عاد ملف رفع الحظر عن استيراد الملابس المستعملة إلى واجهة المطالب في الجزائر بعد تجميد عمليات الاستيراد قبل 7 سنوات، وذلك بالتزامن مع عودة الحديث عن توجه الحكومة الجزائرية نحو رفع الحظر عن استيراد السيارات المستعملة لأقل من 3 سنوات، وقبلها تحرير استيراد الآلات والعتاد الصناعي المستعملة في موازنة السنة القادمة.
واستغلت الجمعية الجزائرية لمستوردي الملابس المستعملة هذه التطورات لمطالبة الحكومة بتحرير نشاط استيراد الملابس المستعملة، من أجل إنعاش سوق النسيج، وحمايةً للقدرة الشرائية للمواطن الجزائري.
في المقابل، يرفض منتجو الملابس هذا التوجه ويتهمون "مافيات" بالوقوف وراءه، ومنها شخصيات في أحزاب سياسية.
واستقبل مستوردو الملابس المستعملة أو "الشيفون" كما يلقبها الجزائريون ممن التقتهم "العربي الجديد" الجدل القائم حول توجه الحكومة إلى التحضير لفتح استيراد السيارات المستعملة لأقل من 3 سنوات بكثير من الأمل، قد يُنهي كابوسا دام لسنوات، ودفع الكثير منهم إلى العمل في تهريب الملابس المستعملة عبر الحدود المشتركة مع تونس، فيما فضل البعض الآخر تغيير نشاطه.
وفي السياق، يرى مستورد سابق للملابس المستعملة حمزة بن غربي، لـ"العربي الجديد"، أنه "حان الوقت لكي ترفع الحكومة الحظر المفروض على استيراد "الشيفون"، وذلك لأسباب عديدة منها الأزمة الاقتصادية التي جعلت الحكومة الجزائرية تتكلم في كل مرة عن تحرير الاقتصاد، بالإضافة إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطن، وبالتالي لا بد من النظر في هذا الملف من زاوية "الحاجة تبيح المحظورات" وليس من زاوية "حماية الإنتاج الوطني"، لأنه ببساطة لا يوجد إنتاج وطني من النسيج".
وجهة نظر بن غربي يتقاسمها الآلاف من مستوردي الملابس المستعملة وتجار التجزئة وحتى المواطنين العاديين، لأنها تشكل مصدر رزق لعشرات الآلاف من العائلات، بالإضافة إلى كونها من مصادر الدخل بالنسبة للخزينة العمومية بفعل الجباية المفروضة على شركات الاستيراد.
ويؤكد مالك شركة مختصة في استيراد الملابس المستعملة من هولندا سابقا، جمال الدين بن عوكلي، لـ"العربي الجديد"، أنه في "سنة 2015 كان نشاط استيراد وبيع الملابس المستعملة يُشغّل حوالي 150 ألف جزائري بطريقة مباشرة وغير مباشرة كالنقل، أي حوالي 150 ألف عائلة مصدر رزقها كان في الملابس المستعملة، لا نعرف مصيرها بعد كل هذه السنوات من حظر الاستيراد".
ويضيف نفس المتحدث أن "شركته كانت تدفع سنويا قُرابة 80 ألف دولار لخزينة الدولة كضرائب واشتراكات في الضمان الاجتماعي، إلا أنه اضطر منتصف 2015 إلى حل شركته، بعدما كثر الجدل حول هذا النشاط وظهرت بوادر تجميده، وتغيير نشاطه إلى استيراد مواد البناء".
ورغم مصادقة البرلمان الجزائري على قرار تجميد استيراد الملابس المستعملة منتصف 2011 وتمديد حظر الاستيراد نهاية 2018، تحت ضغط من الحكومة بحجة حماية الإنتاج الوطني في قطاع النسيج، إلا أن السوق لا تزال تُمون بالملابس المستعملة المهربة من دول الجوار، بالخصوص من تونس.
كمال.ش واحد من بين الشباب الجزائريين الذين وجدوا صعوبة في الابتعاد عن ساحة "استيراد الشيفون"، رغم الحظر المطبق على هذا النشاط، حيث يروي لـ"العربي الجديد" تجربته بالقول إنه "لا يعرف فعل شيء آخر سوى إدخال الملابس المستعملة عبر المسالك الجبلية بين تونس والجزائر، بالضبط في محافظة تبسة".
ويضيف نفس المتحدث أنه "رغم منع استيراد الملابس المستعملة، إلا أن التهريب يسمح اليوم بدخول بين 45 بالمائة إلى 50 بالمائة من إجمالي الكميات المستوردة سنويا قبل الحظر".
ولفت "الحلاب"، ويعني "المُهرب" باللهجة الجزائرية، إلى أن قرابة "5 آلاف حزمة من الملابس المستعملة تعبر الحدود التونسية الجزائرية أسبوعيا بطرق عديدة، منها ما يمر عبر الطرق المُعبدة بعد دفع رشوة لجمارك البلدين".
من جانبهم، أكد العديد من تجار الملابس المستعملة في العاصمة الجزائرية لـ"العربي الجديد" أن "السلع تصل إليهم إلى المحال في وضح النهار، وأن محالهم مفتوحة ليلا نهارا ولم يتعرضوا لأي تفتيش من طرف وزارة التجارة ولا من طرف الشرطة الجزائرية". ورفض التجار الكشف عن مصدر هذه الملابس المستعملة مكتفين بالقول إنها "جاءت من تونس عبر وسطاء يعرفونهم".
وإذ يصعب اليوم تحديد القيمة المالية لسوق الملابس المستعملة في الجزائر، إلا أن الخبير الاقتصادي جمال نور الدين يتحدث لـ"العربي الجديد" عن "حوالي 200 مليون دولار"، منها ما يبقى في الجزائر.
وأضاف أن "حوالي 350 مؤسسة مختصة في استيراد وتوزيع الملابس المستعملة أغلقت أبوابها منذ تجميد استيرادها، فيما يقدر عدد تجار التجزئة بحوالي 10 آلاف إن لم نقل أكثر". ويتوقع الخبير الجزائري أن تدفع الأزمة المالية التي تمر بها الجزائر بالحكومة إلى مراجعة هذا الملف.
وفي المقابل، قال الأمين العام للفيدرالية الجزائرية لعمال النسيج والجلد عمر تاكجوت إن "تجارة الملابس المستعملة تستحوذ على ما نسبته 35 بالمائة من إجمالي تجارة الملابس في الجزائر".
ولفت تاكجوت إلى وجود ما أسماه بـ"المافيا الداخلية والخارجية"، تنضوي تحت غطاء شخصيات في أحزاب سياسية، تمارس ضغوطا على الحكومة لإلغاء قرار توقيف نشاط استيراد وتسويق الملابس المستعملة فوق التراب الجزائري، لما لها من مصالح في هذا النوع من التجارة".