البنوك المركزية حائرة بشأن التعامل مع الموجة الثانية لفيروس كورونا

21 سبتمبر 2020
العاصمة الإسبانية مدريد الأكثر تضرراً من الجائحة (Getty)
+ الخط -

هل تنجو أسواق المال خلال ما تبقى من أشهر الموجة الثانية من جائحة كورونا، بات هذا هو السؤال الأبرز الذي يطارد المستثمرين في أنحاء العالم، خاصة أولئك الذين اشتروا الأصول الخطرة على أمل تحقيق أرباح ضخمة بعد السيطرة على الجائحة؟

حتى الآن تهدد الموجة الثانية معظم الدول الأوروبية والعديد من المدن الأميركية، إذ تبنت الدول الأوروبية، من الدنمارك إلى اليونان، منذ يوم الجمعة الماضي، إجراءات عزل جديدة لمنع تفشي الفيروس التاجي في المدن الكبرى، بينما تشير تقارير إلى أن بريطانيا قد تنفذ عملية إغلاق جديدة للاقتصاد وبإجراءات صارمة تصل الغرامة فيها إلى 13 ألف دولار للمخالفين.
وكشفت إسبانيا، يوم الجمعة، عن فرضها قيوداً مشددة على حرية التنقل ستطاول نحو 850 ألف شخص في منطقة مدريد، تمنع عملية الخروج من أحيائهم إلا لأسباب ضرورية، مثل التوجه إلى العمل أو زيارة الطبيب أو نقل أولادهم إلى المدارس. 
في هذا الشأن، قال توم مارتن، كبير مديري الاستثمار في بصندوق "غلوبال إنفستمنت" في أتلانتا بولاية جورجيا: "معدلات تفشي الفيروس تتزايد بسرعة في أوروبا وبات من الصعب السيطرة عليها". 
ووفقاً لمخاطر الموجة الثانية، تواصل أسواق المال العالمية التراجع، وربما ستتراجع أكثر خلال الأشهر التي تبقت من العام الجاري.
ويهدد التراجع الأصول الخطرة بالانهيار بعد توقف البنوك المركزية الكبرى عن ضخ المزيد من الأموال في تحفيز الاقتصادات والسوق المالي. إذ أعلن كل من مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) والبنك المركزي الياباني والبنك المركزي الأوروبي عن تعليق سياسات التحفيز النقدي والاحتفاظ بنسبة الفائدة الحالية لمدة ثلاث سنوات على الأقل. وكان "المركزي الصيني" قد علق سياسة التحفيز النقدي منذ يوليو/ تموز الماضي.
وبالتالي يتوقع خبراء أن تحاصر الموجة الثانية العديد من أدوات الاستثمار التقليدية، إذ من المتوقع أن تواصل الأسهم التراجع في أسواق المال الرئيسية، وكذلك أسعار النفط والسلع الأولية. وفي المقابل، فإن المستثمرين ربما سيهرعون مرة أخرى للبحث عن غطاء في الملاذات الآمنة في الذهب والفضة وبعض العملات الرئيسية. 

على صعيد العملات ربما سترتفع عملات الملاذ الآمن مثل الين الياباني والفرنك السويسري، كما أن اليوان الصيني سيستفيد من سيطرة الصين الجزئية على الجائحة. 
على صعيد العملة اليابانية، سجل الين أعلى مستوى في ستة أشهر أمام الدولار أمس الاثنين، محققاً مكاسب للجلسة السادسة على التوالي مقابل الدولار مستفيداً من مخاطر أسواق الأسهم ولجوء المستثمرين للين الياباني الآمن نسبياً مقارنة بالعملات الأخرى.
وينتاب المستثمرين حول العالم القلق من التراجع الكبير في مؤشرات سوق "وول ستريت"، خاصة الخسائر الضخمة التي تكبدتها أسهم شركات التقنية والهبوط المتواصل في أسواق الأسهم في آسيا وأوروبا أمس، وسط تضاؤل فرص التعافي العالمي من جائحة كوفيد19 التي فشل العالم حتى الآن في محاصرتها. 
على صعيد اليوان، يتوقع مصرف "غولدمان ساكس" أن يرتفع سعر صرف العملة الصينية إلى 6.5 مقابل الدولار خلال الـ12 شهراً المقبلة. كما يتوقع المصرف الاستثماري الأميركي أن تتمكن الصين من الانضمام في نهاية الشهر الجاري إلى مؤشر السندات السيادية العالمية التابع لمؤشر "فوتسي" البريطاني. 
وفي حال حدوث ذلك، فإن التدفقات الأجنبية على اليوان سترتفع في ظل ضيق القنوات الاستثمارية المتاحة لتريليونات الدولارات المحبوسة في خزائن المصارف التجارية الكبرى. ولدى المصارف الأميركية أكثر من 2.4 تريليون دولار في حساباتها تبحث عن قنوات آمنة للاستثمار. 
ويقدر "غولدمان ساكس" أن يساهم ذلك في تدفق الاستثمارات الأجنبية على الصين، ويقدر أنها ستكسب تدفقات تقدر بنحو 140 مليار دولار خلال العام المقبل. ويعد تدفق الاستثمارات الأجنبية على السوق الصيني من أهم ركائز دعم سعر صرف الين مقابل الدولار. وكان اليوان الصيني قد واصل الارتفاع خلال الأشهر الماضية إلى 6.8 يوان مقابل الدولار. وخلال الأسبوع الماضي أقر المركزي الصيني زيادة المرونة في تسويات السندات.

