الانتخابات الأميركية ووقف الحرب على غزّة

01 اغسطس 2024
دمار كامل لمساكن غزة، 31 يوليو 2024،(عبد الرحيم خطيب/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **الوضع الكارثي في غزة**: نشرت "الإيكونومست" صورة لطفل فلسطيني يصوب مِقلاعه نحو إسرائيل، مع مقال يروي قصة الطبيب مازن القصاص الذي أصيب بطلقة نارية، مما يعكس الفظاعة الصحية في غزة خلال حرب 2018 التي خلفت دماراً كبيراً واستمرت لأكثر من ثلاثمائة يوم.

- **ردود الفعل الدولية والمحلية**: الإحصائيات توثق حجم القتل والدمار، مع وصف ما يحدث كجريمة حرب من قبل الفلسطينيين والعرب، وتراجع التغطية الإعلامية للحرب في وسائل الإعلام الأميركية والعربية.

- **المواقف السياسية والدعم العربي**: الأردن وقطر يقدمان دعماً ملموساً لغزة، بينما تتباين المواقف في الولايات المتحدة بين الديمقراطيين والجمهوريين، مع أهمية الانتخابات القادمة لدعم القضية الفلسطينية.

لغايات المقارنة، فإنني أود أن أذكر القراء أن مجلة "الإيكونومست" البريطانية "Economist"، قد أصدرت عددها للأسبوع 19-25 من شهر مايو/أيار عام 2018، وقد وضعت على الغلاف صورة لطفل فلسطيني يصوب مِقلاعه إلى داخل إسرائيل من مكان بالقرب من الحدود الغزّية معها. أما عنوان الغلاف المصاحب لتلك الصورة الرمزية البديعة كان "غزّة: هنالك بديل أفضل".

ويفتتح المقال الرئيسي بعنوان "عقلية الحصار" أو Siege Mentality بقصة عن طبيب فلسطيني اسمه مازن القصاص، كان قد أصيب بطلقة نارية اقتطعت جزءاً من فخذه أطلقها عليه "قناص" إسرائيلي قبل أيام من مقابلته للصحافي بمجلة الإيكونومست. ولم يتحدث الطبيب القصاص كثيراً، بل اكتفى بأن أطْلع الصحافي على مكان الإصابة، وقال له "أنا مضطر أن أقطع هذه المقابلة لأن الوضع كما تراه في المستشفى مكتظ، وهناك أكثر من خمسين مريضاً وجريحاً بانتظاري".

وقد مثّل هذا المدخل للمقال فظاعة الوضع الصحي الكارثي في غزّة إبان حرب 2018 بمناسبة مرور سبعين عاماً على النكبة الفلسطينية وإنشاء الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين. ولم تدم تلك الحرب إلا أسابيع وانتهت بإحداث دمار كبير في البيوت والبنى التحتية. ولكن قصة الطبيب القصاص ومكابدته واصطباره على جروحه لكي يعالج الجرحى والمرضى تبدو الآن جزءاً بسيطاً من روتين الفظاعة والهدم والقتل المتواصل ضد غزّة، وشتان بين 2018 والحرب الدائرة الآن منذ أكثر من ثلاثمائة يوم بدون توقف أو انحسار. صارت الأخبار التي تغطي تطورات الحرب ميدانياً وسياسياً نسخاً كربونية عن بعضها البعض ما عدا الأرقام، والأسماء أحياناً.

