أصبح جيش الاحتلال الإسرائيلي بقيادة وزير الدفاع بني غانتس على أتم الاستعداد والتأهُّب لتوجيه ضربة عسكرية لإيران في أي لحظة بهدف تعطيل البرنامج النووي الإيراني لوقت طويل في حال وصول المساعي الدبلوماسية إلى طريق مسدود، إذ صادقت اللجنة المالية في الكنيست، يوم 23 ديسمبر/ كانون الأوّل 2021، على ميزانية الدفاع الإضافية للتجهيز والتدريب يبلغ قيمتها نحو 9 مليارات شيكل، أي ما يعادل 2.9 مليار دولار، وكشفت الصحف الإسرائيلية أنّ رئيس الوزراء نفتالي بينت ووزير الدفاع غانتس لم يُدرجا هذه الميزانية في ميزانية الدفاع البالغة قيمتها 58 مليار شيكل (18.65 مليار دولار)، التي تمَّت الموافقة عليها في وقت سابق لعام 2022.
ووفق بيانات الجيش الإسرائيلي، فإنّه سيتمّ تخصيص ملياري شيكل (642.96 مليون دولار)، من ذلك المبلغ الإضافي لشراء أسلحة وذخيرة جديدة للتعويض عن تلك التي تمَّ استخدامها في الحرب الإسرائيلية الرابعة على قطاع غزة في مايو/ أيّار 2021، وسيتمّ تخصيص مليار شيكل (321.48 مليون دولار)، لصالح الأشخاص ذوي الإعاقة في الجيش الإسرائيلي، كما ستتمّ إضافة ما بقي من المبلغ الإضافي إلى ميزانية الدفاع المعتمدة مسبقاً للتحضير لهجوم محتمل ضدّ إيران وتكثيف الهجمات في سورية وتعزيز قدرات الجيش.
تستمرّ إسرائيل في نفخ ميزانية الدفاع تحت ذريعة التهديد الإيراني، ولكن الكثير من الإسرائيليين يضعون كل شيكل يُخصَّص للإنفاق العسكري تحت المجهر، فقد تراجعت ثقة الجمهور الإسرائيلي في كيفية إدارة جيش الدفاع الإسرائيلي للميزانية الممنوحة له، إذ تشير نتائج استطلاع الرأي، الذي أجراه مركز الأمن والديمقراطية ومركز عائلة "فيتربي" للرأي العام وبحوث السياسات التابع للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية، والذي شمل 1003 مشاركين تزيد أعمارهم عن 18 عاماً، إلى أنّ 31 بالمائة من المستجوبين فقط عبَّروا عن رضاهم عن الإدارة الموازناتية والمالية لجيش الدفاع الإسرائيلي في سنة 2021 مقارنة بـ32 بالمائة في سنة 2019.
ترغب إسرائيل في تحقيق نصر واضحٍ وحقيقي في أقرب وقت وبأقلّ قدر من الخسائر، لذلك فهي تسعى جاهدة لإقناع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالتعاون معها عسكرياً ليس فقط لتكبيل الطموحات النووية الإيرانية، بل أيضاً للقضاء كلياً على إيران التي تهدِّدها في عقر دارها.
لكن ما يربك حسابات إسرائيل هو تهيئة الشعب الإسرائيلي لتلقِّي الردّ الإيراني الانتقامي والحتمي، إذ تدرك إسرائيل ارتفاع عدد الصواريخ التي يمكن أن تنشرها إيران بمجرَّد شنّ هجوم عدواني عليها، وتعي جيداً القدرة التدميرية لتلك الصواريخ التي قد تخلِّف عدداً كبيراً من القتلى في المدن الكبرى والمناطق الريفية، كما أنّها على دراية تامة بالعواقب الخطيرة والكارثية لتهوُّرها على إيران من ناحية ضرورة الاستعداد لحالة استنفارٍ قصوى تشمل إجلاء المدنيين، والتعامل مع كل أنواع الخسائر، والتهيُّؤ للشلل الذي سيصيب النشاط الاقتصادي.
