تترقب الجزائر ارتدادات الأزمة العسكرية بين روسيا وأوكرانيا على الأسواق والبورصات العالمية، وفي مقدمتها أسواق الطاقة التي تعد عصب الاقتصاد المحلي ومصدر العملة الأجنبية كونها تشكل جل صادرات البلاد، التي تعاني من عجز "مركب" من الموازنة العامة والخزينة العمومية والميزان التجاري.
ودفعت الحرب الروسية على أوكرانيا بأسعار النفط نحو الارتفاع في ظرف وجيز، لتقفز إلى أكثر من 130 دولارا، كما ارتفع النفط الجزائري "صحاري بلاند"، إلى 118 دولارا يوم الخميس الماضي، وهي عتبات لم يلامسها منذ يوليو/ تموز 2014، وسط توقعات بوصول أسعار النفط حاجز 200 دولار في حال تزايد مخاطر الحرب الروسية الأوكرانية.
ووفق هذه المعطيات الجديدة، فإن الخزينة العمومية الجزائرية ستستفيد من نحو 68 إلى 70 دولارا إضافية عن كل برميل نفط، إذا واصلت الأسعار في هذا المنحى، وهو السيناريو المرجح حسب مراقبين وبنوك دولية. وكانت الحكومة الجزائرية أسست موازنة سنة 2022 على سعرٍ مرجعي لبرميل النفط بـ 50 دولارا للبرميل الواحد، ما يعني أن كل دولار فوق هذا السعر يعتبر فائدة بالنسبة لحكومة أيمن بن عبد الرحمن.
وإلى ذلك، يتوقع الخبير في الطاقة ومدير معهد "إيمرجي" للأبحاث بباريس، مراد برور، أن "تكسب الخزينة العمومية حوالي 1.5 مليار دولار الشهر الحالي، وأقل بقليل شهر فبراير/شباط فقط كفارق بين السعر المرجعي في إعداد الموازنة العامة والأسعار في الأسواق".
وأضاف: "الآن لا ندري ما سيحدث مستقبلا ولا مدة هذا الانتعاش في الأسعار، مؤقتا هناك فائدة للجزائر التي تضررت كثيرا منذ 2014 بتراجع أسعار النفط".
وتابع الخبير الجزائري في حديث مع "العربي الجديد" أن "صادرات البلاد من النفط ارتفعت من 20 مليار دولار سنة 2020 إلى 34.5 مليار دولار السنة الماضية، إلا أن هذا لم يكن كافياً لإحداث توازن مالي، كما حدث سنة 2008 عندما لامس سعر النفط 148 دولارا ما قفز بعائدات الجزائر النفطية إلى 80 مليار دولار، فيما تبقى قضية الإنتاج أيضا مطروحة فالجزائر لا تزال عاجزة تقنيا عن رفع الإنتاج على الأقل بـ 30 بالمائة من الحجم الحالي الذي لا يتعدى 1.4 مليون برميل في أحسن الأحوال".
وجاءت التطورات الميدانية في شمال شرقي القارة الأوروبية بين روسيا وأوكرانيا، وما سبقها وصاحبها من تأثيرات على أسعار النفط، كمعجزة لم يحلم بها النظام الجزائري الذي يبدي عجزا لا يخفى عن أحد في تسيير شؤون البلاد الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، حسب مراقبين. ولكن في المقابل ستواجه الحكومة مخاطر التهام فاتورة الغذاء والعجز المالي لفوائض النفط الكبيرة.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي جمال نور الدين، إن "سعر القمح بلغ 1057 دولارا للطن، وللعلم في سنة 2021 استوردت الجزائر ما قيمته 2.38 مليار دولار من القمح، عندما كان سعره في حدود 350 دولارا للطن الواحد، وإذا بقي على هذا السعر واستوردنا العام الجاري نفس كمية 2021 سنتجاوز 7.5 مليارات دولار كواردات للقمح فقط".
وأشار إلى "ارتفاع فاتورة الحليب والدواء في ظل تواصل تهاوي الدينار، علما أن قيمة جميع واردات المنتجات الغذائية للجزائر في سنة2021 كانت 7.3 مليارات دولار".
وتعتبر الجزائر من بين أكبر الدول المستوردة للقمح اللين في العالم، وتعد فرنسا ممونها الرئيس بما قيمته 3 مليارات دولار من القمح سنويا. وتتعامل الجزائر لتوفير الكميات المطلوبة من القمح مع 20 دولة، في مقدمتها فرنسا، بالإضافة إلى الأرجنتين، وبولونيا وألمانيا وأوكرانيا والولايات المتحدة وكندا وروسيا.
وتابع نور الدين في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "العجز المركب الذي سجلته الجزائر في السنوات الأخيرة فاق 60 مليار دولار سنويا، منها 30 مليار عجز للخزينة العمومية و20 مليار دولار عجز في الموازنة والباقي عجز في ميزاني المدفوعات والتجاري.
وأضاف: "لذلك، الحديث عن انتعاش الاقتصاد بارتفاع أسعار النفط عالميا، يبقى كلاما سابقا لأوانه لأن الدين الداخلي يتراكم منذ 2014 بطريقة رهيبة ويحتاج سده إلى ضخ 120 مليار دولار على الأقل كدفعة أولى في الخزينة العمومية، وهذا مستبعد على المديين القريب والمتوسط".