التونسيون يأملون في هدنة من الغلاء بعد سنوات عجاف

06 يناير 2025
أسعار الخضر الطازجة قفزت بنسبة 23.5% على أساس سنوي بنهاية الربع الثالث من 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه التونسيون تحديات اقتصادية مع ارتفاع الأسعار في 2024، مما أثر على القدرة الشرائية للطبقة الوسطى، ويأملون في تحسن الظروف المناخية وتأثير إيجابي للإجراءات الحكومية مثل تخفيض الضرائب وزيادة الرواتب.
- شهدت تونس تحسنًا في نسبة تساقط الأمطار وزيادة مخزون المياه، مما يبعث الأمل في استقرار أسعار الغذاء، مع أهمية دعم المنتجين المحليين لتحقيق الاكتفاء الذاتي.
- يظل البنك المركزي التونسي حذرًا من عودة التضخم، حيث يثبت سعر الفائدة عند 8%، مع قلق من تأثير السياسات النقدية على الاستثمار والنمو الاقتصادي.

يأمل التونسيون أن يكون عامهم الجديد أقل غلاءً، بعد أن اكتوت جيوبهم في 2024 بلهيب الأسعار، الذي طاول الغذاء والنقل وكل مستلزمات الحياة، الأمر الذي سبّب تهاوي القدرة الإنفاقية لطيف واسع من الطبقة الوسطى، التي طالما شكلت العمود الفقري للمجتمع.

ويتعلق الكثيرون بأمل تحسن العوامل المناخية وانحسار شبح الجفاف الذي رافق البلاد لمواسم متتالية، فضلاً عن ترقب انعكاسات حزمة الإجراءات الاجتماعية التي أقرتها السلطات على واقعهم المعيشي. ومع دخول أحكام قانون الموازنة الجديدة حيز النفاذ، ستنتقل الحكومة إلى تطبيق "سلم ضريبي جديد" يمكن طيفاً واسعاً من الأجراء (العمال) من تخفيض الضريبة على الدخل، فضلاً عن صرف القسط الثالث والأخير من اتفاق زيادة الرواتب الذي أبرمته السلطة مع الاتحاد العام التونسي للشغل عام 2022.

كذلك تسجل تونس منذ أسابيع تحسناً في نسبة تساقط الأمطار وزيادة مخزون الماء في السدود، الذي يعد من أهم أسباب طمأنة التونسيين على غذائهم، بعد أن سبّب الجفاف ارتفاع أسعار اللحوم والخضروات والفواكه الفترة الماضية.

بنبرة متفائلة يعبّر المواطن منجي بن شعبان (56 عاماً) عن أمله في أن يكون 2025 عام الوفرة والرخاء المعيشي، مشيراً إلى أن تداعيات الجفاف كانت قاسية جداً. ويقول بن شعبان لـ"العربي الجديد" إن الظروف المعيشية قست على التونسيين خلال السنوات الماضية، وإن الغلاء فاق قدراتهم على التحمل. ويضيف "لم يكن الوضع صعباً وخانقاً إلى هذا الحد من قبل، لقد اضطررنا إلى الوقوف في طوابير للحصول على بعض المنتجات التي تدعمها الدولة، لكننا نترقب انفراجاً في الوضع هذا العام".

وكان غلاء أسعار الغذاء علامة بارزة لكامل عام 2024 رغم تراجع التضخم وفق البيانات الحكومية، حيث انخفض بنحو نقطتين مئويتين على أساس سنوي إلى 6.6% في نهاية الربع الثالث من العام الماضي، مقابل 8.5% في الفترة المناظرة من 2023 وفق بيانات معهد الإحصاء الحكومي.

وسجلت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً سنوياً بنسبة 8.5%، ويعود ذلك في الأساس إلى ارتفاع أسعار الخضر الطازجة بنسبة 23.5% وأسعار لحم الضأن بنسبة 20.5% والدواجن بنسبة 18% والفواكه الجافة 15% والأسماك الطازجة 12.7% وأسعار لحم البقر بنسبة 9.7%.

يعتقد الخبير الاقتصادي ووزير التجارة السابق محسن حسن، أن مكافحة الغلاء وتحقيق تطلعات التونسيين بخفض الأسعار يحتاجان إلى العمل على تحقيق الوفرة، معتبراً أن نقص السلع في الأسواق خلال الفترة الماضية كان من العوامل المحفزة لتضخم الأسعار وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين.

يقول حسن لـ"العربي الجديد" إن نزول الأمطار يحفز زيادة الإنتاج الزراعي والانطلاق في إصلاح المنظومات الغذائية لجعلها أكثر صموداً أمام الانحرافات المناخية، مشيراً إلى ضرورة توفير التمويلات اللازمة لبناء منظومات غذائية مستدامة وصلبة تحمي البلاد وجيوب التونسيين مستقبلاً من ارتدادات العوامل الخارجية المسببة للغلاء، على غرار الحروب وأيضاً التداعيات المحلية للجفاف. ويضيف: "يجب أن تذهب الدولة أيضاً إلى دعم المنتجين مباشرة لأنهم الأداة الأساسية لخلق الوفرة وتحقيق الكفاية الذاتية من السلع الأساسية الأقل ثمناً وكلفة".

ومقابل تفاؤل التونسيين بعام أقل غلاء يواصل البنك المركزي التونسي الحذر من تصاعد التضخم مجدداً، وتُبقى تدابيره في دائرة الاحتراز بتثبيت سعر الفائدة الأساسي عند مستوى 8% بهدف الحد من الاستهلاك. لكن أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي، يرى أن التضخم لم ينجم عن الإفراط في الطلب والاستهلاك بقدر ما هو ناتج عن نقص في العرض والإنتاج.

يقول الشكندالي لـ"العربي الجديد" إن عراقيل عدة تعيق الاستثمار الخاص، وخلق الثروة نتج عنه خلل في سوق السلع والخدمات ما أدى إلى زيادة الأسعار، معتبراً أن اتباع البنك المركزي التونسي سياسة الفائدة المرتفعة أو السياسة النقدية الحذرة يزيد في خنق الاستثمار الخاص، وسيقلّص فرص خلق الثروة ويعترض بلوغ هدف نمو اقتصادي بنسبة 3.2% العام الجاري، ومن ثم سيسهم في ارتفاع معدّلات التضخم المالي وفق تقديره.

ولا يتوقع الشكندالي تأثيراً لأقساط الزيادة الجديدة في رواتب التونسيين على نسب التضخم بخلاف ما يتحسب منه البنك المركزي، مؤكداً أن هذه الزيادات ستكون بوتيرة أقل من التضخم المالي. ويرى أن المسار المستقبلي للتضخم سيعتمد بشكل كبير على تطور أسعار المواد الأساسية والمواد الخام دولياً، والقدرة على إدارة اختلالات المالية العمومية.

وبات التقشف الإجباري في تونس عابراً لبوابات الزمن نتيجة النمو الباهت للاقتصاد المجلي، وتعثر السلطات في محاصرة أسباب الضعف الذي لازم مختلف الأنشطة، ما انعكس على معدلات البطالة ومستويات المعيشة. وخلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي لم يتجاوز معدل النمو الاقتصادي 1%، بينما صعدت مستويات البطالة إلى 16% لتشمل 667 ألف تونسي لا يزالون ينتظرون في طابور العاطلين بحثاً عن فرص عمل.

المساهمون