أجريت الانتخابات اللبنانية يوم ذكرى النكبة الفلسطينية، أو الأحد الموافق 15 مايو/أيار من هذا العام 2022. وبعد عراكات وصراعات وتحدّيات، خرجت النتائج على لسان وزير الداخلية، لتقول إن كتلة حزب الله فقدت الأغلبية في البرلمان اللبناني الجديد.
وقد فوجئ اللبنانيون بثلاثة أمور: الأول، بروز النواب المستقلين الجدد والراغبين في تغيير نمط الحكم، وهؤلاء هم فئة الشباب الذين حصلوا على 12 مقعداً من أصل 128.
والمفاجأة الثانية فوز حركة القوات اللبنانية وحصولها على 20 مقعداً. ولهذا، من المنتظر أن يضغط سمير جَعْجع على الجهات المختلفة، لكي يصوّت له البرلمان الجديد رئيساً للبنان، أو على الأرجح لأحد أنصاره.
والمفاجأة الثالثة، تحليل الأثر الذي خَلَّفه قرار قيادة تيار المستقبل مقاطعة هذه الانتخابات، علماً أن اثنين من المنتمين له خرجا عن ذلك القرار، ورشّحا نفسيهما، فخسر أحدهما في الجنوب، وفاز الآخر في منطقة الشمال.
والسؤال هنا: هل ستنتهي هذه الانتخابات بما انطوت عليه من نتائج إلى تشكيل حكومة لبنانية تقنع الأطراف الإقليمية ذات العلاقة، والأطراف الدولية، بأن لبنان جاهز للبدء بالتحرّك نحو إصلاح البنى التحتية، وفتح باب السياحة والحركة التجارية، والتصدّي لمشكلة الغلاء ونقص المواد الأساسية، وحل مشكلة الطاقة والكهرباء، والبدء بإعادة جدولة الديون الخارجية على المديين، المتوسط والطويل؟
أسئلة كلها برسم الإجابة، وعلى الأطراف التي قد لا تعجبها النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات أن تبدأ في التحرّك بحسن نية، لكي تمكّن لبنان واللبنانيين من قلع الأشواك بأيديهم، والسير نحو الإصلاح بثقة.
وفي ليبيا، تشكلت حكومة سعت إلى أن تدخل مدينة طرابلس العاصمة بالقوة، وبمساندة قوية من خليفة حفتر. ولكن هذه الحكومة، برئاسة فتحي باشاغا، وقواتها المساندة لها، جوبهت بمقاومة قوية من رئيس الوزراء المعترف به دولياً، عبد الحميد الدبيبة، ولذلك انسحبت قوات حكومة باشاغا إلى مدينة سرت الواقعة على البحر المتوسط في المنتصف تقريباً بين طرابلس وبنغازي.
وقد أصرّ باشاغا على الاحتفاظ بمنصبه رئيس وزراء، على الرغم من أنه لا يحظى، حتى اللحظة، بالشرعية الدولية.
وإذا استمر حال الانقسام في ليبيا، فإن "سيناريو" انقسام الدولة إلى دولتين يصبح وارداً، ولو نظرياً، في ظل المعطيات القائمة حالياً، فإن ليبيا لن تتمكّن، في المدى المنظور، من ترتيب بيتها الداخلي، وإعادة تحريك الدولاب الاقتصادي، وطمأنة المستثمرين بأن البلد مستقرٌّ إلى القدر الذي يغري المستثمرين الليبيين والعرب والأجانب بالمخاطرة بأموالهم فيها. ولكن احتمالات التقسيم، والتقاتل على الحدود في ليبيا، أصبحت واردة.
وقد يفتح هذا الأمر فرصةً لدولة مثل مصر، لكي تجد لها منفذاً قوياً للتعامل مع الجزء الشرقي من ليبيا، والذي يربطها بحدودٍ طويلةٍ مع مصر والسودان.
