تزداد نسب تشغيل الأجانب المهاجرين في الجزائر؛ فبعدما كان الأمر يقتصر على الصينيين في مجال البناء، اتسعت دائرة العمالة الأجنبية لتشمل اللاجئين من الدول الأفريقية والسوريين وحتى الأتراك الذين باتوا يعرضون خدماتهم في مختلف المجالات خاصة في صناعاة المنسوجات والأطعمة وتشطيب العقارات.
ويثير ذلك قلقاً في هذا البلد ذلك لأنه قد يساهم في اتساع دائرة البطالة في أوساط الجزائريين. وقد تحولت الجزائر من دولة عبور إلى الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، إلى دولة إقامة للمهاجرين الهاربين من الحروب والفقر خاصة في بلدان الساحل الأفريقي.
من النيجر ومالي وحتى نيجيريا، يصل آلاف المهاجرين إلى الجزائر، إذ تشير تقارير محلية إلى أن عددهم يفوق 50 ألف مهاجر، محطتهم الأولى في محافظة تمنراست الحدودية مع مالي والنيجر (2000 كلم جنوب العاصمة الجزائر).
أحمدو مامادو كونتي أحد المهاجرين المستقرين في الجزائر، روى لـ"العربي الجديد"، عن رحلته التي انتهت به في إحدى ضواحي العاصمة الجزائرية، والتي بدأت نهاية عام 2014 حين قرر مغادرة قريته الواقعة شمال مالي، بعد اشتداد الحرب بين الحركات الأزوادية والقوات الحكومية، حيث كان حلمه العيش في أوروبا وإنقاذ العائلة.
إلا أن أحلام مامادو كونتي في الوصول إلى أوروبا بدأت تتلاشى، واستقر به الحال في الجزائر، مشيرا إلى أنه يعمل مقابل 1000 دينار يومياً (8.6 دولارات)، وهي أجرة تجعل أصحاب الورش يفضلون تشغيل اللاجئين الأفارقة، بينما يطلب الجزائريون أجرا مرتفعا.
أضاف المهاجر المالي في حديث مع "العربي الجديد" أن "إقامته في الجزائر بطريقة غير شرعية تدفعه للعمل في أي مجال وكثيراً ما لا يتقاضى أجر يومه، إذ يهدده أصحاب الورش بإبلاغ الشرطة في حال ألح في المطالبة بأجره".
حالة مامادو هي عنوان يلخص حياة آلاف المهاجرين واللاجئين الأفارقة، الذين ينتظرون فرص عمل بأجور زهيدة. قصة مماثلة يرويها محمود النجيب وهو لاجئ سوري حلّ بالجزائر عام 2015، مشيرا إلى أنه منذ ذلك اليوم يشتغل في أحد المطاعم في تحضير "الشاورما " و"الكباب" والأطباق الشامية الأخرى.
يقول النجيب إنه يضطر إلى العمل يومياً لأكثر من 12 ساعة، دون انقطاع، بأجر يقل عن 300 دولار شهريا، مشيرا إلى أنه مجبر على العمل دون شروط وإلا فلن يجد ما يعيل به عائلته التي بصحبته.
وتحولت العمالة الأجنبية إلى ملاذ أصحاب المشاريع الذين يبررون تشغيلهم بعزوف الكثير من المواطنين عن العمل في العديد من المهن ويطلبون أجورا مرتفعة، بينما تشير البيانات الرسمية إلى ارتفاع معدلات البطالة بين المواطنين.
وقدرت وزارة العمل عدد العمال الأجانب المصرح بهم بـ 145 ألف عامل من 123 جنسية، حيث تأتي العمالة الصينية في المرتبة الأولى بتعداد بنحو 41 ألف عامل، ينشط أغلبهم في أعمال البناء.
يقول عمر رجيمي، مقاول بناء إن "العمالة الأجنبية أصبحت ما يبحث عنه أصحاب المشاريع، لأسباب عدة، أولها الوفرة، فالمقاول لا يضيع الكثير من الوقت لإيجاد عاملين لورشته عكس الماضي، حينما كان يضطر إلى البحث عن اليد الجزائرية التي تطلب ضعفي أجرة المهاجر".
لكن هذا الوضع يقلق الحكومة التي تخشى اتساع نطاق البطالة وتأثيرها على الاستقرار الاجتماعي. ويقول مدير التنظيم في الوكالة الجزائرية للتشغيل عبد المنعم لعياشي إن "الجزائر تسعى إلى تصفية وضعية اللاجئين العاملين بطرق غير رسمية".
وكانت نسبة البطالة قد بلغت 12% في نهاية 2019، بينما لم تكشف الحكومة منذ أكثر من عامين عن معدلاتها، فيما تشير جهات غير رسمية إلى أنها تلامس 20% حالياً متأثرة بأزمتي كورونا وتداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.
وفي مقابل الانتقادات الموجهة لتشغيل الأجانب، يرى الخبير الاقتصادي جمال نور الدين، أن "العمالة الأجنبية قدمت قيمة مضافة في بعض القطاعات كالبناء الذي يعاني نقصاً كبيراً في اليد العاملة، كما هو عليه الحال مثلا في مشاريع السكن الحكومية التي استعانت الحكومة باليد العاملة الصينية لإقامتها، وفي قطاع الخدمات خاصة المطاعم".