نفذت النقابات المستقلة في الجزائر تهديدها، وشلت عدة قطاعات، احتجاجاً على قوانين عرضتها الحكومة على البرلمان، اليوم الثلاثاء، تتعلق بممارسة الحق النقابي وإنشاء النقابات المهنية وقانون ممارسة الحق في الإضراب والنزاعات المهنية.
ويترقب العمال موقف الاتحاد العام للعمال الجزائريين الموالي للسلطة، بعدما أبدى تحفظاً قبل أسابيع من القوانين الجديدة المُنظمة للنشاط النقابي، أتبعه بسكوت فُسِّر على أنه تراجع إلى الوراء تحت ضغط الحكومة.
وشنت 32 نقابة مستقلة ممثلة لعمال التربية والتعليم، بالإضافة إلى عمال الصحة والبريد والتضامن والإدارات (البلديات) ونقابة الأئمة وعمال الشؤون الدينية، إضراباً متجدداً، للضغط على الحكومة من أجل سحب مشاريع القوانين التي بادرت بها، وعرضتها على البرلمان للمناقشة، واصفة هذه الخطوة بـ"المرور بالقوة"، الذي سيعقّد الأمر أكثر.
وفي السياق، كشف رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية إلياس مرابط، أن "قرار شل المستشفيات والمدارس والبريد وغيرها من القطاعات، جاء بعد اجتماع تكتل النقابات الجزائرية قبل أسبوع لدراسة القوانين التي تقدمت بهم الحكومة، تحت غطاء إعادة تنظيم المشهد النقابي، وللأسف الحكومة صاغت القوانين دون استشارة النقابات المستقلة، ولا حتى النقابات الأخرى (المنضوية في الاتحاد العام للعمال الجزائريين) المساندة لها".
وأضاف: "كنا قد حذرنا الحكومة من مغبّة "المرور بالقوة"، وعرض القوانين على البرلمان يوم 28 فبراير/ شباط، ولكن لم نجد آذاناً مصغية لديها، ما اضطرّنا إلى شن إضراب مع وقفات احتجاجية".
وتابع مرابط في حديث مع "العربي الجديد" أنه "من حيث المحتوى، فإن مشاريع القوانين التي تقدمت بها الحكومة تقوض الحق النقابي، سواء بتشديد شروط إنشاء نقابة أو الشروط التعجيزية لشنّ إضراب، بالإضافة إلى منعنا من ممارسة السياسة، في وقت نجد أن الحق في العمل السياسي والنقابي حقوق دستورية لا يجوز المساس بهما".
وقال: "نحن نطالب بتجميد هذه القوانين، وفتح حوار مع الحكومة بحضور ممثلي الشعب، أي النواب، للوصول إلى أرضية تفاهم تسمح بصياغة قوانين جديدة تخدم العمال ولا تسلبهم مكاسب حققوها بعد نضالٍ طويل".
وكانت الحكومة الجزائرية قد عرضت على البرلمان مشروع قانون خاص بممارسة الإضراب، يتضمن حظر بدء أي إضراب عمالي قبل استنفاد وسائل الحوار والمصالحة والتحكيم، ويفرض وجود إشعار مسبق من قبل النقابات قبل 5 أيام على الأقل، ويتطلب وجوباً عقد جمعية عامة للعمال تُقرّ الإضراب.
كذلك عرضت الحكومة مشروع قانون ممارسة الحق النقابي، الذي يفرض اشتراطات صارمة للسماح بإنشاء النقابات، ويسمح للسلطات بحل النقابات، عبر الطرق القضائية، في حال ممارستها نشاطاً له طابع سياسي.
وتدافع الحكومة بقوة عن الإجراءات الجديدة المتضمنة، ويقوم وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، يوسف شرفة، منذ فترة بالترويج للقانونين، مؤكداً أن الهدف منهما منح المزيد من الحرية للعمل النقابي.
ويرى رئيس نقابة عمال التربية عبد الكريم بوجناح، أن "الإضراب والاحتجاج هو ما بقي للنقابات للتعبير عن رفضها لقانوني ممارسة الحق النقابي والوقاية من النزاعات الجماعية، موضحاً أن رفع نسبة التمثيل الوطني إلى 30 بالمائة شرط تعجيزي، مقابل متوسط 8 بالمائة معمول به دولياً".
ودخل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على خط الأزمة، مقدماً دعماً "سياسياً" للحكومة، حيث قال الجمعة الماضية في حوار مع ممثلي وسائل إعلام جزائرية إنّ "من حق النقابات أن تحتج، الدستور يسمح لها بذلك، ولا أحد يمنعها، لكن هل من المعقول أن تكون هناك 34 نقابة في وزارة واحدة (التربية)، هذا أمر غير منطقي، لا يمكن أن تجتمع مجموعة من الأفراد وتنشئ نقابة دون ضوابط".
وأضاف أن "العمل النقابي حق دستوري، ونحن في مرحلة إعادة ترتيب البيت، لذلك قررنا قانوناً جديداً ينظم العمل النقابي للحد من فوضى النقابات، وحق الإضراب مضمون أيضاً، لكن يجب تنظيم ذلك".
ويرسل موقف تبون مؤشراً واضحاً على عدم وجود أية نية لدى الحكومة لسحب القوانين رغم ضغط النقابات.
وينتظر أن ينتقل الجدل حول القوانين الجديدة إلى البرلمان الجزائري الذي يناقش على مدار 3 أيام مقترحات الحكومة، حيث سارعت الكتل البرلمانية إلى استضافة النقابيين لرصد تحفظاتهم ومطالبهم.
وإلى ذلك، كشف نائب برلماني عن جبهة التحرير الوطني (الأغلبية البرلمانية) زهير ناصري، أن "لجنة الصحة والعمل أدرجت 16 تعديلاً على القوانين التي تقدمت بها الحكومة، لا تمسّ المحتوى العام للقوانين، لكن تقلص المسافة بين الحكومة والنقابات في بعض القضايا التقنية وشروط ممارسة العمل النقابي وتخفيف بعض العقوبات على النقابيين، إذ لا يمكن أن نحول حقاً دستورياً إلى جريمة دون ضبطٍ واضح لما يجب أن يتفاداه النقابي في نشاطه".
وأضاف البرلماني الجزائري لـ"العربي الجديد" أن "النواب استمعوا إلى ممثل الحكومة، أي وزير العمل والتشغيل، واستمعوا أيضاً إلى ممثلي النقابات، ولدينا الآن المعطيات التي تسمح لنا بمناقشة القوانين وأخذ المواقف اللازمة دون أي "تسييس" للملف".