وقد جرت انتخابات في العراق، وخرجت منها قائمة مقتدى الصدر بأكثرية. وبعد لَأيٍ تمكن البرلمان العراقي من انتخاب رئيس له من سنّة الأنبار، محمد الحلبوسي، الذي كان يرأس المجلس قبل الانتخابات.
أما رئيس الجمهورية، فقد فشل المجلس في انتخابه بعد محاولتين بسبب فقدان النصاب. وما زال انتخاب رئيس الوزراء يراوح مكانه، منذ إجراء الانتخابات في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي 2021. ولذلك، أعلى منصبين في العراق، رئيس الجمهورية (رغم محدودية صلاحياته) ورئيس الوزراء، يحتلهما شخصان انتقاليان يطمحان إلى أن يجدّد لهما. ولكن لا يبدو أن في الأفق حلاً محتملاً في القريب العاجل. ولهذا، يبقى الوضع الاقتصادي في العراق يراوح مكانه.
وفي يوم 17 من شهر مايو/أيار، ألقى مقتدى الصدر خطاباً حامياً في كربلاء، هدّد فيه الأطراف الأخرى المعارضة بضرورة التحرّك لتشكيل الحكومة، واستكمال المناصب الدستورية حتى تتمكن آليات الدولة من العمل بتركيز وكفاءة على حل المشكلات الاقتصادية الاجتماعية المتصاعدة في حدّتها، والتي تضرّ بالفقراء والأقل حظاً، والذين يمثلون غالبية من صوّتوا لمقتدى الصدر الذي ضاق ذرعاً بالأمور، وهدّد بالعودة إلى الاحتجاج في الشارع.
وهناك دول داخلة في معركة الإصلاح السياسي، فقد أقرّ الأردن التشريعات الناظمة والتعديلات الدستورية المطلوبة.
وينتظر الآن مقترحات الورشة الاقتصادية، حتى يرى ما أسفرت عنه. ولكن الأردن يشهد تحرّكاً واضحاً ومدعوماً لزيادة الاستثمار وتحريك عجلة الاقتصاد. وعلى كثرة النقاش والجدل، تتحرك الأمور نحو الأحسن بالتدريج.
أما السودان، فما تزال المعركة دائرة بشكل معلن وخفي بين الأحزاب والحكومة العسكرية. والمشكلة هناك أن الجيش لم يقنع الحركات الشعبية والمنظمات غير الحكومية في السودان بأنه جادّ في العودة إلى حياة سياسية مدنية بعد عدد من السنوات. ويخشى المحتجّون أن هذه حيلة لشراء الوقت. آن الأوان أن تُزال فجوة الثقة، حتى يتحرّك السودان لحل المشكلات المتفاقمة في المجالات الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
وتونس تمر كذلك بمرحلة انتقالية صعبة. وقد فقد الرئيس التونسي المنتخب، قيس سعيّد، بعضاً من ألقه الذي ظهر به في بدايات حكمه. وهو الآن يخوض معارك مع الإسلاميين، وحتى مع المؤمنين بعلمانية الدولة من أتباع الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة. ولكن الوضع الاقتصادي التونسي الذي كان يقدّم مثالاً ناصعاً عن دولةٍ غير نفطية، بحاجة الآن إلى الاسترجاع، حتى لا تبقى الصراعات السياسية كاشفةً لمزيد من الهشاشة الاقتصادية.
المفروض أن الديمقراطية والانتخابات تحسم الأمور لصالح الأغلبية، وأن يعود العسكر إلى ثكناتهم، وأن يدير البلاد أناسٌ قادرون منتخبون.
وفي رأيي أن هذا المعركة بين إلحاح الأزمات الاقتصادية والاصطدام الاجتماعي حول من يحكم قبل أن يحين دَورُهُ، سوف تكون قاصمة للظهر، إذا لم تصل إلى معادلات حكمٍ مرضيةٍ للجميع.