب الداخلي.
وقال تاجر مواد بناء عرّف نفسه باسم عبد الهادي، إنّ "تجار التجزئة هم الحلقة الأضعف في السوق، بينما تجار الجملة والمضاربون هم من يتحكمون بالسعر"، مضيفاً أنّ المنتجين المحليين رفعوا كذلك الأسعار لزيادة هوامش أرباحهم بعد ارتفاع أسعار المواد الأولية التي يستوردونها من الخارج".
وتابع أنّ تراجع قيمة الدينار أثر كذلك في الأسعار صعوداً، بينما كان الكثير من التجار قد رفعوها بالأساس لتعويض الخسائر المترتبة عن ركود الأسواق خلال جائحة فيروس كورونا على مدار العامين الماضيين، اللذين شهدا قيوداً لمواجهة الوباء أضرّت بالجميع.
وكان البنك المركزي الجزائري قد لجأ إلى تبني سياسة التعويم التي أدت إلى تراجع قيمة العملة الوطنية إلى مستويات قياسية مقابل الدولار والعملة الأوروبية الموحدة "اليورو"، وذلك لكبح ارتفاع فاتورة الواردات، في ظل انخفاض إيرادات الجزائر من بيع النفط، وللحدّ أيضاً من ارتفاع نسبة التضخم التي بلغت 4.1% في نهاية 2019، حسب الديوان الوطني الجزائري للإحصاء.