الجزائر: خسائر الحرائق والتغيّر المناخي تثير جدلاً حيال جدوى برامج حماية البيئة

17 اغسطس 2021
خسائر اقتصادية كبيرة خلفها أكثر من 250 حريقاً في أكثر من 15 ولاية جزائرية (فرانس برس)
+ الخط -

الحرائق المتعددة التي أصابت الجزائر في وقت واحد، وما تسببت به من خسائر في الأرواح والممتلكات والاقتصاد، تثير جدلا واسع النطاق حيال جدوى البرامج والخطط التي وضعتها السلطات من أجل تعزيز حماية البيئة إزاء التغيّرات المناخية.

ولم تسلم الجزائر من مئات الحرائق، في موجة غير مسبوقة في تاريخ البلاد، وتؤكد الحكومة أن للعامل البشري اليد الطولى فيها، إلا أن العوامل المناخية وما صاحبها من جفاف واحتباس حراري زادت من وقعها، ما يُعيد بعث الأسئلة حول مسقبل البيئة، ومدى حد القوانين والدولة لانبعاث الغازات، ودعم الاقتصاد الأخصر الذي يبقى حبرا على ورق.

وتصاعد، منذ 9 أغسطس/آب الحالي، أكثر من 250 حريقا عبر أكثر من 15 ولاية في الجزائر، مخلفة أكثر من 15 ألف هكتار من الأراضي المحروقة، ومتسببة بوفاة 68 شخصا.

وتأتي حرائق الجزائر في سياق موجة من الحرائق تشتد حاليا في بعض من دول البحر الأبيض المتوسط. فتونس مثلا اندلعت فيها عشرات الحرائق خلال الأيام القليلة الماضية، ومن قبلها اشتعلت الحرائق في تركيا واليونان ولا تزال مستمرة، وقبلها الجنوب الفرنسي، والشرق الإسباني شهد حرائق كبيرة مطلع الشهر الحالي.

وكانت الجزائر قد استبقت الأحداث قبل سنوات، وأطلقت العديد من الورشات القانونية والتنموية، قصد حماية البيئة والحد من انبعاث الغازات، خاصة الصناعية، كما لم تتأخر في توقيع اتفاق باريس حول المناخ.

في السياق، يقول عبد الهادي تيباركي، مدير التخطيط والدراسات في وزارة البيئة، إن "الجزائر تشهد على غرار بلدان الحوض المتوسط تزايدا للظواهر المناخية القصوى، يميزها تغير نظام المغياثية (تساقط الأمطار والثلوج وغيرها) وتأخر الفصول، مما يستدعي تطوير استراتيجية ملائمة لتقليص الآثار السلبية لهذه التغيرات. السيناريوهات المقبلة للمناخ تتوقع تزايدا للظواهر المناخية القصوى تمس عدة قطاعات حساسة، ما قد يكون له أثر على المستوى الاجتماعي-الاقتصادي".

وأوضح تيباركي، لـ"العربي الجديد"، أنه "خلال الـ30 سنة الأخيرة، لم تعد ذروة المغياثية تسجل بالضرورة خلال فصل الشتاء، ففي الجزائر العاصمة مثلا كانت كميات الأمطار المسجلة خلال فصل الشتاء قبل العام 1990، أكثر بـ12 مرة إلى 20 مرة قياسا بالمستوى المسجل سنة 2020".

لجان وبرامج

وفي العام 2015، أنشأت الجزائر "اللجنة الوطنية للمناخ" كلفتها بمتابعة استراتيجيات مكافحة التغيرات المناخية وتأثيراتها على التنمية، يترأسها الوزير المكلف بالبيئة، وتتكون من ممثلي 18 وزارة، في مقدمتها وزارة الشؤون الخارجية ووزارة الداخلية والجماعات المحلية ووزارة الطاقة ووزارة الصناعة والمناجم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إضافة إلى ممثل عن المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي.

وتطمح الجزائر إلى المساهمة في خفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري ما بين 7% و22% مع حلول العام 2030، بالاستفادة من تمويلات خارجية، مع خفض 7% منها اعتمادا على الوسائل المحلية.

كما وضعت الحكومة "المخطط الوطني للمناخ" سنة 2017، من أجل دمج النشاطات المتعلقة بتغير المناخ، ووضع دراسات تحليلية لمخاطر الهشاشة المناخية، وتحليل مخاطر قطاع الموارد المائية.

كما صادقت الحكومة في مارس/آذار 2019، على "مخطط بعث الاقتصاد الأخضر"، بتمويل عمليات الفرز عند المصدر، والرسكلة (التدوير)، ودعم الصناعات التحويلية، وتشجيع الاستثمار في مجال النفايات من أجل ضمان التحكم في التأثير البيئي وتقنيات المعالجة، ووضع إعفاء ضريبي للشركات الصناعية التي تلتزم بخفض انبعاث الغازات المضرة بالبيئة والنفايات الكيميائية.

إشكال في تطبيق آليات التمويل

إلا أن الإشكال بالنسبة لخبراء المناخ والبيئة لا يكمن في النظام التشريعي، بل في تطبيق القوانين والآليات التقنية والتمويل.

وهو ما ذهب إليه الخبير المناخي ومدير "نادي المخاطر الكبرى"، البروفيسور عبدالكريم شلغوم، الذي أكد لـ"العربي الجديد" أن "الجزائر لا تملك آليات المراقبة الدورية لانبعاث الغازات والنفايات السائلة والغازية من المصانع ولا أجهزة قياس الغازات في الهواء، ولم تضع بعد أجهزة إنذار مبكر لتخطي المؤشرات الخطوط الحمراء، وفي المقابل أيضا لا توجد قوانين رادعة للمتسببين في تدهور البيئة، حتى الشركات العمومية لا تحترم القوانين".

وأضاف الخبير المناخي أن "الحكومة مطالبة بالانتقال من الإطار النظري إلى الإطار العملي الميداني، فالحرائق الأخيرة أكدت أن الوضعية البيئية جد متدهورة، حيث نشهد جفافا غير مسبوق وحرائق كبيرة ونقصا في تساقط الأمطار، واختلالا في الفصول السنوية، لذا يجب التحرك لمراقبة المصانع، ونحن لا نمتلك اقتصادا صناعيا كبيرا لا يمكن مراقبته، وبالتالي فإن استدراك الوضع لا يزال ممكنا، ويجب فقط توافر التمويل والإرادة السياسية".

المساهمون