يعيش اليمنيون على وقع صدمات قاسية وسط معاناة متزايدة من دورة ديون مفرغة في ظل زيادة أسعار المواد الغذائية والطاقة وبالتالي ارتفاع التضخم وسط انخفاض الدخل وفرص العمل، مما يساهم في تدهور مستويات انعدام الأمن الغذائي.
ويواصل التضخم فرض ضغوط كبيرة على الأسر اليمنية وخاصة الفقيرة التي تصل نسبة نفقاتها على الغذاء إلى 90% من مجموع نفقات المعيشة في الوقت الذي يستورد اليمن 99% من القمح، و95% من زيوت الطبخ و100% من الأرز والسكر و70% من منتجات الألبان، وفق بيانات رسمية.
ويؤكد تقرير اقتصادي رسمي صادر حديثاً اطلعت عليه "العربي الجديد"، أن زيادة أسعار الغذاء والطاقة تلحق الضرر بالفقراء في اليمن، مما يؤدي إلى تأثر ما يزيد على 24 مليون يمني (83% من السكان) بأزمات غذائية.
ويتوقع التقرير الصادر عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية التابع لوزارة التخطيط اليمنية بالتعاون مع "اليونيسف"، أن تؤدي الحرب الروسية الأوكرانية إلى تفاقم حدة الفقر في اليمن، فالسكان المعرضون للمعاناة سيتعرضون للسقوط في براثن الفقر المدقع، في حين قد يؤدي ارتفاع التضخم إلى زيادة عدد الفقراء في اليمن بمقدار 6 نقاط مئوية، في حين يقدرها مراقبون بأكثر من ذلك.
ويرى الباحث الاقتصادي منير القواس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن اليمن قادم على فترة قاتمة في ظل تأزم العملية السياسية وضبابية مستقبل الهدنة التي كانت على وشك فتح الملف الاقتصادي قبل أن تصل إلى طريق مسدود بسبب التعنت الحاصل في حلحلة ملف الطرقات.
ويؤكد القواس أن ذلك يترافق مع انخفاض التمويل الدولي للاحتياجات الإنسانية في اليمن مع توسع الأزمات الاقتصادي وهو ما سيضاعف معاناة اليمنيين والذين يفقدون الهامش الذي كان لا يزال متاحاً في سبل العيش.
وحسب بيانات صندوق النقد الدولي في 19 أبريل/ نيسان 2022 بلغ متوسط التضخم، (أسعار المستهلك) في اليمن حوالي 22.3 عام 2021 بعد تعاف طفيف من تأثيرات جائحة كورونا، ومن المتوقع أن تؤدي الحرب الروسية الأوكرانية إلى زيادة معدل التضخم بنسبة 45% عام 2022. ويرجع ذلك أساساً إلى ارتفاع أسعار الوقود والغذاء العالمية، حيث تعتمد اليمن بشكل كبير على الواردات الغذائية وغير الغذائية.
واستنادا إلى قاعدة بيانات التوقعات الاقتصادية العالمية الصادرة عن صندوق النقد الدولي في أبريل/ نيسان الماضي 2022، فقد انكمش الاقتصاد اليمني بنسبة -8.5% في عام 2020 وانخفضت حدة الانكماش إلى -2.0% عام 2021. فيما كانت تشير التوقعات الأولية للعام 2022 إلى تحقيق معدل نمو 3%.
ويعتقد باحث في الاقتصاد الاجتماعي، ماهر سرور، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التضخم لا يضغط فقط على الأسر اليمنية بل أيضا على الاقتصاد الوطني والتجارة ومختلف أنشطة الأعمال، إذ أن تأثيرات هذا الضغط الذي يحدثه التضخم في سبل العيش سيؤدي إلى تدهور الإنفاق وانخفاض القوة الشرائية إلى أدنى مستوياتها، ما ينعكس سلباً على القطاع التجاري ويؤدي إلى تضرر أنشطة الأعمال الصغيرة والمتوسطة.
يرى الباحث الاقتصادي منير القواس، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن اليمن قادم على فترة قاتمة في ظل تأزم العملية السياسية وضبابية مستقبل الهدنة التي كانت على وشك فتح الملف الاقتصادي
وترجح تقارير اقتصادية أن يؤثر الانخفاض المحتمل في الناتج المحلي الإجمالي على الطلب المحلي والدخل الكلي للبلد، مع ما يترتب على ذلك من عواقب سلبية على مستوى المعيشة، في بلد يعتمد على الاستيراد لتغطية احتياجاته الغذائية وغير الغذائية، إضافة إلى أن تغيرات سعر الصرف تنعكس بقوة على أسعار المستهلك وتآكل القوة الشرائية، وتنامي ظاهرة الفقر والجوع، وكل هذا يقود إلى تدني الإنتاجية والدخل واتساع دائرة الفقر.
المحلل الاقتصادي صادق علي، يقول لـ"العربي الجديد"، إن الحديث أصبح أكثر عن الجوع ومخاطر توسعه بعد أن وصل الفقر إلى مستويات قياسية، فالأسر التي فقدت مصادر دخلها وتقلصت وجباتها اليومية وخيارات سبل عيشها وتوسعت ديونها لتوفير احتياجاتها السلعة، أصبحت في عداد الجياع في حين كثير منها كانت تعتمد على المساعدات الإنسانية الإغاثية التي بدورها تراجعت بشكل كبير منذ مطلع العام الجاري.
وحسب وثيقة النظرة العامة للاحتياجات الإنسانية في اليمن، من المتوقع أن تزداد الاحتياجات وتتكثف في عام 2022، مع تدهور السياق بشكل أكبر، على الأقل في ظل غياب تحسينات كبيرة في الاقتصاد اليمني وكذلك تدني تمويل الشركاء في المجال الإنساني والإنمائي، حيث يقدر أن 23.4 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى مساعدة إنسانية في عام 2022. وتمتد أهمية هذا الدعم إلى تهيئة الظروف للانتعاش والسلام على المدى الطويل.
كما أن تقديم الدعم العاجل لتغطية الاحتياجات التمويلية العاجلة في اليمن أمر بالغ الأهمية من أجل التصدي لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ومنع تزايد تدهور حالة انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية الحاد خلال العام الحالي جراء ارتفاع أسعار منتجات الطاقة وارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية التي تفاقم الوضع في البلاد. وحسب مراقبين، تعتبر هذه التطورات في غاية الخطورة خاصة مع ترسُخ توقعات ارتفاع معدلات التضخم، وهذا يتطلب الاهتمام بجدية بالأمن الغذائي على المديين القصير والمتوسط.