على صعيد الذهب، تتجه الأسعار نحو الارتفاع خلال ما تبقى من العام الجاري ولكن ربما بمعدلات متواضعة، حسب خبراء. ويعتمد حجم ارتفاع المعدن النفيس على تراجع مؤشر الدولار وحجم أموال التحفيز التي سيقرها الكونغرس الأميركي خلال هذا الشهر. وحسب بيانات "سي أن بي سي" الأميركية، ارتفع سعر الذهب خلال العام الجاري بنسبة 29% مستفيداً من سياسات التحفيز التي أقرتها البنوك المركزية وضخت بموجبها أكثر من 18 تريليون دولار في الأسواق العالمية. 
كما من المتوقع أن تتجه المصارف الغربية نحو ضخ المزيد من الاستثمارات في أسواق المال الناشئة بسبب ضيق القنوات الاستثمارية غير الخطرة في أوروبا وأميركا. في هذا الصدد، لاحظت وكالة رويترز في تقرير، أمس الاثنين، ارتفاع حجم مشتريات البنوك والصناديق الاستثمارية في سندات الدين بالدول الناشئة للأسبوع الـ11 على التوالي. وبالتالي فإن دولة مثل تركيا من المتوقع أن تشهد المزيد من التدفقات الاستثمارية الأجنبية خلال الأشهر المقبلة على الرغم من الانتقادات التي تتعرض لها من بعض وكالات التصنيف الائتماني العالمية. ولا يستبعد خبراء أن تعود الجاذبية لليرة التركية بعد الظروف القاسية التي عاشتها خلال العام الجاري وخسرت بموجبها نحو 20% من قيمتها. 
وتبحث البنوك التجارية الغربية عن عوائد وأرباح بعد تقليص عمليات الإقراض في مجالات عديدة كانت تكسب منها تلك البنوك الرسوم والفوائد، مثل القروض العقارية وقروض بطاقات الائتمان والقروض الشخصية وقروض الشركات. وكل هذه المجالات أصبحت خطرة في العالم الرأسمالي، كما أن الشركات توقفت عن خطط التوسع الاستثماري، وبدلاً من ذلك خفضت عدد موظفيها تحت وطأة التراجع في أسواق الصادرات التي كانت متاحة في أوروبا وأميركا وآسيا. 
على صعيد السندات السيادية، فإن البنوك التجارية باتت تتفادى الاستثمار أكثر في السندات الحكومية بالاقتصادات الكبرى، بسبب تراجع العائد عليها، إذ إن نسبة الفائدة تقارب الصفر في الولايات المتحدة وتقل عن الصفر في أوروبا، ومن المتوقع أن تواصل الحكومات العالمية الاستدانة لتمويل الإنفاق خلال العامين الجاري والمقبل. 
في هذا الشأن، يتوقع صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير، ارتفاع العجز في الميزانيات العالمية خلال العام الجاري إلى 14% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بنسبة 4% خلال العام الماضي. كما أن حجم الدين العالمي ارتفع إلى أكثر من 100% من إجمالي الناتج المحلي العالمي. 

أسواق
التحديثات الحية

على صعيد أسهم الشركات الكبرى، خفضت الشركات البريطانية استثماراتها بمعدلات كبيرة، حسب بيانات نشرتها صحيفة "فاينانشيال تايمز". وتشير تقارير بريطانية إلى أن قطاع الصناعة سينكمش خلال العام الجاري بنسبة 11% وربما ينمو بنسبة متواضعة خلال العام المقبل، 2021. وفي أميركا يلاحظ أن المستثمر العالمي وارن بيفت، المعروف بحرصه في اختيار المجالات الاستثمارية، باع خلال الأشهر الماضية أسهمه في قطاع البنوك وشركات الطيران. 
ويرى خبراء أن الموجة الثانية من الجائحة تحدث ارتباكاً كبيراً في قنوات الاستثمار وأسواق المال، كما تسحب الثقة من المستثمرين وسط الخيارات المحدودة المتاحة لديهم. وبالتالي فإن المستثمر بات أسيراً لتوجهات كورونا وتداعياتها على القطاعات الإنتاجية. إذ إن هنالك كثيراً من قطاعات الطيران والسفر والسياحة وبعض الأنشطة العقارية التجارية، مثل مباني المكاتب والفنادق والمنتجعات باتت قطاعات شبه منبوذة وسط إجراءات العزل الجديدة واحتمال عودة الاقتصادات الكبرى للإغلاق مرة أخرى.