التسهيلات الاقتصادية الإسرائيلية لغزة: عصا وجزرة

18 يوليو 2022
أكثر من 200 ألف عاطل عن العمل في القطاع (عبد الحكيم أبو رياش/العربي الجديد)
+ الخط -

مع نهاية المواجهة الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والاحتلال، والتي أطلق عليها فلسطينياً اسم "سيف القدس" وإسرائيلياً "حارس الأسوار" العام الماضي، اتخذ الاحتلال إجراءات جديدة للتعامل مع الواقع في غزة.

وأعاد الاحتلال التلويح بورقة التسهيلات الاقتصادية أو ما يعرف بـ "العصا والجزرة" إلى جانب الاستراتيجية التي أعلن عنها والتي تستهدف الضغط على الفصائل الفلسطينية شعبياً وتعزيز حضور السلطة الفلسطينية عبر سلسلة من التسهيلات.

ولعل من أبرز التسهيلات التي روج لها الاحتلال خلال هذه الفترة إدخال المنحة القطرية بآلية جديدة خلافاً لتلك التي كانت قائمة، إلى جانب تصاريح العمل داخل الأراضي المحتلة، والسماح بتصدير محدود لبعض السلع للخارج، والموافقة على تنفيذ بعض المشاريع المعطلة نتيجة للحصار.

ورغم ما يعلن إسرائيلياً، فإن نتائج ذلك تبدو محدودة للغاية في ظل المماطلة في تنفيذ هذه الإجراءات وإدخالها سياسة التباطؤ وربط بعض الملفات ببعضها البعض، حيث يتبع الاحتلال سياسة "الأمن مقابل الاقتصاد". 

وخلال الشهور الماضية تلاعب الاحتلال بأعداد العمال المسموح لهم بالعمل داخل الأراضي المحتلة من خلال تعطيل بعض الأعداد تحت ذريعة إطلاق الصواريخ من غزة، أو عدم تجديد تصاريح انتهت لعمال والموافقة على آخرين.
ويصف مراقبون للشأن الاقتصادي في غزة ما يجري بأنها سياسة تستهدف إبقاء "رأس غزة فوق الماء" دون إحداث تنمية مستدامة أو حقيقية تنهي النتائج الكارثية التي أحدثها الحصار الإسرائيلي على مدار أعوامه الخمسة عشر وما رافقها من حروب وجولات تصعيد.

وحسب تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، فإن الوضع في قطاع غزة يمكن وصفه بالكارثي بعد 15 عامًا على حصار الاحتلال للقطاع برًا وبحرًا وجوًا، مما رفع نسبتي الفقر والبطالة ليكونا الأعلى في العالم.
في الأثناء، يقول رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين علي الحايك إن التسهيلات الاقتصادية المقدمة لغزة في المستوى المنخفض حيث لا تسهم في تحسين الواقع الاقتصادي على مستوى القطاع الخاص الذي تدمر بشكل شبه كامل.
ويوضح الحايك لـ "العربي الجديد" أن إجمالي ما يتم السماح بتصديره من منتجات القطاع الخاص في مختلف المنشآت الصناعية لا يتجاوز نسبة تتراوح ما بين 3 إلى 5% في أفضل حال وهو مستوى منخفض جداً مقارنة مع الحاجة للتصدير.
ووفقاً لرئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين، فإن المصانع العاملة في القطاع تعمل بقدرة محدودة للغاية نتيجة لإغراق السوق بالسلع المستوردة، ونقص المواد الخام إذ يتراوح معدل العمل لهذه المصانع ما بين يوم إلى يومين أسبوعياً فقط.
ويعتقد الحايك أن الحديث عن التسهيلات مجرد حديث إعلامي أمام بقاء عشرات السلع ضمن قائمة الاستخدام المزدوج، إضافة إلى السلع التي تحتاج إلى أذونات خاصة من قبل الاحتلال، عدا عن منع إدخال المعدات والآلات اللازمة.

ولا يتجاوز معدل دخل الفرد اليومي في غزة دولاراً أميركياً، في الوقت الذي يعمل فيه آلاف الشبان بأجور زهيدة تتراوح ما بين 20 إلى 30 شيكلاً إسرائيلياً عن كل يوم عمل، حيث تزيد ساعات العمل عن 12 ساعة، (الدولار= 3.49 شيكلات).
في موازاة ذلك، يقول رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين سامي العمصي، إن الحديث عن التسهيلات الاقتصادية المتعلقة بملف العمل داخل الأراضي المحتلة بالنسبة للقطاع يغلب عليه الطابع الإعلامي مقارنة مع ما يجري على أرض الواقع.
ويؤكد العمصي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن إجمالي من يحملون التصاريح هم 15400 عامل بصفة "احتياجات اقتصادية" منهم 2000 تاجر والبقية يعملون في مختلف القطاعات داخل الأراضي المحتلة عام 1948.

يقول رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين علي الحايك إن التسهيلات الاقتصادية المقدمة لغزة في المستوى المنخفض حيث لا تسهم في تحسين الواقع الاقتصادي على مستوى القطاع الخاص


وحسب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، فإن صفة احتياجات اقتصادية تحرم العمال حقوقهم العمالية أو تعويضاتهم حال تعرضوا لأي إصابات خلال العمل، ما يعني أن الاحتلال يتنصل من حقوقهم بكل الطرق.

ويشير إلى أن الأعداد التي تمت الموافقة عليها أقل بكثير من التفاهمات التي تم التوصل إليها والتي كانت تنص على 30 ألف عامل دفعة واحدة مطلع 2022، على أن يتم رفعه لاحقاً وهو الأمر الذي لم يتحقق حتى اللحظة.
ويلفت العمصي إلى أن الاحتلال يستخدم ملف العمل داخل الأراضي المحتلة بهدف ترويجه إعلامياً أمام العالم ليظهر في صورة تسهيلات اقتصادية واجتماعية، غير أن هذا الملف يعكس الواقع الاقتصادي والمعيشي المتردي في غزة.

ومنذ فتح باب العمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948، تقدم قرابة 100 ألف فلسطيني من القطاع للعمل، في الوقت الذي تزيد فيه أعداد المتعطلين عن العمل عن 220 ألف شخص، فيما ترتفع البطالة في صفوف الشباب إلى 60%.
في السياق، يصف الباحث المختص في الشأن الاقتصادي رائد حلس التسهيلات المقدمة من قبل الاحتلال بأنها "دعائية" يستهدف من خلالها تصديرها إلى الرأي العام الدولي والغربي بعد المواجهة الأخيرة مع المقاومة الفلسطينية.
ويقول حلس لـ "العربي الجديد" إن الحديث عن إدخال 15 ألف عامل للعمل داخل الأراضي المحتلة في الوقت الذي يوجد أكثر من 200 ألف آخرين بلا عمل يبقى بدون فاعلية حقيقية أو نتائج ملموسة تحسن الظروف القائمة.

ويؤكد أن الاحتلال يسعى لاستمرار سياسته الاقتصادية تجاه القطاع المتمثلة في توفير الحد الأدنى لها دون السماح بأي تنمية اقتصادية تسهم في تحسين الواقع الاقتصادي الذي تم تدميره بفعل تبعات الحصار والحروب والانقسام.
وبالنسبة للباحث في الشأن الاقتصادي، فإن ورقة التسهيلات ستبقى مرتبطة دائماً بملف التهدئة مع المقاومة الفلسطينية كأداة يحاول الاحتلال التلويح بها لمختلف الأطراف بمن في ذلك الوسطاء، دون نتائج حقيقية تنهي تأثيرات الحصار.

المساهمون