تسود حالة من الضبابية التوقعات بشأن سوق النفط منذ بدء العام الجديد في ظل عدم وضوح الرؤية بشأن التوترات الجيوسياسية المستمرة، من الحرب الروسية الأوكرانية مروراً بالعدوان على غزة، ووصولاً إلى تصاعد هجمات الحوثيين على السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر، إلى جانب وفرة المعروض من الدول خارج مجموعة "أوبك+"، ومؤشرات التعافي الاقتصادي في الصين، ما دفع معظم المؤسسات البحثية إلى التحفظ في توقعاتها لأسعار النفط.
وفي هذا الإطار، أعلنت إدارة معلومات الطاقة الأميركية عن توقعات بأن يكون متوسطُ سعر خام برنت عند ِ84 دولاراً في النصف الأول من 2024، وعند 83 دولاراً للعام بأكمله، وذلك مقارنة بتوقعاتها السابقة للعام الحالي عند 93 دولاراً، فيما خفض بنك باركليز توقعاته لأسعار برنت إلى 93 دولاراً، بانخفاض 4 دولارات عن توقعاته السابقة.
ويتوقع بنك ING أن تكون أسعار برنت قريبة من 80 دولاراً في النصف الأول من 2024، على أن تتحسن إلى 91 دولاراً في النصف الثاني، مع تحول السوق إلى عجز المعروض، بينما أعلن بنك جي بي مورغان توقعات أكثر تشاؤماً، إذ يتوقع معدل 83 دولاراً لسعر برميل برنت في 2024، حسبما أوردت وكالة "رويترز".
كما خفض بنك غولدمان ساكس سقف توقعاته بما يتراوح بين 80-81 دولارا لخام برنت، فيما تعتقد وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال" أن سعر 85 دولارا للبرميل يبدو أكثر ملاءمة.
ويشير الخبير الاقتصادي والمستشار المالي، علي أحمد درويش، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أن توقعات سوق النفط وأسعاره بالعام الجديد ترجح بعض التجاذبات بين صعود وهبوط نتيجة عدم الاستقرار في المنطقة بعدما ارتفعت وتيرة الصراعات فيها بشكل كبير، خاصة في نهاية العام 2023.
ويضيف درويش أن الترجيحات تشير إلى دوران أسعار النفط حول 80 دولارا للبرميل، مشيرا إلى أن ذلك يرتبط بنسبة النمو العالمي؛ لأن الانتعاش يساعد في زيادة الإنتاج النفطي وبالتالي زيادة الأسعار حسب الطلب، غير أن الترجيحات تصب في عدم حدوث تغيرات جذرية بسعر الصرف أو بأسعار النفط صعودا وهبوطا.
غير أن عدم وجود أفق لنهاية الحرب في غزة أو في جنوب لبنان حتى الآن من شأنه أن ينعكس على دول الخليج، التي تتأثر اقتصاداتها بأسعار النفط بشكل مباشر، بحسب درويش، خاصة أن سمة الاستقرار الاقتصادي هي السائدة فيها بهذه المرحلة، نتيجة استقرار بالإنتاج وارتفاع أسعار النفط.
ويشير الخبير في الاقتصاد السياسي، الأمين العام للاتحاد الجزائري للاقتصاد والاستثمار، عبدالقادر سليماني، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن العديد من العوامل تتحكم في توقعات سعر النفط لعام 2024، خاصة مع استمرار أزمة أوكرانيا وتداعيات الحرب على غزة وتصاعد هجمات الحوثيين في البحر الأحمر.
ويوضح سليماني أن أكثر من 50 في المائة من واردات الخليج ومن صادراته النفطية إلى الأسواق العالمية تمر عبر مضيق باب المندب، ولذا فإن هجمات الحوثيين أول الأسباب المهددة لبقاء أسعار النفط فوق مستوى الـ 85 دولارا للبرميل، حسب تقديره.
أما بالنسبة للأسباب الاقتصادية المؤثرة بأسعار النفط، فيشير سليماني إلى معدل الطلب الذي تقدره العديد من مراكز البحوث العالمية بنحو 140 مليون برميل يوميا عام 2024، يعني زيادة في الطلب مقارنة بالعام الماضي، الذي شهد طلبا على النفط في حدود 102.5 مليون برميل يوميا.
وفي السياق، يلفت سليماني إلى ترجيحات باستعادة الاقتصاد الصيني عافيته في العام الجديد، ما سيؤثر إيجابا في نمو في الاقتصاد العالمي، خاصة أن الصين تمثل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ما يعني زيادة في الطلب على النفط.