لقد وردت إحصائيات كثيرة وقاسية عن حجم القتل والجرحى والمفقودين، وعن مكان وجودهم عندما تعرض هؤلاء الشجعان للاعتداء الظالم، وعن مهنهم سواء كانوا من العاملين لحساب وكالة أونروا، أو في قطاع الصحة، أو من الأطفال أو النساء، وسمعنا تفاصيل رقمية وأكثرها موثق توثيقاً كاملاً ومقنعاً للبيوت والعمائر التي هدمت، والمستشفيات التي دمرت، والمدارس التي خسفت، والجامعات التي استهدفت. ولدينا إحصاءات دقيقة عن حجم البنى التحتية من أنابيب مياه وخزانات، ومعلومات محددة عن حجم النفط والأدوية والأغذية والأدوات الطبية التي سمح بالنزر اليسير المطلوب منها بالدخول إلى غزّة. كل هذا موثق، أو فلنقل ما يكفي منه، لتقشعر له الأبدان.

وبالمقابل هناك تطوران ملفتان للنظر. الأول هو أن أهل غزّة وأهل الضفة، وكثراً من أفراد الشعب العربي والمؤسسات المدنية والكثير من المنظمات الدولية الإنسانية وغير الحكومية منها ما يزالون عند موقفهم في وصف ما يحدث بأنه جريمة حرب إنسانية نكراء ترتكبها إسرائيل وجيشها "صاحب الأخلاق الرفيعة"!! حسب ادعاءات نتنياهو وكثير من أزلامه المستحدثين. وبالمقابل نرى أن معظم حكومات العالم بدأت تعيد تركيز اهتمامها على قضايا أخرى.

ولعل من أهم هذه التطورات هو أن محطات التلفزة الأميركية (الليبرالي منها أو المحافظ) تكاد لا تذكر شيئاً عن الحرب في إعلامها الموجه إلى داخل الولايات المتحدة. أما في النشرات العالمية، فهم يذكرونها بخجل وكلمات قليلة كما يحصل في كثير من محطات التلفزة الفضائية العربية منها والإسلامية.

والسؤال: هل تضاؤل ردات الفعل في الإعلام الرسمي العربي واستمراره على الوسائل ذات الصفة غير الرسمية أمر متوقع؟ أم أن استمرار الحرب يعني أن الشعوب تزداد تعلقاً بالمقاومة، وأن المسؤولين العرب والمسلمين محرجون من استمرار الحرب لأنها تكشف في نهاية الأمر رغبتهم في أن تصبح القضية الفلسطينية كلها خلف ظهورهم؟

بعض الدول مثل الأردن تدعم أهل غزّة، وتستخدم كل الوسائل المتاحة لها لكي توصل المساعدات إليهم، وهي بالقياس ناجحة في هذا الأمر نجاحاً مرموقاً.

ويعبّر المسؤولون الأردنيون، وبخاصة وزير الخارجية أيمن الصفدي بلغة صريحة لا تحتمل اللبس عن موقف أردني متقدم ومؤثر، ولكن الأردن يقول إنه لن يسمح لقواته بالمشاركة في أي ترتيبات لحفظ السلام في غزّة، ويؤكد أن أي محاولات إسرائيلية لترحيل الفلسطينيين إلى الأردن هي خط أحمر، وسيتصدى لها الأردن بكل الوسائل، ويرفض ادعاءات أزلام نتنياهو من وزراء متشددين أن الأردن هو فلسطين، وهو أمر مرفوض نصاً وروحاً واتجاهاً، والأردن سيستخدم كل الوسائل المتاحة لمنعه. ولكن الأردن برغم أهمية موقعه الاستراتيجي لن يسمح لأحد بتجاوز سيادته وكرامة أراضيه.

ولا يوجد أي أردني بغض النظر عن أصله ومنبته وديانته وعقائديته يقبل أن يتحول الأردن إلى فلسطين. فالجهد الأردني مُخَزَّنٌ إلى يوم يُخشى فيه أن تصبح إسرائيل كلها دولة متطرفة، وهذا ما يحصل فعلاً، فيكون لزاماً على الأردن أن يحول دون مآرب هؤلاء.

ويُسجل لدولة قطر أن إعلامها الرسمي وغير الرسمي داعم للأهل في غزّة، وفاضح لممارسات إسرائيل. وتبذل قطر دور وساطة متميزاً لوضع نهاية لهذه المذابح البشرية وحرب الإبادة البربرية التي تشنها إسرائيل على أطفال غزّة ونسائها ومنشآتها.