لم يحصل الجيش الإسرائيلي على الضوء الأخضر بعد لشنّ ضربة عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية، وحتى لو حظيت إسرائيل بالدعم الدولي فإنّها ستتورَّط في حرب استنزاف تكلِّفها خسائر مادية فادحة، وهي تعلم أيضاً بأنّ الولايات المتحدة التي تتمتَّع بقدرات عسكرية أكبر بكثير من قدراتها، لن تقوم بالعمل نيابة عنها، فأميركا مشغولة الآن بأهدافها في آسيا وتتحاشى قدر الإمكان الانجرار نحو مسار تصادمي مع إيران.
صحيح أنّ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني 2021 قد خلق أجواء التفاؤل والاطمئنان التي خيَّمت على إمكانية إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، التي انسحب منها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في مايو/ أيّار 2018، ولكن سرعان ما تبدَّدت تلك الآمال وتلاشت بسبب تمسُّك إيران برفع كافة العقوبات الاقتصادية وطلبها ضمانات أميركية بعدم الانسحاب مجدَّداً من الاتِّفاق، بالإضافة إلى تمكينها من بيع نفطها بسهولة وتحويل عوائده بالعملات الأجنبية إلى حسابات مصرفية تابعة لها من أجل استخدامها في تعزيز وتنشيط أداء مختلف القطاعات الاقتصادية.
من جهتها، تمكَّنت إيران من بناء ترسانة ضخمة من الصواريخ بعيدة المدى التي يمكن أن تصل بسهولة إلى أيّ نقطة في إسرائيل، وقامت بتخصيب المزيد من اليورانيوم منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي. فقد أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الدول الأعضاء، في تقريرها الفصلي، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، بأنّ إيران لديها مخزون يُقدَّر بـ17.7 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء انشطاري تصل إلى 60 بالمائة، بزيادة قدرها 8 كيلوغرامات منذ أغسطس/ آب 2021. كما أكَّدت الوكالة عدم قدرتها على التحقُّق بشكل دقيق من كمية اليورانيوم المخصب التي تحوزها إيران بسبب القيود التي فرضتها على مفتِّشي الهيئة الأممية منذ منتصف فبراير/ شباط 2021.
تقف الرؤية الصهيونية الأنانية وراء التعنُّت الأميركي بشأن التخفيف من العقوبات الأميركية الذي سيمنح إيران إمكانية الوصول إلى مليارات الدولارات من عائدات النفط المجمَّدة في الحسابات الأجنبية، وسيسمح لها ببيع كميات أكبر من النفط تفوق المليون برميل يومياً التي تُصدِّرها حالياً والتي يذهب نصفها إلى الصين، وسيُمكِّنها من دعم العملة الإيرانية التي وصلت إلى مستويات متدنية، وكذا التقليل من التضخّم الساحق الذي يُسهِّل انزلاق ملايين الإيرانيين من الطبقة الوسطى إلى براثن الفقر.
لكن ما يربك حسابات إسرائيل هو تهيئة الشعب الإسرائيلي لتلقِّي الردّ الإيراني الانتقامي والحتمي، إذ تدرك إسرائيل ارتفاع عدد الصواريخ التي يمكن أن تنشرها إيران بمجرَّد شنّ هجوم عدواني عليها، وتعي جيداً القدرة التدميرية لتلك الصواريخ التي قد تخلِّف عدداً كبيراً من القتلى في المدن الكبرى والمناطق الريفية، كما أنّها على دراية تامة بالعواقب الخطيرة والكارثية لتهوُّرها على إيران من ناحية ضرورة الاستعداد لحالة استنفارٍ قصوى تشمل إجلاء المدنيين، والتعامل مع كل أنواع الخسائر، والتهيُّؤ للشلل الذي سيصيب النشاط الاقتصادي.
خلاصة القول أنّه ينبغي على واشنطن التي تتبجَّح بالحرص على إرساء السلام في الشرق الأوسط، الذي لا يحتمل المزيد من الصراعات، أن تستخدم نفوذها لإقناع إسرائيل بالامتناع عن التصريحات والأعمال الاستفزازية التي لن تزيد إيران إلّا إصراراً وتصميماً على مواقفها وقراراتها.