البرازيل: مقطوعة فنية ساحرة

01 ديسمبر 2022
تتجاوز القيمة التسويقية للمنتخب البرازيلي حالياً 849 مليون يورو
+ الخط -

منذ صغري وكرة القدم تعني لي البرازيل. فرقة ساحرة لا تخلو من لاعبين حواة يتلاعبون بالكرة والخصوم كيفما شاءوا.
عندما كنا نلعب الكرة الشراب (مصنوعة من القماش والقطن) في الدورات الشعبية بالميادين والشوارع، نختار اسم البرازيل لفريقنا ونرتدي القميص الأصفر، لكي نرهب الفرق الأخرى. وكنا نقلد المهارات البرازيلية في المراوغة وتمرير الكرة من بين الأقدام ولعب الباصات الأرضية القصيرة.
لاعبو البرازيل نلعب مثلهم في الشارع، فهم يجيدون التحكم في الكرة، ويركزون على اللمحات الجمالية، فلا مانع من "كعب" تعلو معه آهات المشجعين، أو تمريرة من بين الأقدام تلهب حماس المتابعين.
نعم إنكلترا هي التي اخترعت كرة القدم، لكنّ البرازيل هي من جعلتها أجمل لعبة في العالم، بل حولتها إلى فنّ شعبي وراقٍ في الوقت نفسه يشاهده الكبار والصغار.

منتخب يقدم مقطوعة فنية متكاملة، كلما رأيته أدمنت مشاهدته وكأنك تسمع موسيقى بيتهوفن الهادئة، لكنّها في الوقت نفسه عاصفة. تخطف القلوب والعقول والأبصار.. وكنت أنا من بين هؤلاء المبهورين براقصي السامبا.

لو كان الأمر بيدي، لمنحت بيليه جائزة أوسكار في الإبداع، إلى جانب جائزة أفضل لاعب في تاريخ الكرة العالمية

لو كان الأمر بيدي، لمنحت بيليه جائزة أوسكار في الإبداع، إلى جانب جائزة أفضل لاعب في تاريخ الكرة العالمية من وجهة نظري، فلقد حول الركض بالكرة إلى أجمل رقصة في العالم. يرفع كأس العالم ثلاث مرات، إعجاز صعب تكراره.

وإن تكرر ورفع لاعب آخر كأس العالم 3 أو حتى 4 مرات في المستقبل، فلن يجعله ذلك أسطورة مبدعة مثل بيليه الذي كان يرقص بالكرة، بقدمه حيناً، وبرأسه أحياناً، وبكتفيه في أحيان أخرى. يلعب وهو يستمتع فيمتع الجماهير. كان سفيراً جميلاً للكرة في العالم. جعل مئات الملايين من الناس يعشقون كرة القدم من أجل فنه الساحر وعبقريته الكروية نادرة الحدوث.

سقراط، رونالدو، ريفيلينيو، زيكو، ريفالدو، بيبيتو، روماريو، روبرتو كارلوس… أساطير ألهبوا حماس الجماهير، وتركوا لنا ذكريات لا تنسى ولقطات لا يمحوها الزمن. هم صناع البهجة والفرحة والسعادة... إذا أردت أن تسرّي عن نفسك ارجع إلى لقطاتهم النادرة والساحرة والممتعة.

حتى حارس مرمى المنتخب الحالي أليسون بيكر، لاعب بدرجة فنان، لا يجيد صد الكرات فقط، لكنّه يصول ويجول في الملعب، فهو مدافع شرس وصانع ألعاب فنان مميز وهداف قدير.

منتخب لا يعتمد على التاريخ فقط، بل يملك حاضراً رائعاً حتى بلغة البيزنس. فتتجاوز القيمة التسويقية للمنتخب البرازيلي حالياً 849 مليون يورو

تاريخ الكرة البرازيلية هو تاريخ مواز للكرة العالمية... فقصة راقصي السامبا بدأت مع أول كأس عالم، ولم تغب عن هذه البطولة طوال تاريخها، شاركت في كل النسخ من أول بطولة في أوروغواي عام 1930، إلى آخر نسخة في قطر 2022.

والمنتخب البرازيلي هو الذي لم يغب عن المونديال، وهو الأكثر تتويجاً بلقب كأس العالم في التاريخ، إذ يشارك منتخب السيلساو في مونديال قطر 2022 وفي جعبته 5 ألقاب. تذهب السنوات وتأتي أخرى والبرازيل هي البرازيل مهما كان مستواها.
منتخب لا يعتمد على التاريخ فقط، بل يملك حاضراً رائعاً حتى بلغة البيزنس. فتتجاوز القيمة التسويقية للمنتخب البرازيلي حالياً 849 مليون يورو، ليصبح من أغلى المنتخبات من حيث القيمة المالية في العالم، حسب موقع ترانسفير ماركت.

ورغم الأرقام القياسية، فالقصة ليست في الإحصائيات والأرقام الجامدة، لكن في الجمال والمتعة والسحر الذي قدمته السامبا.
دائماً كان منتخب البرازيل بالنسبة لي حلماً يستحيل أن أراه في الواقع وجهاً لوجه. لكن، ها هي البرازيل تحضر لي ليسافر الحلم نحوي، وفي أكبر حدث كروي في العالم وهو كأس العالم في قطر.
فأهلاً بالجمال والمتعة في الدوحة. نعم كلّ المنتخبات تتنافس لكي تقدم أجمل ما لديها، لكن في النهاية لا متعة ولا كرة من دون البرازيل.

المساهمون