والموقف الثاني المهم هو الموقف الأميركي الذي تجلى في استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي. ورغم أن فترة الانتخابات وتوقيتها جعلتا الأموال اليهودية ومراكز الضغط اليهودي في الولايات المتحدة قادرة على أن تتخذ أميركا موقفاً "منافقاً" من نتنياهو، إلا أنه من الواضح أن الثقة في المرشح الجمهوري "دونالد ترامب" يجب ألا يكون لها مجال في ذهن المسؤول العربي، لأن الرجل رغم خلافه مع صهره جاريد كوشنر، ما يزال مصرّاً على مواقفه وأفعاله السابقة، ويعتقد أنه قادر على فرض حلّ في غزّة هدفه إطلاق سراح السجناء الإسرائيليين وإطلاق يد نتنياهو لكي يجهز على المقاومة.

وصحيح أن نتنياهو سعى لأن يبدو مرتاحاً في لقائه مع الرئيس جو بايدن لكنه خاطبه بالقول "إنك كرجل مسيحي كاثوليكي صهيوني وصديقي كيهودي صهيوني". هي لغة يخاطب بها نتنياهو عملياً أنصاره في إسرائيل، ويخاطب فيها أيضاً مؤيدي إسرائيل من المسيحيين المتصهينين في الولايات المتحدة، والذين يشكلون القاعدة السياسية لترامب. ولكن كامالا هاريس التي تتعرض لانتقادات شديدة من أنصار إسرائيل لأنها ذكرت نتنياهو عند لقائها به بضرورة إنهاء الحرب الظالمة في غزّة ما يعكس موقفاً متقدماً مقارنة مع كل من بايدن وترامب.

ولكن الأهم أن كامالا هاريس ترى أن المكون الديمغرافي الأميركي من عرب ومسلمين وأفارقة، وبعض الفئات من أصول أميركية لاتينية، ومن شباب بيض ونساء، سيكون مهماً في تحديد من يفوز بعددٍ من الولايات المتقلبة مثل ميشيغين ومينيسوتا وأوهايو وجورجيا وأريزونا، وويسكونسن، خاصة أن بايدن الديمقراطي فاز بها في انتخابات نوفمبر عام 2020 بعدد قليل من الأصوات التي ستذهب كلها للفائز.

أعتقد أن كل الزعماء العرب الذين يريدون إنهاء الحرب الظالمة في غزّة، وإزالة الحرج المتأتي لهم بسبب استمرارها، يجب أن يكون لهم موقف واحد وهو دعم الحزب الديمقراطي. صحيح أن بعض الأنظمة العربية خاصة في منطقة الخليج يرى أن الديمقراطيين أصعب عليه من الجمهوريين، ولكن تأييد الجمهوريين مادياً واقتصادياً سيكون باهظاً جداً.

ويجب ألا يفهم من هذا الكلام أن الديمقراطيين سيكونون سمناً على عسل، ولكن فرص التأثير عليهم حتى مع اللوبي اليهودي الليبرالي، والذين يخشون على إسرائيل أو لا يؤمنون بوجودها، هو الأجدى في العقود القادمة، لأن التطرف الديني في إسرائيل سيجد له صديقاً أقرب في التطرف المسيحي الأبيض في الولايات المتحدة، وحتى في أوروبا. ولكن المراهنات على أن اليمين سوف يتفوق في أوروبا بدأت تتراجع بعد انتخابات المملكة المتحدة وفرنسا.

يجب أن يتم الاتصال بالمؤيدين لرفع الظلم عن غزّة وفتح عملية سياسية لحل القضية الفلسطينية برمتها في داخل الولايات المتحدة. والأشهر القادمة في غاية الأهمية لأنها حاسمة.

المساهمون