الانتخابات الأميركية ... مخاوف على صناعة القرار في واشنطن من لوبي الأثرياء

08 نوفمبر 2022
تنافس دوائر المال على تقرير مصير الكونغرس (getty)
+ الخط -

يجري تنافس شرس بين الأثرياء ورجال الأعمال في الولايات المتحدة على التدخل في الحياة السياسية الأميركية، وبالتالي تحديد مسار النفوذ السياسي في واشنطن، بينما بدأت اليوم الثلاثاء انتخابات التجديد النصفي لأعضاء الكونغرس الأميركي التي سيتحدد على ضوء نتائجها ما إذا كان الحزب الديمقراطي سيتمكن من الاحتفاظ بأغلبيته في الجهاز التشريعي أم لا.

ومنذ 2020، احتفظ الحزب الديمقراطي بالأغلبية في مجلس النواب وتساوى مع الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ، مع أفضلية يؤمنها صوت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس. لكن لماذا هذا التنافس الشرس بين أثرياء أميركا على تمويل الانتخابات وما هي المصالح من وراء ذلك؟

"أميركان فور تاكس فيرنس": مليارديرات زادوا تبرعاتهم لدعم مرشحيهم في الانتخابات النيابية مقارنة بأية انتخابات جرت للكونغرس

في هذا الشأن، لاحظ تقرير مجموعة "أميركان فور تاكس فيرنس" أو "أميركيون من أجل عدالة الضرائب" في فلوريدا، أن مليارديرات الولايات المتحدة زادوا تبرعاتهم لدعم مرشحيهم في هذه الانتخابات النيابية مقارنة بأية انتخابات جرت للكونغرس في التاريخ الأميركي.

ووفق التقرير، فإن المليارديرات أو كبار الأثرياء ضخوا في تمويل الحملة الانتخابية الحالية مبالغ بلغت 880 مليون دولار.

وبهذا الرقم، هي تفوق المبالغ التي ضخها الأثرياء في حملة انتخابات الكونغرس في العام 2018 بنحو 44%، كما تقترب من حجم تبرعاتهم في حملة الرئاسة الأميركية في العام 2020 التي بلغت 1.2 مليار دولار.

موقف
التحديثات الحية

وأثار هذا التسابق من قبل الأثرياء على تمويل المرشحين السؤال الخطر حول مدى نفوذ وهيمنة هؤلاء على دائرة صنع القرار في واشنطن، وعما إذا كانت الديمقراطية الأميركية يجري اختطافها من قبل حفنة من أصحاب الثروات وباتت مصالحها تُخدم على حساب التخلي عن الأولويات المعيشية للمجتمع الأميركي العريض.

في ذات الشأن، طرحت دراسة أجراها عالمان من علماء الاقتصاد، وهما البروفسور مارتن غيلينز من جامعة برينستون في هيستون بتكساس والبروفسور بنجامين بيج من جامعة نورث وسترن في شيكاغو، السؤال الصعب الذي يواجه كفاءة النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة، والدور الذي يلعبه الأثرياء في النفوذ وتحديد مسار سياسات الإدارة الأميركية وقرارات الكونغرس على صعيد السياسة المالية والنقدية، وكذا على صعيد السياسات في الدول التي تخدم مصالح الطبقة الثرية.

دراسة علمية: ما يهم الساسة في الكونغرس هو خدمة مصالح الأثرياء الذين يدعمونهم مالياً في الحملات الانتخابية وليس عامة الشعب

وتساءلت الدراسة عما إذا كان النظام الديمقراطي يخدم حقاً عامة المواطنين في الولايات المتحدة، أم أنه تم اختطافه بواسطة النخب الثرية.

وخلصت الدراسة إلى أن الأقلية هي التي تتحكم في قرارات واشنطن، وأن ما يهم الساسة في الكونغرس هو خدمة مصالح الأثرياء الذين يدعمونهم مالياً في الحملات الانتخابية وليس عامة الشعب.

وبحسب تفاصيل الدراسة فإن "جماعات المصالح والنخب الثرية باتت تلعب دوراً جوهرياً في التأثير على السياسة العامة، وأن الجمهور أو عامة الشعب الأميركي ليس له تأثير يذكر أو له تأثير ضئيل جداً".

في ذات الصدد، يقول مركز "بيرنان للعدالة" في نيويورك، إن فئة قليلة من الأثرياء تمول الانتخابات الأميركية وتفرض عملياً مصالحها على القرارات التي تجيزها واشنطن على الصعيدين المحلي والخارجي.

كما تشير الدراسة التي صدرت في بداية الشهر الجاري إلى أن الأثرياء أنفقوا نحو 71 مليون دولار لدعم حملة التشكيك في الانتخابات الرئاسية التي جرت في العام 2020.

وبحسب معطيات مركز "بيرنان للعدالة" فإن هذا التمويل يشكل ضربة للنظام الديمقراطي في الولايات المتحدة. كما يرى أن الولايات المتحدة بحاجة إلى قيود على تمويل الحملات، وكذا إلى الشفافية وتطبيق قواعد الديمقراطية.

من جانبه يرى مركز ستون لدراسات الاقتصاد الاجتماعي والتفاوت الطبقي التابع لجامعة براون يونيفرستي الأميركية بولاية رود آيلند، أن نحو 400 عائلة ثرية فقط في الولايات المتحدة تؤثر في القرار السياسي الأميركي عبر تبرعاتها البالغة نحو 50% من إجمالي تمويلات حملة الانتخابات الرئاسية.

