في ما اعتبر أكبر طرح في تاريخها، شهدت البورصة المصرية، الأسبوع الماضي، واحداً من أهم أحداثها خلال السنوات الأخيرة، حين طرح سهم شركة "إي فاينانس" الحكومية المتخصصة في التكنولوجيا المالية للاكتتاب العام، فوصلت قيمته إلى ما يقرب من 5.8 مليارات جنيه مصري (الدولار = 15.7 جنيهاً)، متجاوزاً قيمة طرح الشركة المصرية للاتصالات عام 2005، والذي بلغت قيمته وقتها 5.1 مليارات جنيه.
وبعدما جرت تغطية الاكتتاب بطلبات بلغت 61 ضعف عدد الأسهم المعروضة للبيع، قفز سعر السهم في أولى جلسات التداول مرتفعاً بنسبة 79%، قبل أن يتراجع قليلاً لينهي تعاملات اليوم على ارتفاع بنسبة تتجاوز 50%، ولتصل القيمة السوقية للشركة التي يتم حالياً تداول 26.1% من أسهمها في البورصة المصرية إلى نحو 33.6 مليار جنيه مصري، تعادل أكثر من ملياري دولار، احتلت بها المرتبة الثانية بين أكبر الشركات المصرية بعد البنك التجاري الدولي، أكبر وأهم شركة يجرى تداول أسهمها في البورصة المصرية.
وأعاد نجاح طرح الشركة الحكومية الأمل في تنفيذ قريب لبرنامج الطروحات الحكومية الذي طال انتظاره، إذ أعلنت الحكومة المصرية، في عام 2018، نيتها طرح نسب متباينة من أسهم أكثر من عشرين شركة لديها ملكية فيها، إلا أنها لم تنفذ إلا عملية واحدة تخص أسهم شركة الشرقية للدخان في عام 2019.
نجح طرح "إي فاينانس" في جذب طلب كبير من مستثمري الأسواق الناشئة الدولية وفي مجال التكنولوجيا المالية، إضافة إلى المستثمرين من المؤسسات والأفراد في دول الخليج
ونجح طرح "إي فاينانس" في جذب طلب كبير من مستثمري الأسواق الناشئة الدولية وفي مجال التكنولوجيا المالية، إضافة إلى المستثمرين من المؤسسات والأفراد في دول مجلس التعاون الخليجي والمحليين، وفقاً لمذكرة أصدرها بنك الاستثمار "رينيسانس كابيتال"، المدير المشارك للطرح.
ومع تداول السهم في البورصة المصرية، تعالت الأصوات ما بين منتقد ومدافع عن مثل تلك العمليات، كما يحدث دائماً مع كل طرح، ناجح أو فاشل، في مصر أو غيرها من دول العالم.
فمن ناحية، كان هناك مهاجمون غير مرحبين بتلك العمليات، اعتبروا أنها تسمح لأصحاب الأموال الساخنة من الأجانب بتحقيق معدلات ربحية شديدة الارتفاع على أموالهم، ليقوموا بعدها ببيع ما يمتلكون من أسهم، مع إعادة تحويل أموالهم، مضافاً إليها الأرباح التي تحققت، إلى الخارج، الأمر الذي يزيد من الضغوط على العملة المصرية، وربما على احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري.
وعلى الجانب الآخر، كانت هناك أصوات ترحب بمثل تلك العمليات التي يرون أنها تجلب عملة أجنبية للبلاد، وتساهم في تنشيط سوق الأوراق المالية وارتفاع القيمة السوقية للشركات، في وقتٍ تحتاج فيه البورصة المصرية إلى مثل هذه "المحفزات"، بعد العديد من التطورات السلبية التي ألمت بها خلال السنوات الأخيرة.
وفي حين لا يوافق هؤلاء على أن المستثمر الأجنبي سيبيع ما في جعبته من أسهم رابحة في الأيام الأولى للتداول، يتب الإشارة إلى أن المستثمرين الأجانب استحوذوا على ما يقرب من 72% من الأسهم المطروحة للبيع من شركة "إي فاينانس"!