نحو 400 عائلة ثرية تؤثر في القرار السياسي الأميركي عبر تبرعاتها البالغة نحو 50% من إجمالي تمويلات حملة الانتخابات الرئاسية

وبالتالي، فإن العائلات الأميركية هذه هي التي تملك البنوك والشركات الكبرى متعددة الجنسيات والمصانع، وتستفيد بشكل مباشر من سياسات الفائدة المصرفية التي يقرها مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، وهي سياسات تزيد من ثرواتهم حينما تكون الفائدة قريبة من الصفر لأنهم يحصلون على أموال شبه مجانية ويتاجرون بها في الأسواق الخارجية، كما تزيد من فوائدهم على إقراض الأموال المتراكمة لديهم حينما ترتفع الفائدة على الدولار.

ولاحظ تقرير "أميركيون من أجل العدالة"، أن من كبار المليارديرات الذين تبرعوا في هذه الحملة الانتخابية التي ستجرى اليوم، كل من جورج سورس الذي تبرع بنحو 128 مليون دولار، وهو ملياردير محسوب على الحزب الديمقراطي، يليه الملياردير ريتشارد يوهلين وزوجته اللذان تبرعا للحزب الجمهوري بنحو 67 مليون دولار.

ويشير حجم الأموال التي ضخت في هذه الحملة الانتخابية إلى أية درجة بات الأثرياء يهتمون بتحديد المسار السياسي للكونغرس الذي عادة ما يحدد السياسات المالية والاقتصادية. ويرى خبراء أن النفوذ المتزايد للمال وتدخل الأثرياء في الانتخابات يشوه الديمقراطية الأميركية.

في هذا الصدد، يقول الرئيس التنفيذي لمجموعة "أميركيون من أجل عدالة الضرائب"، فرانك كيلمنت، إنه "إذا كنا نريد نظاماً ديمقراطياً يخدم مصالح الجميع، يجب علينا أن نحد من نفوذ أموال الأثرياء في نظامنا السياسي".

على صعيد ميول الأثرياء، يلاحظ أنه رغم تنوع الطيف السياسي لمليارديرات الولايات المتحدة، يميل كل من وارن بافيت وجيف بيزوس وبيل غيتس نحو يسار الوسط بشأن العديد من القضايا. وعُرف عن كل من بافيت وغيتس ميلهما للعمل الخيري، كما عُرف عن عمدة نيويورك السابق مايكل بلومبيرغ مناصرته لقضايا جمع السلاح وحماية البيئة.

ويواصل جورج سوروس نشاطه في قضايا حقوق الإنسان، وتوم ستاير تركيزه على خدمة قضايا الشباب والقضايا البيئية، وهؤلاء من كبار المانحين للديمقراطيين.

لاحظ محللون أن أثرى 100 أميركي وعلى رأسهم وارن بافيت وغيتس وبلومبيرغ لا يختلفون كثيراً عن الأخوين كوش

في المقابل، فإن كلا من الأخوين تشارلز وديفيد كوش، يناصران القضايا المحافظة ويدعمان بقوة الحزب الجمهوري.

لكن رغم ذلك لاحظ محللون أن أثرى 100 أميركي وعلى رأسهم وارن بافيت وغيتس وبلومبيرغ لا يختلفون كثيراً عن الأخوين كوش، فهم جميعاً محافظون للغاية في توجهاتهم بشأن القضايا الاقتصادية رغم أنهم يؤيدون الحزب الديمقراطي، فهم مهووسون بقضايا خفض الضرائب على ثرواتهم، خاصة ضرائب العقارات التي تنطبق فقط على الأميركيين الأكثر ثراء، كما يعارضون السياسات البيئية التي تنظم البيئة أو تحد من هيمنة البنوك الكبرى، وهم غير متحمسين بشأن البرامج الحكومية التي تستهدف حماية الوظائف أو زيادة الدخل أو زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية أو معاشات التقاعد.

وهذه القضايا والبرامج تدعمها أغلبية كبيرة من الأميركيين وفق مراقبين. وبالتالي فهم لا يختلفون عن نظرائهم من الأثرياء الذين يدعمون الحزب الجمهوري مثل الأخوين كوش.

لكن رغم هذه الانتقادات لدور الثروة في الانتخابات الأميركية، يلاحظ أن أثرياء كبارا صرفوا مئات الملايين لتمويل حملتهم الانتخابية فشلوا في انتزاع الفوز مقابل مرشحين من الطبقة الوسطى اعتمدوا على تمويلات من الجماهير.

ويعني ذلك أن الأموال وحدها ليست الأمر الحاسم في تحديد مسار الانتخابات، وأن أميركا لا تزال تهتم بالقضايا الكبرى، خاصة قضايا هيمنتها على النظام المالي العالمي.

ويعتمد النظام السياسي الأميركي في هيمنته العالمية إلى جانب القوة العسكرية، على قوة البنوك والدولار وتحديد مسار التجارة العالمية وجذب الثروات.

وبالتالي يرى بعض الخبراء أن الأثرياء رغم دورهم الهدام في مراكمة الثروة وزيادة التفاوت الطبقي، فإنهم يلعبون دوراً مهماً في تعزيز مركز الولايات المتحدة كقائدة للنظام العالمي.

المساهمون