تحدث نفس الأمور في الولايات المتحدة، وأسواق الأسهم فيها تعد الأكثر تطوراً على مستوى العالم، إذ لا يستطيع آلاف المستثمرين الشراء في الاكتتابات العامة، ولا يتم تقديم أي أعذار لهم، وقبل الاكتتاب، يوقع هؤلاء ما يفيد بأنهم يعون جيداً طبيعة تلك العمليات، التي قد يترتب عليها عدم حصول مقدم طلب الاكتتاب على أيّ أسهم.
أجلت الحكومة المصرية تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية على تعاملات البورصة للمرة الثالثة، بضغط من شركات السمسرة ومديري الصناديق وبنوك الاستثمار خوفاً من تراجع أرباحهم
ويحدث أيضاً أن ترتفع الأسعار في الساعات الأولى للتداول إلى أضعاف سعر الاكتتاب، وأحياناً يصل سعر السهم إلى عشرة أضعاف سعر الاكتتاب وربما أكثر.
ويحدث أيضاً أن يبيع المستثمرون الأجانب وصناديق التحوط وبنوك الاستثمار ما تمكنوا من الحصول عليه من أسهم بعلاقاتهم وتربيطاتهم، وأحياناً مجاملتهم لأصحاب الطرح، في الساعات الأولى للتداول، بعد تحقيق أرباح باهظة، وتظل هناك فئة تنتقد تلك التعاملات طوال الوقت، ممن يطلق عليهم "الاشتراكيين" من أعضاء الكونجرس من الحزبين.
لكن اللافت للنظر هو أنه في كثير من الأحيان تتسبب تلك الانتقادات والحوارات المجتمعية، بدعم من وسائل الإعلام المختلفة كما جماعات الضغط، في تعديل وتطوير القواعد المنظمة لتلك التعاملات، بما يحقق تطورات تكون عادة في صالح أغلب المواطنين.
وبعدما أجلت الحكومة المصرية تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية على تعاملات البورصة للمرة الثالثة، بضغط من شركات السمسرة ومديري الصناديق وبنوك الاستثمار خوفاً من تراجع أرباحهم، بدأت الأصوات المنددة بقرار بدء تطبيقها مطلع العام القادم تعلو من جديد، رغم أنها في أقصى حالاتها لن تتجاوز عشرة بالمائة من الأرباح المحققة.
ورغم تخفيض ضريبة الدمغة على التعاملات، وإلغائها في بعض الأحيان، ما زال الصراخ موجوداً في السوق المصرية، التي أكد البعض أن انهيار الأسعار فيها خلال الأسابيع الأخيرة يرجع بالأساس إلى "التوجه" نحو فرض تلك الضريبة!
وعلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية، تدور في ردهات الكونغرس الأميركي حالياً معركة بين تيارين في منتهى القوة والصبر، من أجل تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية على ما لم يتم تحقيقه من أرباح، إذ تشير التوقعات إلى الاقتراب من الموافقة على تقييم محافظ المستثمرين في نهاية العام وفقاً لسعر السوق لكلّ سهم، ومحاسبتهم على الأرباح حتى لو لم يتم البيع فعلياً.
يتم التحضير أيضاً لفرض ضريبة ثروة على كبار أثرياء الولايات المتحدة، الاقتصاد الأكبر في العالم ورمز الرأسمالية والأسواق الحرة
وبينما يتم التحضير أيضاً لفرض ضريبة ثروة على كبار أثرياء الولايات المتحدة، الاقتصاد الأكبر في العالم ورمز الرأسمالية والأسواق الحرة، يقول المدافعون عن هذا التوجه إن أغلب ما سيتم جمعه من ضرائب مقترحة في هذين البندين سيتم توجيهه لتمويل خطة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن لدعم الأسر الأميركية، التي يرى أنها تضررت كثيراً بسبب الجائحة، الأمر الذي يجعلنا نتساءل:
ألم نكن نحن أحق بتطبيق تلك الأنواع من "الضرائب الرحيمة" في بلدنا الذي يرقد ثلثه تحت خط الفقر الرسمي شديد الانخفاض، بينما يقترب ثلثه الآخر من النزول تحته؟ أم أنّ عشرة بالمائة ضريبة على ما يتم تحقيقه من أرباح سيكون طارداً للمستثمرين؟ أفلا تعقلون!؟